باريس – (رياليست عربي): في اليوم العاشر من مايو/ أيار، تحل الذكرى الـ 77 لانتصار روسيا على ألمانيا النازية، وفي استعراض عرض عسكري مهيب، بحضور الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، والقادة الروس من السياسيين والعسكريين ورجال المجتمع الحاكم في روسيا، وبالأمس احتفل الرئيس الفرنسي بنفس المناسبة، وكذلك الحلفاء المنتصرين.
وقد قام الرئيس الروسي بإلقاء خطاب في المناسبة، أوضح أن قرار العمليات العسكرية في أوكرانيا كان قراراً صائباً، بعد استنفاذ كافة السبل والطرق والمباحثات السياسية والدبلوماسية مع أمريكا والناتو بهدف الوصول إلى حلول أمنية للوضع الأوكراني، وخصوصاً مع انتشار تيار النازيين الجدد، والتي وصلت إلى طريق مسدود، فكان لابد من قرار خطوات عسكرية استباقية لحماية الأمن القومي الروسي أمام النزاعات العدوانية الغربية والأوكرانية تجاه روسيا.
ومع مرور ما يقرب من ثلاثة أشهر على بداية العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، والأمور محلياً وإقليمياً وعالمياً من سي إلى أسوأ، حيث يمر العالم بمنعطف خطير وحرج للغاية، في ظل حرب العقوبات المتبادلة المفروضة من أمريكا وحلفائها على روسيا، بالعكس أيضاً، والأوضاع الاقتصادية والمالية من البنك الفيدرالي الأمريكي برفع نسبة الفائدة لأول مرة منذ 20 عاماً، وهو الأمر الذي أصاب وأربك الأسواق العالمية باضطرابات بالغة ألحقت أضرار جسيمة بكثير من الدول خاصة محدودة القوة والموارد المالية والاقتصادية، وخاصة الدول الفقيرة والناشئة.
وأيضاً إقرار مشروع “NOPEC” بمعرفة الغرفة القضائية بالكونغرس الأمريكي، وهو الذي سيسمح لوزارة العدل بمحاسبة أوبك وشركائها على أنشطتهم المانعة للمنافسة، والأهم من ذلك، أن التشريع يسمح فقط لوزارة العدل برفع دعوى ضد منظمة أوبك وأعضائها، كما أنه يمنح المدعي العام أداة أخرى من الأدوات لملاحقة منتهكي مكافحة الاحتكار.
وذلك بحجة أن “منظمة البلدان المصدرة للنفط، أوبك”OPEC” وهي مجموعة من البلدان التي تدير تكتلاً يتحكم في أسعار وإنتاج النفط في جميع أنحاء العالم مع الدول الشريكة لها، بما في ذلك روسيا، تسيطر أوبك على 70 في المائة من جميع النفط المتداول دولياً و80 في المائة من جميع احتياطيات النفط. السلوك المناهض للمنافسة من جانب أوبك وشركائها للتلاعب بأسعار النفط يضر المستهلكين الأمريكيين بشكل مباشر”، وهو الأمر الذي سيؤدي بالتأكيد إلى حدوث صدام مباشر بين أمريكا والغرب وأعضاء أوبك وروسيا.
من ناحية أخرى أصبحت الساحة الأوكرانية ميدان نموذجي لاختبار الأسلحة والمعدات العسكرية بكافة أشكالها وأنواعها بهدف الوصول والحصول على أفضل نتائج بهدف أبحاث التطوير والتحديث، وكنوع من أنواع الترهيب الترويع والتهديد والردع كجزء من الحرب النفسية والمعنوية، والتي وصلت إلى ذروتها خلال الأيام الأخيرة، ووصلت إلى حد إعلان الجانب الروسي القضاء على بريطانيا وأوروبا بل وأمريكا بصواريخ حاملة لرؤس نووية شديدة وواسعة التدمير في أقل من 30 ثانية، مما يزيد من تعقيد وخطورة الموقف واتساع دائرة الصراع الدولي.
إن قيام كثير من المسؤولين الغربيين بزيارة كييف وإلتقاء الرئيس الأوكراني زلينيسكي، أهمهم بورس جونسون، نانسي بلوسي، أنطونيو غوتيرتش “الذي قابل الرئيس الروسي أيضاً”، مصحوبة بدعم مادي وعسكري أوروبي وأيضاً الناتو، لم يسبق له مثيل منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وعلى الروسي الإعلان عن تدمير عشرات مخازن الأسلحة والمعدات العسكرية بأوكرانيا، وكذلك شحنات السلاح القادمة لها من بولندا ورومانيا.
التحليل والتعليق
أولاً، زيارة أنطونيو غوتيريش، جاءت متأخرة جداً، وبعد ما يقرب من شهرين من بداية العمليات العسكرية، كما أن تصريحاته بداية الصراع لم تكن موفقة، فقد كانت في اتجاه إدانة الجانب الروسي، فقد كان يفضل أن تكون هذه الزيارة قبل بداية الصراع فعلياً، فمن المؤكد نتائجها كانت ستكون أكثر إيجابية وفعالية.
ثانياً، يتضح للقاصي والداني، أن الإدارة الأمريكية الحالية، تهدف إلى تحقيق أقصى استفادة، ومكاسب لها من هذه الأزمة العالمية، وخصوصاً إنهاء أو التقليل لأدنى مستوى للأهمية الإستراتيجية لمصادر الطاقة التقليدية، خاصة النفط والغاز في المستقبل القريب.
ثالثاً، المؤسسات الأمريكية، تتلاعب بالاقتصاد العالمي، ومقدرات الشعوب التي لديها خلل في هيكلها المالي والتمويلي، والتي لم تتعافَ من جائحة كورونا وتوابعها حتى اليوم، مما يهدد بأزمات إقتصادية ومالية وتجارية وغذائية وجميع الأنشطة الصناعية والزراعية والخدمية، ومما يزيد أيضاً من ارتفاع التضخم والكساد والركود والبطالة، وانخفاض معدلات النمو والتنمية، مما سيؤثر بالسلب على الجوانب والسلوكيات والأوضاع الأسرية والاجتماعية، سواء عل المستوى الوطني أو الإقليمي أو العالمي.
يا ضعفاء وفقراء العالم اتحدوا
نرى أنه من الضروري والحتمي الآن وعلى وجه السرعة، إحياء حركة عدم الانحياز، وهي التجمع الدولي الذي يضم 120 عضواً من الدول النامية، ظهرت إبان الحرب الباردة، وقامت فكرتها على أساس عدم الانحياز لأي من المعسكرين الغربي، بزعامة الولايات المتحدة الأميركية، والشرقي بزعامة روسيا الاتحادية اليوم، والفرصة مناسبة ليكون لها دور فعال ومؤثر على الساحة الدولية، وأن تتعلم وتستفيد من دروس الماضي.
هذه الحركة نرى أنها الملاذ الآمن للدول التي تتضرر من الصراع الغربي الروسي، وسوف تدفع فاتورة باهظة يتحملها مواطني وشعوب تلك الدول، دون أن يكون لها ناقة أو جمل، بل إنها سوف ستعاني من الاضطرابات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، وعلى أمل أن يلقي هذا المقترح اهتمام المسؤولين الآن، وليس الغد.
خاص وكالة رياليست – د. خالد عمر.