قال المتحدث باسم وزارة الدفاع الأميركية، جون كيربي، إن “إيران عامل عدم استقرار في المنطقة وتواصل دعم الإرهاب”، مؤكداً حرص الولايات المتحدة على تنفيذ التزاماتها الأمنية في المنطقة، وفق مصالحها ومصالح شركائها، وأضاف أن الإيرانيين “مازالوا يهددون دول جوارهم ونحن نركز على ذلك، ونحرص على أننا كوزارة دفاع ننفذ التزاماتنا الأمنية في المنطقة وفقا لمصالح أمننا القومي ومصالح شعبنا ومصالح حلفائنا وشركائنا في المنطقة. وإيران تشكل محور تركيزنا في هذا الإطار”، وفقاً لموقع قناة “سكاي نيوز عربية“.
استثمارات طويلة الأجل
إن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية ثابتة لم تتغير، والمتغير الوحيد القائم، هو تبدل الإدارات المتعاقبة مع الرؤساء كل أربع سنوات، بالتالي الإدارة الأمريكية الجديدة، ستتبع ذات الخط، وذات الاهتمام بالمصالح، لأن هناك دولة عميقة لا يمكن الخروج عنها، فمنذ ثمانينيات القرن الماضي، بدأت تتوضح السياسة الأمريكية بشكل جلي في الشرق الأوسط عموماً، ومنطقة الخليج على وجه الخصوص، ومن الممكن القول إنها كانت مع بدايات الثورة الإيرانية في العام 1979، ومن ثم الحرب الإيرانية – العراقية أو ما يُعرف بحرب الثمان سنوات، فالغزو العراقي للكويت وعملية عاصفة الصحراء الأمريكية التي ثبتت موقع الولايات المتحدة في المنطقة، وأنشأت قواعدها الثابتة إلى يومنا هذا.
هذا الأمر يقودنا إلى مسألة الاتفاق النووي في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي بدأ يرمم السياسة الخارجية الأمريكية بعد كل ما لحق بها من اختلال على المستوى العالمي، لكن تصحيح المسار لا يعني نقضه، أو نسفه أو حتى العدول عنه، فما تقوم به الإدارة الأمريكية الجديدة هو دراسة مصالحها في ضوء الواقع الاقتصادي، لأن المنظومة الأمريكية تقوم على أسس اقتصادية ثابتة وهي أن العامل الاقتصادي يأتي قبل عامل الأمن القومي الأمريكي، وبالتالي، إن عودة مناخ الاتفاق النووي مسألة مرتبطة بالمنفعة التي ستعود لواشنطن منه، فلولا جائحة “كورونا” لكان الأمر أشد صعوبة من الآن في التعامل مع مسألة المفاوضات إن تمت، يُقابل ذلك الصعود الصيني والذي يُعتبر العامل المقلق الأكبر لواشنطن، لتكون إيران تفصيل صغير على الخارطة الدولية، لكنها أمر مطلوب لإحداث توازنات في منطقة الشرق الأوسط.
تصحيح المسارات
مما لا شك فيه أيضاً، أن تواجد القوى الأجنبية ككل، المنتشرة في دول العالم سواء وجود شرعي بحكم التحالفات، أم عكس ذلك، هو أمر ليس جيداً للدول المضيفة، والولايات المتحدة الأمريكية رغم كل الظروف التي لحقت بها مؤخراً، لكنها لا تزال تتربع على عرش العالم، ولا تزال هي المسيطر والمتحكم والقوي، فإيران بالنسبة للولايات المتحدة ليست أكثر من سلوك، تحاول واشنطن وتعمل على ترويضها، لتنصاع لها، ودول الخليج تعلم تماماً أن طهران لا تشكل تهديد لها ولا يمكن أن تشكل ذلك بالمعنى العسكري، إنما التهديد الحقيقي هو السماح لها بالتمدد هي وتركيا في المنطقة على حساب أمن الخليج وأمن المنطقة، وخروجهم من دائرة القوى العظمى عربياً على الأقل، وترك القيادة للإيراني والتركي، في المسائل العربية، هذا الأمر بالطبع سيشكل عامل تهديد الآن ولاحقاً، وهذا ما تخشاه واشنطن من أن يتوسع النفوذ أكثر مما هو عليه، مما قد يُخرج الأمور عن السيطرة.
إذ أن الحقيقة المجردة هي أن حسابات البيت الأبيض ودول الخليج السياسية كانت خاطئة، وسمحت لإيران وغيرها أن تستثمر في الملفات العربية، ما جعل تدخلهم المتأخر لا قيمة له أو لا نتائج من الممكن تحصيلها، كالأزمة اليمنية اليوم، التي كانت قد أثمرت نجاحات كبيرة لو تمت بمراحل سابقة، دون وساطة إيرانية على سبيل المثال، وفي الأزمة السورية، مدت روسيا عشرات المرات يدها للسعودية لأجل الحل السياسي، أيضاً كان من الممكن أن تخرج الرياض، أنقرة لو أن حساباتها اتسمت بالمرونة، ولكانت القطيعة الخليجية لم تحدث حتى لا يتم إدخال التركي والإيراني إلى البيت الداخلي الخليجي، وغير ذلك الكثير من السقطات السياسية التي كان ثمنها باهظاً جداً.
وبالتالي إن نظرة البنتاغون لم تقدم أي جديد إزاء تحديد الخطر ومصدره عليها وعلى شركائها في المنطقة العربية، ليُفهم من ذلك أن السياسة الخارجية الجديدة للولايات المتحدة لن تتغير، المتغير هو تبديل الأشخاص، والتهديدات ذاتها.
أخيراً، على الولايات المتحدة الأمريكية ألا تفضل ملف على حساب آخر، حتى وإن كان لا منفعة لها منه، فالجميع يعلم أهمية دول الخليج بالنسبة لواشنطن على مختلف الأصعدة، وها هي إيران وعبر وزير خارجيتها محمد جواد ظريف، أعربت عن مد يدها للخليج وتحديداً السعودية، وهذا ما كان ليحدث لولا أن الخلل كبير في السياسات الخارجية لكثير من الدول، المرحلة دقيقة نظراً للفوضى الكبيرة التي تعصف بالعالم أجمع، فكثرة الفوضى فاقت قدرة أي بلد على الحد منها، لذلك إرث بايدن ثقيل جداً، والتصريحات الأخيرة ليست أكثر من عملية تجميد للواقع المستجد، فهل تستطيع الإدارة الأمريكية الجديدة إيجاد مخارج لكل المطبات التي أوقعتها بها الإدارة السابقة، المنطقة اليوم تشهد مخاض عسير، لكن “الجنين” حتماً سيولد “مشوّه”.
فريق عمل “رياليست”.