أخذ ملتقى تونس للحوار السياسي الليبي، الزخم الأكبر من أحداث الأسبوع الماضي المتعلقة بليبيا، خاصة لجهة التعتيم والسرية الكبيرين على مجرياته، ما يضع التحليلات السياسية في هذا الشأن، عرضة للإستنباط بناءً على التسريبات الخارجة من أروقة فندق تونس الذي يستقبل فيه الوفد الليبي المشارك.
لماذا يرى الغرب في ملتقى تونس أنه نقلة نوعية؟
على عكس الملتقيات والإجتماعات والمحادثات، التي عادةً ما يرافقها وفود إعلامية من دول كثيرة، إلا في هذا الملتقى، فلقد إعتبره الغرب نقلة نوعية ستأخذ البلاد إلى الأمن والأمان والإستقرار، وبالتالي هناك تفاؤل غربي من نتائجه، خاصة الدول المنخرطة في الملف الليبي، لكن كيف بنى الغرب فكرته هذه ولم يتم التعريف بالوفد المشارك أو ماهيته وولاءاته سوى أنه يمثل كافة الشرائح الليبية، فالجالية اليهودية الليبية الموجودة في المملكة المتحدة على سبيل المثال، عبرت عن إستيائها لعدم مشاركتها في هذا الملتقى، معللة أن الجالية الليبية الموجودة في الخارج تستطيع التأثير على المجتمع الدولي للمشاركة في حل أزمة البلاد.
إنما مديح الغرب بهذا الملتقى، يعني أمراً واحداً، وهو فشله حتى ولو خرج بنتائج تقول أن الجميع وافق على توزيع المناصب والحقائب السيادية، وأن الوفد عبر عن وحدته ووحدة الأراضي الليبية، فكل هذا الأمر فاشل إن لم يخرجوا ببند جامع ألا وهو خروج القوات الأجنبية (جميعاً) والإسراع بالإنتخابات التي يقرر فيها الشعب الليبي وحده مصيره لا، لا أن يكون مستقبلة ممثلاً بسيدة وهي ممثلة الأمم المتحدة بالإنابة في ليبيا (ستيفاني ويليامز) التي وصفها البعض بتصرفها وكأنها وصية على الشعب الليبي وعلى النخب السياسية في ليبيا.
ماذا يحدث في ملتقى تونس؟
كشفت بعض التسريبات من بعض الشخصيات الحاضرة في الملتقى أن هناك سرية مطبقة على الوفد المؤلف من 75 شخصية تمثل جميع الشرائح الليبية، وفق ما أوردته الأمم المتحدة لا المشاركين الممنوعين من التواصل مع العالم الخارجي، وكأن هذا اللقاء السري، يبحث قضية تتعلق بالفضاء لا في دولة تعاني حرباً على الأرض، فلقد عللت الأمم المتحدة هذه السرية بأنها ستضمن التصويت على الأسماء دون إملاءات خارجية وهذا غير صحيح.
التسريبات ذكرت أن ممثلة الأمم المتحدة لديها ورقة تحمل فيها أسماء غير معروفة حتى الشعب الليبي نفسه لم يسمع بها، ويُراد إشراكهم في العملية السياسية المستقبلية للبلاد، وأما الوفد المشارك، فهو يضم 70% منه، شخصيات تتبع تنظيمات إسلامية (تنظيم الإخوان المسلمين)، وتيارات إسلامية مختلفة أخرى، ما يعني أن الغلبة للإسلام السياسي وبصرف النظر عن التسمية “الإسلامية السياسية”، فعلى الرغم من رفض الشعب الليبي لإشراك الإخوان في حكم ليبيا لكن الأمم المتحدة زجت بهم، والغرب عموماً يريد لهم تولي القسم الأكبر من إدارة البلاد، وهذا أصبح لغايات لا تحتاج شرحاً فهي معروفة.
أيضاً، وزير الداخلية في حكومة الوفاق الليبية، فتحي باشاغا، المتوقع أن يستلم منصباً سيادياً كبيراً بحسب تسريبات الملتقى، وهو الذي له صلات مع تنظيمات إرهابية ويتبع لتنظيم الإخوان المسلمين، هناك تمسك غربي كبير بهذا الإسم، ما يعني أن قوات شرق ليبيا خارج المعادلة السياسية أو على الأقل سيكون دورهم محدود مقارنةً مع قوات غرب ليبيا.
هذه الأمور دفعت بعشرات النواب الليبيين لجمع توقيعات على بيان يحذر من مغبة إشراك (الإسلام السياسي) في شؤون البلاد، ومطالباً بمعرفة الأسباب الحقيقية التي دفعت الأمم المتحدة التي تنتهج هذا النهج في ليبيا، وهو أمر مرفوض بالنسبة لشرائح كبرى من الشعب الليبي.
ما سر ممارسة ضغط الأمم المتحدة على الوفد الليبي؟
لقد خرجت أخبار كثيرة وفي مجملها تحمل مؤشرات خطيرة، لعل أخطرها، أن الأمم المتحدة تمارس سياسة الضغط على الوفد الموجود ليصوت على الأسماء المقترحة من جانبها، وبإشراف فتحي باشاغا شخصياً على هذه العملية، فضلاً على أن هذا الملتقى يشبه نوعاً ما (البازار) تُباع وتُشترى فيه الأسماء والمناصب، وما زاد المخاوف المتصاعدة أنها لم تكن لتخرج للعلن لولا التحركات المريبة والسرية المفروضة من قبل الأمم المتحدة التي تدعي بحسب ستيفاني ويليامز، أن ذلك بسبب منع تضارب آراء ومواقف المشاركين في هذا الحوار من الخروج إلى العلن، لتفادي التشويش على مُجرياته، مما جعل الريبة تجتاح المشاركين من الإستهدافات الخفية خاصة لبعض بنود مسودة “وثيقة البرنامج الوطني للمرحلة التمهيدية للحل الشامل” في ليبيا.
ليس هذا فقط، بل بعد الإطلاع على آليات الاختيار التي جاءت في ملحق مشروع الاتفاق السياسي الجديد في ما يتعلق بـ “الترشح للرئاسي ورئيس الحكومة”، والشروط التي تضمنتها في الفقرتين /6/ و/7/ من ملحق مشروع الاتفاق السياسي الجديد، التي تبين أن لا دور لليبيين في تقرير مصيرهم، فلقد أبقت ممثلة الأمم المتحدة على عشرة معايير سرية تقيم فيها ترشيح المنصبين المذكورين (المرشح جاهز للتعيين)، ما يعني تكرار ما قام به المبعوث الأممي الأسبق برنارد ليون الذي فرض فائز السراج رئيسا للمجلس الرئاسي في آخر لحظة، لكن هذه المرة اللاعب الأبرز هو فتحي باشاغا.
أخيراً، إن الشعب الليبي اليوم على مفترق طرق، يجب إعلاء الصوت ووقف التدخلات الخارجية، وخاصة تعرية دور الأمم المتحدة المنحاز بشكل واضح لقوات غرب ليبيا، وإشراكهم بحكم البلاد بالحيلة والمناورة والخداع، وإن تحقق ذلك، يعني أن البلاد إنتهت إلى غير رجعة ممكنة على الأقل لسنوات عشر مقبلة، على أقل تقدير، اليوم الأمم المتحدة أعلنت موقفها بشراكتها في دمار ليبيا، وما إن تخرج معلومات ملتقى تونس إلى العلن وتتوافق مع التسريبات المشروحة أعلاه، يعني أن الكرة بملعب الشعب الليبي، فإما يرفض هذه الأدوار المعلبة والجاهزة، أو يحتفل بنهاية أمل الإستقرار في بلاده.
فريق عمل “رياليست”.