تحاول بعض التيارات والشخصيات المؤيدة لحكم العقيد القذافي ، خصوصا التي تنتمي له بصلة القٌربى، من قبيلته، أو القبائل التي كانت تدور في فلك حكمه، واستفادت بحق أو بدونه من وجودها في دوائر حكم القذافي، تحاول في هذه الفترة أن تُبرز شخصية سيف الاسلام القذافي، وكأنها الشخصية ذات التأثير المستقبلي الكبير، على الأوضاع الليبية الراهنة، وأنه الشخص الذي يملك عصا سحرية لتغيير الواقع الليبي الحالي.
غير أن أغلب الليبيين الذين اللذين فرقهم وضع بلادهم الآن، وانقسموا إلى عدة فرق منها المتناحرة بالسلاح، ومنها المختلفة فكرياً، وتباعدت رؤاهم حول طبيعة المرحلة الحالية، وآلية اعادة الهدوء للبلاد، إلا أن هذه الاختلافات، تختفي بمجرد ذكر نظام القذافي، أو محاولة استنساخه من جديد.
فالليبيون يتذكرون جيداً مرحلة جماهيرية القذافي، والتي عانوا منها مالياً وصحياً وتعليمياً بشكل كبير، وتراجعت فيها قوة الاقتصاد الليبي بشكل لم يسبق له مثيل، وصارت ليبيا مجرد مجموعة من البشر، تعتمد على شخص واحد، يقرر مصيرها السياسي والاقتصادي ، ويحشر أنفه حتى في طريقة تنظيم المسابقات الرياضية.
محاولات ابراز سيف الإسلام القذافي، على أنه شخصية قوية مؤثرة في الوضع الليبي، وتستطيع قيادة الشعب الليبي، لا ترتكز على مقومات صحيحة، ورؤى تعتمد حقائق دامغة، فسيف الاسلام القذافي، تسبب في اضعاف حكم أبيه، وهو من أتاح الفرصة لجماعة الاخوان المسلمين، وقيادات المقاتلة بالعودة للحياة في ليبيا، حين قرر الإفراج عنهم، وتعويضهم عن فترات سجنهم، وأتاح الفرصة لهم من جديد للعودة إلى ليبيا، منذ عام 2005 وتغلغلوا من جديد في المجتمع الليبي.
وبغض النظر عن أن سيف القذافي مطلوب لمحكمة الجنايات الدولية، فهو لو عرض على المحاكم الليبية، سيحاكم بعدة تهم منها، انتحاله لصفة مسئول بالدولة الليبية، وتوقيعه لمعاهدات اقتصادية مع شركات ودول ، وهو لا يملك أي صفة في الدولة الليبية، إلا صفة رئيس منظمة القذافي لحقوق الانسان، وهذه المنظمة يفترض بها انسانية، لا تمارس أي عمل سياسي من أي نوع.
ولذلك مجرد التفكير في أن سيف القذافي قد يكون مقبولاً من كل الليبيين، هو نفس التفكير الذي يقول، بأن جماعات الاسلام السياسي تمثل الليبيين، لذلك سيظل هذا الطرح بعيداً عن الواقع، ومن يراه يُمكن أن يقدم شيئاً للحالة الليبية، فهذه الرؤية تجعل من صاحبها، بعيد جداً عن فهم العقلية الليبية والتي أحدثت ما نتج في فبراير 2011.
ومع كل ما يحيط بشخصية سيف من خلال وجوده السابق، داخل دوائر القرار الليبي، هناك أسئلة كثيرة تطرح حول وجود هذه الشخصية، وهل تم اطلاق سراحه من السجن ؟ ومن أفرج عليه ؟ ووفق أي قانون ؟ خصوصاً أن مدينة الزنتان الصغيرة، لا يمكن لها أن تخفيه عن الأعين، مع احاطتها بمليشيات، تطلب رأس سيف الاسلام القذافي، من كل اتجاه.
وبحسب بعض المصادر، حتى وإن لم يستوثق من معلوماتها، فإن سيف الاسلام ، قتل أثناء محاولة مداهمة، من قبل عناصر تابعة للقيادي المليشياوي التابع لحكومة الوفاق، أسامة الجويلي، أثناء محاولته للسيطرة على السجن، الذي يتواجد به سيف منذ عام 2011 ، وأيدت هذه الاشاعات، وجعلتها أكثر قوة ، هو اختفاء سيف نهائياً من المشهد، فلو كان حراً ومطلق السراح، لماذا لا يجتمع بأنصاره ؟ ويقدم أفكاره التي يدعي مناصروه، بأنها ستكون حلاً لكل مشكلات ليبيا.
ويتجه الرأي القائل بمقتل سيف القذافي، إلى أن معركة حدثت حول السجن الموجود به، أسفرت عن انسحاب كتيبة “أبوبكر الصديق” التي كانت تعتقل سيف القذافي، منذ القبض عليه في الجنوب الليبي، بواسطة آمر هذه الكتيبة، والذي غادر بدوره مدينة الزنتان بعد هذه الحادثة ، نظرا لخلافه مع أسامه الجويلي ومسلحيه.
وتأتي مسألة أكثر أهمية تجعل من مسألة تواجد سيف الاسلام القذافي مستقبلا في أي منصب سياسي في الدولة، أمراً لا يمكن القبول به من أغلبية كبيرة من الشعب الليبي، منها ما قام به سيف من تهديد للمتظاهرين السلميين بالقتل والتصفية، خلال الشهور الأولى من أحداث الثورة الليبية عام 2011 بالقتل والتصفية، لا تزال تترسم في أذهان الليبيين.
يضاف إلى ذلك ما قاله في حديث، مع مجموعة من مؤيدي نظام أبيه في طرابلس ، قبل عملية القبض عليه بشهور، تحدث فيها عبر التلفزيون الذي أطلقه هو شخصياً، مهددا الليبيين بالتقسيم وتفجير آبار البترول، وكذلك ما صرح به علانية بأن ليبيا، بعد الانتهاء من “الفوضى” الحالية، يجب أن لا تعود كما كانت، بل سيكون هناك تصنيف للمواطنيين، فمن وقف معهم سيكون درجة أولى ، ومن لم يقف معهم أو مع الثورة ، سيكون درجة ثانية، أما البقية الذين شاركوا في تلك الأحداث، سيكون مصيرهم التهجير خارج الحدود.
كما لا يُمكن اغفال شيء مهم، وهو أنه في حالة محاولة اعادة أي شخصية من نظام القذافي، فسيكون أول مهامها، أن تنتقم من الأقاليم التي خرجت ضد نظام القذافي، مثل اقليم برقة “شرق ليبيا” بجميع مدنه وقبائله والتي تمثل أكثر من نصف المساحة، وكذلك أكثر من 3 مليون من سكان ليبيا.
كما أن مدن ومناطق في الغرب، لن تَسلم أيضا من هذه الفرضية، وأولها مصراته، والزاوية، وعدة مناطق في الجنوب الغربي، لذلك لا يمكن أن تتقبل هذه المناطق وجود سيف أو غيره، من رؤوس النظام السابق في المشهد من جديد، وربما ستكون عودة أي شخصية من النظام السابق، عودة لتقارب الشرق الليبي بالكامل ، مع اغلب مدن الغرب، خصوصا مصراته، للتصدي المُحتمل، لعودة نظام مستهجن من نظام القذافي، هدفه الانتقام والتشفي من هذه المدن والمناطق.
خاص وكالة “رياليست” – عبد العزيز الرواف – كاتب وصحفي ليبي.