لا تزال الأزمة السورية محل جدل في كثير من ملفاتها، خاصة الشائكة منها، أي الشمال السوري، ومنطقة شرق الفرات، في ضوء تصدر قوات سوريا الديمقراطية – قسد المشهد كاملاً هذا الأسبوع لكثرة الانتهاكات المرتكبة من جانبها، وتوقعات بفشل المفاوضات التي تُجرى بينها وبين الدولة السورية، بوساطة روسية.
مسار أستانا بـ “بنود جديدة”
انتهت قبل ايام جولة مسار أستانا التفاوضي الـ “15” بين الدول الضامنة (روسيا وإيران وتركيا)، في مدينة سوتشي الروسية، وبحضور الدول المراقبة (الأردن والعراق ولبنان) حيث اتفق الجميع بحسب البيان الختامي، على وحدة الأراضي السورية ومحاربة الإرهاب، وتفعيل الحل السياسي، وهذه البنود هي ذاتها المكررة في الاجتماعات السابقة، إنما الجديد، هو إدانة الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على سوريا، ورفض كل أشكال وأنواع المشاريع الانفصالية، لكن ما أهمية هذين البندين في الجولة الـ “15” وبعد عشر سنوات من عمر الأزمة؟ إذ لم تتوقف إسرائيل سابقاً عن الاعتداء على سوريا، وكذلك لا تزال القوى الكردية تحلم بالانفصال بتشجيع من الولايات المتحدة الأمريكية، لقد برز مؤخراً تطورات جديدة في الشرق السوري، أمور كلها مقدمات حول الانفصال المزعوم وتطبيق هذا المشروع لإنشاء دولة كردية مبدئياً تنطلق من شمال العراق وصولاً إلى الشرق السوري.
هذا الأمر لن تسمح به تركيا أبداً، وكان قد صرح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في تصريحات تلفزيونية قبل أيام مطالباً بفتح صفحة جديدة مع واشنطن مقابل أن تتوقف عن دعم أكراد سوريا والعراق، دون رد من قبل الولايات المتحدة، هذا من جهة، ومن جهةٍ أخرى، من ينظر إلى ممارسات تنظيم قسد مؤخراً في مناطق سيطرتها، يبين أنها ماضية هي الأخرى بتنفيذ مخطط الانفصال، على الرغم من أنه مستحيل كما أشرنا في مواضع كثيرة، لكنه مشروع قائم لديها، لأنها لا تزال تشكل حاجة أمريكية في المنطقة، فبعد أن رفعت واشنطن يدها عن حماية المنشآت النفطية، تسلمت قسد هذه المهمة وبدورها بدأت تتبع سياسة تضييق الخناق على الشعب السوري، في محاولة منها لتهجيره من مناطق سيطرتها، يقابل ذلك احتدام التنافس والمعارك بينها وبين الفصائل الإرهابية المسلحة الموالية للقوات التركية في الشرق، بغية انتصار فريق على آخر، وهذا الأمر لا يزال مستمراً وسط غياب كامل للقوات الأمريكية، على الرغم من اجتماع بعض قيادات التحالف الدولي مؤخراً مع قيادات المجلس العسكري الكردي – قسد لبحث نقاط أمنية وعسكرية هامة تتعلق بمحافظة دير الزور دون ورود معلومات تبين ما خلص إليه هذا لاجتماع.
لكن بالمحصلة، إن الدور الوظيفي لقسد لا يزال قائماً فهي تقوم ببيع النفط السوري بعائدات تصل إلى مليون ونصف دولار أمريكي شهرياً، وتستمر بالاعتقالات التعسفية وفرض التجنيد الإجباري، وإغلاق كافة المؤسسات الرسمية ومنع الموظفين من الالتحاق بوظائفهم، في دور احتلالي يحاكي أنها استأثرت بالمنطقة وتتعامل معها على أنه تم فصلها عن الوطن الأم، لذلك جاء البيان الختامي لمسار أستانا واضحاً في هذا الشأن.
معارك عسكرية وقواعد غير شرعية
مع إنعاش تنظيم داعش مؤخراً في سوريا والعراق، بدأ الجيش السوري بعملية عسكرية جديدة تبدأ من حدود مدينة الميادين في الشرق السوري وصولاً إلى حدود منطقة التنف في البادية السورية وسط البلاد، وبمساعدة سلاحي الجو السوري والروسي، وضرب أوكار يُعتقد أن التنظيم يتحصن بها في جبل البشرى بمدينة الرصافة، وبحسب المعلومات المتوفرة بأنه تم القضاء على العتاد الحربي وعناصر التنظيم وتم ضبط أطنان من الأسلحة تعود صناعتها إلى الدول الأعضاء في حلف شمال الأطلسي – الناتو. مع الإشارة إلى ان العملية مستمرة على امتداد منطقة البادية السورية، وهناك قرار بإنهاء الوجود الداعشي في سوريا.
وفي الشمال السوري، وصلت تعزيزات للجيش السوري قادمة من ريف ادلب إلى حدود تادف بالقرب من مدينة الباب بريف حلب، في معلومات تتحدث عن التحضير لعملية عسكرية كبيرة، الأمر الذي تلقفته الفصائل الإرهابية بحذر بالغ، حيث سارعت على الفور بإنشاء السواتر وحفر الخنادق في حال تمت العملية والمتوقع أن تبدأ في أية لحظة، وما يعزز ذلك، أن تلك المنطقة المتصلة مع ريف ادلب شهدت عشرات الغارات الروسية، حتى قيل أنها بلغت الـ 100 غارة، خاصة بعد إعلان مركز المصالحة الروسي في قاعدة حميميم الجوية أنه تم رصد مخطط مسرحية كيماوية تعمل عليه هيئة تحرير الشام بمساعدة من جماعة الخوذ البيضاء.
أما على صعيد إنشاء قواعد عسكرية غير شرعية، فلقد أنشأت القوات الأمريكية القاعدة الثانية لها في هذا الشهر أيضاً عند المثلث الذي يربط سوريا والعراق وتركيا، وهي قريبة من مناطق سيطرة تنظيم قسد، ومرتبطة مع قاعدتها الأكبر الموجودة في أربيل، حيث قالت إن هذه القواعد لسهولة تنقل القوات الأمريكية من وإلى العراق، لكن الحقيقة هي أنها تريد بسط نفوذها في المنطقة، والغاية عراقية أكثر منها سورية وسط التطورات الكثيرة التي حدثت مؤخراً في العراق، حيث طلبت الحكومة العراقية مساعدة الطيران الحربي الأمريكي في قصف تنظيم داعش في إحدى نقاط الاشتباكات مع القوات العراقية، وهذا يعني أن ذريعة بقاء الجيش الأمريكي أتت بطلب حكومي رسمي عراقي وهذا ما كانت واشنطن تسعى إليه منذ البداية.
أخيراً، إن المشهد السوري عاد إلى تعقيداته الأولى، فلا يمكن اليوم الحديث عن أي حل سياسي والقوى الأجنبية تسيطر على أهم المناطق الحيوية في البلاد، شمالاً وشرقاً، لكن من الناحية الاقتصادية هناك بعض الانفراجات خاصة على الصعيد الزراعي، حيث أبرمت روسيا اتفاقية مع تركيا لنقل القمح من صوامع واقعة تحت سيطرة القوى التركمانية الحليفة لأنقرة، إلى ريف حلب، وفعلاً إلى الآن تم نقل أكثر من 28 شاحنة محملة بأطنان من مادة القمح، لكن تبقى أزمة الطاقة هي المعضلة الأكبر، والتي يبدو أن لا حلول مرتقبة لها في الفترة الحالية، وعلى الصعيد السياسي يُعتقد أن هناك انفراجة تركية بعد تمادي أكراد الشرق في سوريا، فعلى الرغم من المعلومات التي تتحدث عن تسليم قسد لمواقعها في مدينة منبج للقوات الروسية ومنها للجيش السوري لتجنب عملية عسكرية تركية، لكن هذا لا يعني أن قسد ستتخلى عن واشنطن، ولا يعني أن أنقرة ستخفف من علاقتها بالأخيرة، لكن روسيا تقف في المنتصف وتقتنص كل فرصة تحقق مصلحة لسوريا حتى ولو كانت مكسباً صغيراً.
فريق عمل “رياليست”.