مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الامريكية واشتداد المنافسة بين المرشحين لهذه الانتخابات وباستخدام كافة الادوات والطرق والاساليب في ادارة كل مرشح للحملة الانتخابية والتي وبطبيعة الحال يبقى الهدف منها هو الجلوس في البيت الابيض لكل من المرشحين التقليديين لمتسابقي الانتخابات الامريكية
ولكن مايشهده العالم بشكل عام والولايات المتحدة الامريكية بشكل خاص من هذا السباق غير المعهود على رئاسة الولايات المتحدة الامريكية والمرتبط بعوامل كثيرة منها داخلية واخرى خارجية يمكن تلخيصها بالخلاف العميق الذي يبدو واضحاً للعيان بين اعضاء الدولة العميقة للولايات المتحدة الامريكية والمتمثلة بشكل خاص بالشركات العابرة للقارات والتي بدا واضحاً الى هذه اللحظة عدم توافقها الضمني على المرشح الذي يرغبون رؤيته في البيت الابيض لفترة رئاسية جديدة.
فرغبات واهداف شركات تصنيع السلاح التي تبدي رغبة عارمة في استمرار الحماقات السياسية الامريكية واشعال الحرائق في مختلف انحاء العالم ترغب وبكل تأكيد بان يستمر الحزب الجمهوري في قيادة فرق اشعال الحرائق حول العالم واسلوب الرئيس ترامب في فرض منتجات هذه الشركات على مختلف دول العالم وبشكل خاص الطائرات ” اف 35 ” وكذلك اقامة القواعد الامريكية العسكرية الجديدة في مختلف بقاع الارض وبشكل خاص تلك التي تقع على تخوم الاتحاد الروسي وتحديداً في دول اوربا الشرقية ودول البلطيق ومحاولة اقامة قاعدة عسكرية في اوكرانيا , وبالتوازي نجد ايضاً اهتماماً كبيراً لشركات الطاقة التي تحاول وكهدف رئيسي لها عرقلة الانتهاء من مشروع السيل الشمالي الثاني الروسي لنقل الغاز الى المانيا.
وفي المقابل نجد شركات التكنولوجيا المتقدمة والتي دخلت في منافسة لا بل في صراع مفتوح مع الصين للهيمنة على هذا السوق في مختلف مناطق العالم , اما الشركات المالية والتي استطاعت وعبر انظمتها المالية المتحكمة في الحركة الاقتصادية العالمية ان تثبت وجودها كوسيلة حرب يمكن من خلالها قيادة العالم ليس اقتصادياً فحسب بل اثبتت بانها تستطيع التحكم بالسياسات العالمية من خلال مايسمى بفرض العقوبات الاقتصادية على مختلف دول العالم وبغض النظر عما اذا كانت هذه الدول مصنفة كدول منافسة او عدوة او صديقة او حتى حليفة للولايات المتحدة الامريكية .
فهذه الخلافات وغيرها والتي كانت ربما حتى الانتخابات الاخيرة في الولايات المتحدة الامريكية في العام 2016 والتي استطاعت ايجاد صيغة جديدة لادارة الانتخابات الامريكية والمتمثلة بالسماح لاصحاب رؤوس الاموال بالوصول الى سدة الحكم عوضاً عن دفع اصحاب رؤوس الاموال للساسة لتبؤ هذا المنصب , ولكن انتخابات العام الحالي والتي توحي بعدم الوصول الى صيغة معينة لتعيين سيد البيت الابيض للاعوام الاربعة القادمة فسح المجال الى دخول مرشحين اضافيين لهذا السباق , فالرئيس ترامب مرشحاً عن الحزب الجمهوري ومنافسه بايدن مرشحا عن الحزب الديموقراطي , ليظهر بوضوح المرشحان الجديدان للجلوس في البيت الابيض والاوفر حظاً في هذه الانتخابات وهما :
اولاً – الحرب الاهلية الداخلية الامريكية
ثانياً – الحماقات السياسية والعسكرية الخارجية
فالحرب الاهلية الداخلية من اكثر المرشحين للرئاسة الامريكية للفوز بفترة رئاسية لايعلم مدتها الا الله وتأتي نتيجة للاحتقانات الاجتماعية الداخلية الامريكية وبشكل خاص الناتجة عن عنصرية نظام الحكم في الولايات المتحدة الامريكية والتي تجسدت وتعززت بشكل كبير للغاية في فترة حكم الرئيس الحالي ترامب وعلى الرغم من ان عنصرية النظام الامريكي كانت ومازالت وستبقى ولكن لم يتم التركيز عليه الا في الفترة الاخيرة وبشكل مكثف من خلال عمليات القتل المبررة وغير المبررة في كثير من الاحيان لاصحاب البشرة السوداء من مواطني الولايات المتحدة الامريكية , وكذلك الدور الذي لعبه تفشي جائحة كورونا والتي اثبتت فيه عجز النظام الصحي الامريكي في مواجهة هذه الجائحة وعدم عدالته في تقديم الخدمات الصحية الضرورية واللازمة للتصدي لهذه الجائحة , مضافاً اليها التصريحات التي يمكن اعتبارها عنصرية من قبل المسؤولين الامريكيين الذي تحدثوا عن ان هذا الفايروس يصيب بدرجة اكبر اصحاب البشرة السوداء , كل هذه الامور وغيرها ادت الى تعاظم الاحتقان الاجتماعي وسبب جهوزية كبيرة في مختلف طبقات المجتمع الامريكي لخوض حرب اهلية جديدة من اجل تحقيق العدالة الاجتماعية على اقل تقدير بين مختلف فئات الشعب الامريكي .
اما الحماقات السياسية والعسكرية الخارجية فتتمثل وبكل تأكيد في خوض حرب مباشرة عسكرية خارجية والتي يعتقدون في الداخل الامريكي بانها السبيل الوحيد لتوحيد جميع القوى الامريكية وبمختلف مكوناتها الاجتماعية والسياسية لمجابهة الخطر الخارجي على الولايات المتحدة وبالتالي فان ذلك يعني وبكل تأكيد صرف النظر عن اي مرشح اّخر لاشغال البيت الابيض في مقابل ان تبقى الولايات المتحدة كامبراطورية عالمية وحيدة في القرن الحادي والعشرين .
وبكل تأكيد هذه الحماقات السياسية والعسكرية ستكون موجهة الى دول بعينها والتي اصبحت العقيدة العسكرية الامريكية تعتبرها عدوة لها وليست منافسة لها ايالاتحاد الروسي والصين.
فعلى مدار السنوات الاربع لحكم الرئيس ترامب للولايات المتحدة كانت الاستفزازات الامريكية الاقتصادية والعسكرية لكل من الصين والاتحاد الروسي لخوض معركة مباشرة مع الولايات المتحدة الامريكية سواء كان ذلك في بحر الصين او في سورية او فنزويلا او حتى في دول البلطيق واوكرانيا ولكن جميع هذه الاستفزازات استطاعت روسيا استيعابها والتقليل من مخاطرها العسكرية وعلى الرغم من انسحاب الولايات المتحدة برئاسة ترامب من اتفاقيات عسكرية دولية مهمة للغاية كانسحابها من معاهدة الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى وانسحابها من معاهدة الاجواء المفتوحة اضافة الى عدم رغبتها بتمديد معاهدة ستارت 3 , لا بل ذهبت ابعد من ذلك باستخدام جناحها الاستفزازي العسكري المتمثل بالحماقات العسكرية لتركيا حزب العدالة والتنمية بقيادة رجب طيب اردوغان وحماقاته في ليبيا وسورية والعراق وشرق البحر المتوسط وصولا الى حماقاته التاريخية في تأجيج ودعم الحرب بين ارمينيا واذربيجان والتي تعني وبكل تأكيد الدخول الى الحديقة الخلفية لروسيا ومحاولة تفجير ماوراء القوقاز وجمهوريات اسيا الوسطى , وهذه الحماقة بالتأكيد كانت السبب الرئيس والمبرر الطبيعي لكي تتدخل روسيا بالانتخابات الامريكية ولكن ليس بمعنى ان تناصر مرشحاً ” الديموقراطي بايدن والجمهوري ترامب ” على حساب مرشح اخر فروسيا ومن طبيعة سياساتها الخارجية ومبادئها هي عدم التدخل بالشؤون الداخلية لدولة اخرى , ولكنها وجدت سبيلاً لدرء واحتواء المرشح الرابع للانتخابات الرئاسية الامريكية ” الحماقات السياسية والعسكرية ” فهي شرعت الى تطوير اسلحتها وجعلها الرائدة في العالم انطلاقاً من مبدأين اساسيين وهما :
اولاً : اذا اردت سلاماً فتجهز للحرب
ثانياً : قلب مفهوم مقولة ” من يطلق النار ثانياً يموت اولاً ” وتجسد ذلك في تطوير الصواريخ الفرط صوتية والطائرات الحربية المتطورة والغواصات المتطورة وحتى تطوير الاسلحة التي ربما يتم استخدامها انطلاقاً من الفضاء الخارجي وغيرها الكثير من المفاجئات التي لم يتم الى هذه اللحظة الاعلان عنها , وبالتالي استطاعت روسيا الاتحادية ان تجعل الولايات المتحدة الامريكية تنظر الى خيارات وصول هذا المرشح للرئاسة الامريكية ” الحماقات السياسية والعسكرية الخارجية ” معدومة الا في حالة اذا ارادت الولايات المتحدة الامريكية ان تضع نقطة نهاية العالم الذي سيتمثل بنهاية عصر الامبراطورية الامريكية لان المفهوم الذي تحدثنا عنه سابقا ” من يطلق النار ثانياً سيموت اولاً ” لم يعد صحيحاً على الاطلاق .
ولكن كيف تتدخل روسيا اذاً في الانتخابات الامريكية ؟؟
ان محاولة الاتحاد الروسي لاستثناء مرشح الحماقات العسكرية الامريكية من فرص النجاح سيجعل الكرة مرة اخرى في داخل الولايات المتحدة الامريكية ليبقى امام الشركات العابرة للقارات الامريكية اختيار احد المرشحين الثلاث فاما ترامب واما بايدن واما الحرب الاهلية الداخلية وكل هذه الخيارات هي امور داخلية امريكية لاتحبذ ولاتحاول موسكو التدخل بها لامن قريب ولا من بعيد , وتبقى روسيا الاتحادية على استعداد كامل للتعامل مع اي من المرشحيين الذي يختاره الشعب الامريكي في انتخاباته الحالية.
خاص وكالة “رياليست” – د. فائز حوالة – موسكو.