نجحت الأمم المتحدة من تحقيق نقلة نوعية في محادثاتها التي أسفرت عن تشكيل حكومة ليبية مؤقتة ستتولى إدارة شؤون البلاد مؤقتاً، حتى إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية في 24 كانون الأول/ ديسمبر من العام الجاري 2021.
نجاح أم فشل؟!
توصّف الأمم المتحدة تشكيل الحكومة الليبية المؤقتة على أنه إنجاز كبير من شأنه أن يحسم الصراع الدائر في ليبيا ويغلب عليه الأمن والاستقرار، وهذا من الناحية الشكلية صحيح جداً، لكن من الناحية العملية وعلى الرغم من الترحيب الدولي والإقليمي وعلى المستويين العربي والغربي بهذه الخطوة التي جاءت تحت مطلب أممي بالمسارعة للاعتراف بهذه الحكومة، وأعادت بعض الدول الأوروبية فتح سفاراتها وقنصلياتها مثل اليونان، واعتبر الجميع وكأن 10 سنوات من عمر الأزمة الليبية قد طوتها مسألة تشكيل حكومة مؤقتة لن تبقى عاماً حتى، بل بضعة شهور حتى موعد الانتخابات نهاية العام الجاري.
الحقيقة التي يجب قولها، إن هذه الخطوة كانت لتكون فعلاً إنجازاً باهراً لو سبقها تنفيذ قرارات مجموعة (5+5) وإخراج القوى الأجنبية والمرتزقة الأجانب من الأراضي الليبية، لكن تعيين أشخاص وسط بقاء الوضع الداخلي على ما هو عليه، ليس أكثر من مجرد فترة هدوء حذر ومؤقت، إذ انه من غير المتوقع أن يُعرف ماذا يُحضر للفترة اللاحقة، فأن تمثل الحكومة كافة أطياف الشعب الليبي، لا يمكن له أن يحقق الأمن والاستقرار المرجوَين، وبالتالي بنت الشخصيات السابقة دعماً خاصاً بها وخلفها يقف الكثير من الداعمين مثل شخصية فتحي باشاغا الذي يتحكم بقوات الردع ومن الممكن القول إن أهالي مصراته جميعهم إلى جانبه، فضلاً عن التواجد التركي الذي لا يزال نفسه، فالمباركة التركية تعبر عن مرحلة جديدة ستطبق بها على ليبيا من خلال الزج باتفاقيات جديدة، ستحاول من خلالها الحكومة الجديدة العمل تحت عناوين تتعلق بأمن واستقرار ودوران العجلة الاقتصادية في ليبيا، هذا بالإضافة إلى التعاون العسكري الذي قد يوسع النفوذ التركي إلى جانب الولايات المتحدة التي دعتها بعض الدول الأوروبية إلى التدخل أكثر بشكل فاعل في ليبيا، وهذا يعني أن الأطراف المنخرطة ستبقى في ليبيا، لكن من غير المعروف تحديد مستقبل البلاد في هذه الفترة، فهذا الإنجاز هو إنجاز أممي يُسجل لصالح المبعوثة الدولية بالإنابة “ستيفاني ويليامز”، وليس لصالح ليبيا بطبيعة الحال.
مفاجأة غير متوقعة
بعد الكثير من الأخبار التي تداولت اسمَي عقيلة صالح رئيس مجلس النواب، المستشار في حكومة بنغازي، وفتحي باشاغا، وزير الداخلية في حكومة طرابلس، أنهما المرشحان الأوفر والأكثر حظاً في مسألة توليهما المناصب التي أراداها، وخرجت أخبار أخرى تتحدث عن مطالبتهما لعدد من الدول المحورية في الملف الليبي كتركيا وفرنسا مساعدتهما في تسلم المناصب التي ذهبت إلى أسماء لم تكن متصدرة واجهة الأحداث في ليبيا، ولم يكن أحد يعرف بها، وهنا المفاجأة الكبرى، لكن لهذه المفاجأة أبعاد غير المُعلن عنها، إذ ان طرح الأسماء التي نجحت في التصويت جاء بطريقة ذكية جداً، مثل إسقاط كل الاتهامات التي نُسبت إلى أن الأمم المتحدة مثل أن لديها قائمة معدة وجاهزة مسبقاً، وأنها تفضّل تولي إسلاميين وما إلى هنالك، فقاموا بتغيير الأسماء لينظر العالم أجمع على أن العملية تمت بنزاهة منقطعة النظير، لكن ما هي الخطة المقبلة التي سيتم اعتمادها؟
بعد أن اطمأن الشعب الليبي إلى أن الانتخابات تمت بنزاهة وأن العملية بكاملها لم تخضع لا للإبتزاز سياسي ولا للتدخلات خارجية، سيكون الفيصل في موعد الانتخابات المقبلة حيث سيعود اسم باشاغا إلى الواجهة مجدداً، وإلى حين ذلك، ستحدث بعض المناوشات والتي سيقال عنها إنها محاولات لتعطيل الانتخابات، في سيناريو أصبح العالم كله يعرفه ويعرف العقل الغربي كيف يفكر، الأمر المهم أولاً وأخيراً ليس تشكيل الحكومة من عدمه، بل كيف ستضمن الدول الغربية التواجد الدائم لها في الداخل الليبي لتحقيق أكبر قدر من المكاسب، فالمعروف أن حالة الاستقرار واستتباب الأمن إلى جانب تحسين الاقتصاد لن يجلب للغرب فوائد كبيرة كما حالة الفوضى، وتاريخهم في أفريقيا معروف في هذا الخصوص.
ماذا في جعبة الحكومة الجديدة؟
إن أهم ما لدى الحكومة الجديدة والتي ستعمل على جعله من أولى مهامها مباشرةً، هو الوضع الأمني والحدودي والوضع الاقتصادي وهذا الأمر كما أشرنا خارج إرادة الحكومة أو خارج مقدرتها إن جاز التعبير، فشخصيات الحكومة الجديدة تعتبر متوازنة ومعتدلة ولا يُعرف بعد مقدرتها على إدارة البلاد، وبالتالي عودة التدخل الأجنبي في مفاصل القرارات الحكومية، لكن على الأقل ستسعى الحكومة الجديدة إلى توحيد المؤسسات المنقسمة والسعي لحلحلة الوضع الاقتصادي والسياسي، والأهم من ذلك كله إقالة الشخصيات السياسية التي كانت في الحكومة السابقة وكان الأداء الحكومي لصالح ليبيا وشعبها ضعيف وسيء إلى حدٍّ ما.
كما أن الأداء الصحي هو أمر مطلوب منها لإدارة أزمة ملف “كورونا”، إضافة إلى تأهيل القطاع الصحي على مستوى البلاد.
والمخيف أن تُبقي هذه الحكومة على بعض الأسماء التي مارست سياسات سيئة مع الشعب الليبي، من خلال الاعتقال التعسفي والخطف وما شابه ذلك، فإن أبقت عليهم فهي كما سابقتها، إضافة إلى أن المقلق أن تضم بعض الميليشيات أو الأذرع غير الرسمية إلى مؤسستي الأمن والدفاع وبالتالي ستكون البلاد أمام أزمة حقيقية.
أخيراً، إن تشكيل الحكومة الليبية أمر مرحب به من قبل الجميع شرط أن ينقذ ليبيا لا أن يغرقها، وشرط أن تكون هذه الحكومة ولائها الأول والأخير للشعب الليبي والوطن، ونقل ليبيا إلى مراحل الاستقرار والأمن الذي افتقروا إليه لأكثر من عقدٍ من الزمن، فإن نجحت بأن يكون قرارها مستقلاً وسيادياً، ستكون ليبيا فعلاً قد خطت أولى خطوات تحقيق دولة جديدة مبنية على المساواة والعدل، رغم أن هذا الأمر مستحيل، لكن الأيام القادمة ستبين حقيقة تعامل هذه الحكومة مع الملفات الساخنة وعلاقاتها مع الدول الأجنبية ودول الجوار.
فريق عمل “رياليست”.