لم تطرأ تغييرات كثيرة على المشهد السوري هذا الأسبوع، لكن تركزت أهم الأخبار حول إقتتال ما بين القوات التركية والفصائل المنضوية تحت إمرتها، وبين قوات سوريا الديمقراطية – قسد المدعومة أمريكياً، إضافة إلى الصراعات الدائرة بين التنظيمات الإرهابية نفسها.
هل بدأت أنقرة بتنفيذ المخطط “العثماني”؟
في سياق الأهداف التركية نفسها، وبذات الخطى والتفاهمات على الصعيد السياسي، لم تنكر أنقرة نواياها تجاه ما تريده في سوريا، على الرغم من تصريحاتها التي كررت فيها أكثر من مرة وحدة الأراضي السورية، لكن ما يحدث في شمال شرق البلاد مغاير لتلك التصريحات خاصة في الفترة الأخيرة، لينكشف الدور التركي الحقيقي، وليس ذلك فقط بل بدء التنفيذ، مستغلة الفراغ السياسي الإقليمي والدولي، في حين هي تتسابق مع الزمن لتأمين نجاح هذا المشروع.
لقد أطلقت القوات التركية أذرعها في الشرق السوري، وبدأوا بإفراغ بيون السوريين وسرقتها في وضح النهار، وطرد آخرين من منازلهم تحت تهديد السلاح، وعلى المقلب الآخر تواصل مدفعيتها وعناصرها من الإرهابيين بقصف مواقع لتنظيم قسد، بينما الأخيرة نفذت كمائن بمرتزقة تركيا وحصدت عشرات القتلى، ما دفع الأمور إلى مزيد من التصعيد.
هذا الأمر بدأ يتضح من خلال تفكيك نقاط المراقبة التركية من بعض المناطق القريبة من سيطرة الجيش السوري، والتي كان آخرها تفكيك نقطة مراقبة في سراقب بريف إدلب، ظاهرياً إتجهت نحو يجبل الزاوية، إلا أن الحقيقة هي التوجه شرقاً لكن بهدوء وحذر، فلقد تمركز قصف القوات التركية مؤخراً بالقرب من منطقة عين عيسى بريف الرقة ومن المعلوم أن الجيش السوري مرابط في تلك المنطقة، وبالتالي، إن الشمال السوري (إدلب وما حولها) هو مضمون بالنسبة لتركيا نظراً لأن كل الفصائل الإرهابية التي فيه موالية لها، ما يعني أن عقبة الشرق تريد حلها من خلال بسط النفوذ بأسرع وقت ممكن، هذه السرعة سببها نهاية ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فلن تغامر أنقرة مع مجيء الرئيس الجديد جو بايدن، في حال كان التحالف عكس التوقعات (وهو كذلك) على الأقل في المرحلة الأولى، ما يعني أن لدى تركيا فترة قليلة لتنهي تموضعها وتحصل على مساندة في عهد ترامب قبيل مغادرته البيت الأبيض.
هل نجحت سوريا في حل الملفات العالقة؟
علقت موسكو مؤخراً على مؤتمر دمشق لعودة اللاجئين وإعتبرته مؤتمراً ناجحاً بكل المقاييس، ويتابع مركز المصالحة الروسي المتمركز في قاعدة حميميم الجوية، إحصاء عدد القادمين من النازحين من الدول الأخرى والتي كان آخرهم 270 عائلة سورية قادمة من لبنان.
فلم تستطع الولايات المتحدة إفشال هذا المؤتمر رغم دعوتها بمقاطعته، يضاف إلى ذلك قرار العربية السعودية بإدخال الشاحنات التجارية السورية من وإلى الداخل السعودية (ترانزيت)، خاصة بعد فتح المنفذ الحدودي “عرعر” ما بين العراق والسعودية، هذه التطورات مهمة جداً، خاصة إذا ما تم ربطها مع الإجتماع الرباعي في القاهرة بين مصر والإمارات والسعودية حول وحدة الأراضي السورية وعروبتها، وهذا الأمر أيضاً يحسب إنتصاراً لسوريا خاصة بعد مواقف الدول الخليجية في بداية الحرب على سوريا، رغم أن الحقيقة (التحالف مع سوريا لتشكيل جبهة ضد الأتراك)، السعودية ذات الثقل الإسلامي الكبير في الشرق الأوسط، لا تريد لدورها أن يسحب منها من خلال المد التركي حيث تحاول الإصلاح قدر الإمكان جراء ذلك.
ومنذ إنطلاق أعمال لجنة مناقشة تعديل الدستور في جنيف، إقتصرت جولات المبعوث الأممي إلى سوريا، غير بيدرسون، ما بين روسيا وسوريا وأحياناً مصر والأردن، لكن هذه المرة كانت السعودية على جدول أعمال المبعوث الأممي، ما يعني أن هناك ما يُحاك خلف الكواليس، ليس سلباً فهو حكماً في صالح الدولة السورية.
من هنا، إن الدولة السورية تسير بثبات نحو تحقيق الإنتصار الكلي، ولا تراهن على الإنسحاب الأمريكي من عدمه، خاصة وأن لا إمكانية لتحقيقه على الأرض بحسب المعطيات، والميل السوري يذهب بإتجاه تشكيل حركات مقاومة بدأت ترتسم ملامحها مؤخراً من خلال إستهدافات كثيرة طالت قيادات من الفصائل الإرهابية ومن تنظيم قسد، التي تغض الطرف عن هروب الإرهابيين من سوريا إلى العراق، ما يعني بداية إحياء داعش بثقل أكبر في العراق على خلفية التنسيق العراقي – الروسي مؤخراً، وسوريا هي الأرضية المناسبة لتشكيل أي مخطط قادم، لكن إلى أن يحدث ذلك ستبقى الأمور على أوضاعها بين لا إستقرار وإنعدام الأمن في المناطق المسيطر عليها، أما على الصعيد المحلي، هناك وعود بإنفراجات على المستوى الإقتصادي، لكن لم تتم إلى الآن.
فريق عمل “رياليست”.