زخم المشهد السوري هذا الأسبوع بأحداث ميدانية سيكون لها ثقلها في تغيير الخارطة الميدانية في المستقبل القريب، بعد عودة اللاعب الروسي إلى مسرح العمليات العسكرية.
ما سر عودة القوات الروسية بقوة إلى الميدان؟
بعد الأحداث الأخيرة التي قامت بها القوات التركية في منطقة عين عيسى بريف الرقة، من خلال القصف المدفعي الشديد على المنطقة، وبالتعاون مع الفصائل الإرهابية المنضوية تحت إمرتها، تحاول أنقرة كسب عامل الوقت قبيل مغادرة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، وعلم الدولة التركية بعدم إستلطافها من قبل الرئيس المنتخب جو بايدن، فحاولت أن توسع من رقعة سيطرتها إنطلاقاً من مناطق سيطرتها في شمال غرب وشمال شرق سوريا، فكانت العين على منطقة عين عيسى ذات الأهمية الإستراتيجية فهي ذات أهمية كبيرة للقوات الكردية إذ تعتبر خط الدفاع الأول عن مدينة عين العرب (كوباني) وكذلك مدينة منبج وصولاً إلى الرقة، إذ تمتلك منطقة عين عيسى عقدة مواصلات مهمة، تربط عين العرب وتل أبيض وصولاً إلى منبج، ولوقوعها على الطريق الدولي “إم – 4″، مع وجود ذريعة قوية تنطلق منها القوات التركية وهي وجود تنظيم قوات سوريا الديمقراطية – قسد فيها، والجدير بالذكر، أن هذه المنطقة، تسيطر عليها كل من قوات قسد، والجيش السوري معاً، وفي سياقٍ متصل الأتراك في إدلب يقولون إنهم لا يريدون صداماً مع القوات المسلحة السورية، لكن شرقاً، الأمر غير مهم من وجهة نظرهم.
لكن ما لم يتوقعه التركي هو دخول القوات الروسية على معادلة هذا الصراع، وتسيير أول دورية عسكرية تابعة لها قبل بضعة أيام، فلقد علمت موسكو ما يدور في رأس تركيا، خاصة وأن الأخيرة تريد تعزيز ورقة التفاوض مع الجانب الروسي مستقبلاً، وهذا لا يتحقق إن لم تسيطر أنقرة على الطريق الدولي “إم -4″، وهذا لن يتحقق بدون السيطرة على منطقة عين عيسى، التي مهما وسعت من نفوذها، وما إن تعود قسد لرشدها وتتحالف مع روسيا وسوريا، لن تستطيع تركيا الصمود مهما بدت الصورة أنها عكس ذلك، فدخول روسيا اليوم إلى تلك المنطقة هو ضرورة السياسة أكثر منه ضرورة الميدان، وكذلك لتمنع موسكو أي معركة مستقبلية ستستطيع إخراج التركي من البلاد بحسب ما تم شرحه أعلاه.
ماذا حدث جنوب إدلب؟
رصدت عناصر من الإستخبارات الروسية العاملة في سوريا، كهفاً في ريف ادلب الجنوبي إتخذته الفصائل الإرهابية المسلحة وغيره من الكهوف، كمقار لقيادة العمليات العسكرية في الشمال السوري، وبعد الغارة الأخيرة التي نفذها سلاح الجو الروسي والتي قضت على عشرات الإرهابيين من فيلق الشام أثناء تخريج عناصر إرهابية جاهزة للقتال، أجهزت القوات الروسية على هذا الكهف الذي يتحصن فيه عناصر جيش العزة الموالي لتركيا والرافض للهدنة الروسية – التركية، الذي كان قد رفض فتح الطريق الدولي “إم -4″، وبحسب المعلومات فلقد تدمير الكهف على رأس من فيه في ضربات محكمة هي الأعنف في هذه الفترة.
في حين ذكرت تقارير غربية عن نية تركية الإنسحاب من مواقع جديدة في الشمال السوري، تحت ذريعة منع التصادم بحسب الرواية التركية، هذه الرواية إن ثبتت صحتها، يعني نية موسكو البدء بقطف ثمار الأهداف، وإكتفت من مماطلة التركي في الملف السوري، إضافة إلى أن أنقرة تحاول تبرئة ذمتها قبيل استلام بايدن خاصة وأن الغرب الأوروبي بدأ تنفيذ تهديداته بمعاقبة تركيا إقتصادياً، ما يعني الصعود التركي في العشر سنوات الأخيرة، سيقابله هبوط شديد، وليست الحكومة التركية بهذا الغباء لنسف كل ما بنته، فهي الآن تبني التوازنات لتعود فترة الجولات السياسية، لكن كما تقول المعلومات إن الإدارة الأمريكية الجديدة ستعمل على رأب الصدع في الملفات المشتعلة من قبل ترامب، وبالتالي قد لا تكون بالسلاسة المتوقعة بما يتعلق بسوريا، لكنها لن تكون سهلة بما يتعلق بالتمدد التركي في المنطقة على الرغم من ميل الديمقراطيين نحو الإسلام السياسي، لكن دون أدنى شك، أن الإسلام التركي ليس منهم.
ماذا دار في كواليس جنيف حول مناقشة الدستور؟
ذكرت أوساط مطلعة من المجتمع المدني أن وفد المعارضات قادم إلى الإجتماعات بأجندة وضغط أمريكي لنسف أية بوادر إتفاق، إضافة إلى أن هناك محاولات من جانبهم لنسف ملف اللاجئين وإستثماره سياسياً، مطالبين بإنشاء هيئات تتابع هذا الملف من الخارج، ما يعني إفراغ مؤتمر دمشق من مضمونه، في حين أن الدولة السورية هي الجهة الوحيدة المعنية في هذا الملف، وهي المخولة بإنشاء هيئات ولجان تتابع هذا الموضوع، ولن تسمح لأي جهة بأن تستثمر بهذا الملف.
يضاف إلى ذلك، أن هيئة التنسيق المشاركة في مناقشة الدستور السوري إمتنعت عن الإجابة حول ما إذا كان هناك تعاون مع قوات سوريا الديمقراطية – قسد تحت الطاولة، وهو أمر معروف لدى الجميع، لكن لا يريدون الإعتراف به، ما يعني أن ثمة ما يحاك بينهم والمؤكد أنه ليس لصالح سوريا دولة وشعب، وإلا لما تحفظوا على جواب هذا السؤال، بدوره وفد الحكومة السورية المشارك كان واضحاً بما يتعلق بمسألة الإنفصال أو شبه الإنفصال، التي أعلن موقفه منها صراحةً وهو الرفض المطلق لكل أشكاله، لكن بالمجمل إن الإجتماع كما أشرنا الأسبوع الماضي، لم يحقق نتيجة لغاية الآن، حتى ولو كان هناك إجتماعات قريبة ومقبلة، لن يتغير شيء، حتى يتوحد الجسد المعارض الذي ولاءاته لعدة دول غربية وليس للوطن الأم سوريا.
أخيراً، إن الأوضاع الميدانية تشي بالكثير، وكلها إن سارت كما هي الآن، ستكون لصالح الدولة السورية، إذ يبدو أن روسيا عاقدة العزم على إنهاء هذا الوضع بكل السبل والخيارات الممكنة، وبالتأكيد الخيار العسكري من ضمنها، حتى على الصعيد الدولي، لقد بلغت جرائم القوى الأجنبية حداً غير مسبوق، ولن يستطيعوا غض النظر عنها أكثر من ذلك، ففي مجلس الأمن يتم توضيح هذه الجرائم تباعاً من مسؤولي سوريا وحلفائها، كذلك الأمر في محكمة الجنايات الدولية حيث رُفعت دعوى ضد تركيا في مسألة قطعها للمياه الشرب عن أكثر من مليون مواطن سوري في الحسكة، شمال شرق سوريا للمرة الخامسة على التوالي، وهذا الأمر يرقى لأن يكون جريمة حرب، فلابد من إنهاء الحرب السورية بأي شكلٍ من الأشكال وعلى هذا الأساس الإندفاعة الروسية الجديدة تبدو أنها تمشي في هذا الإتجاه؟
فريق عمل “رياليست”.