دمشق – (رياليست عربي): البيروقراطية تعني حرفياً حكم المكاتب، وتعني بالمفهوم الاقتصادي والاجتماعي سلطة الموظفين وتطبيقهم القانون بالقوة في المجتمع الوظيفي حسب السلم الإداري، أي بطريقة هرمية.
أما بالمصطلح شائع الاستخدام فهي المغالاة في التمسك بحرفية القواعد وشكليتها.
ومن هنا يصح القول: إنها تشكل تنظيماً، لكن بنفس الوقت تشكل تعذيباً؛ فهي تنظيم من ناحية ضبط الإجراءات وتحديد المسؤوليات وتوزيع الاختصاصات إذا طبقت في مجتمع واع ملتزم غير فاسد يحترم القوانين والدستور، وعندما نقول غير فاسد فإننا نقصد ثلاثة مستويات: المسؤول- الموظف- المواطن.
وهي من جهة أخرى تعذيب بسبب ما تتصف به من الروتين والبطء في تنفيذ المعاملات والتمسك الغبي بحرفية القواعد والجمود في تطبيق القوانين، وما يلحقه من استغلالها لتحقيق المصالح الشخصية لفرد أو جماعة.
فالمشكلة ليست في النظرية، بل في التطبيق، لأن وظيفة البيروقراطي تنفيذ سياسة الحكومة عن طريق أخذ القوانين والقرارات التي يصدرها المسؤولون ووضعها موضع التنفيذ. أما ما يحدث فهو استغلال هذه السلطة لخدمة المصلحة الشخصية.
كيف يساهم الروتين في تعزيز الفساد والرشوة؟
الروتين باللغة العربية هو أسلوب معين ثابت يحكم عمل الجهاز الإداري مما يؤدي به إلى الجمود. أما الفساد فهو وفق تعريف منظمة الشفافية الدولية: “كل عمل يتضمن سوء استخدام المنصب العام لتحقيق مصلحة خاصة ذاتية لنفسه أو جماعته”؛ فهو يعني ببساطة خروجاً عن القانون والنظام، أو هو استغلال غياب القانون لتحقيق المصالح الشخصية.
ويمكن- للتوضيح- طرح مسألة تسيير معاملة ورقية بطريقة محددة روتينياً، فمن أراد إنجاز المعاملة بسرعة يدفع رشوة، وهذا يعزز الفساد لدى المواطن والموظف على حد سواء.
فالموضوع إذن ليس في تسلسل مسير المعاملة لأنه لابد من سيرها بناءً على القوانين والأحكام، لكن الموضوع يتعلق بمدة مكوث الورقة في كل مرحلة، ولهذا أسباب منها:
1-الضبابية التي تحيط بالقوانين مما يسمح للموظف بالتلاعب على المواطن الذي يجهل هذه القوانين.
2-غياب الرقابة على الموظفين.
3-انخفاض الرواتب والأجور، وهذا من أهم الأسباب التي تشكل دعماً كبيراً للفساد والرشوة، وهو ليس مبرراً للفساد والرشوة، ولكنه سبب من الأسباب الرئيسة التي تسيطر على ضعاف النفوس في ظل رواتب لا تكفي طعاماً وشراباً، فكيف بالسكن والملبس والطبابة والتعليم و…. التي تحولت من مجانية إلى مأجورة.
كيف ينعكس تأخر المعاملات على المواطن والدولة؟
هناك انعكاس سلبي جراء تأخر المعاملات قد يؤدي ببعض المعاملات إلى انتهاء المدة المتاحة لها، فيخسر المواطن الفرصة المتاحة له، أو يُكَلَّف بتكاليف إضافية قد تكون من خلال إعادة إجرائها من جديد أو إعطاء رشاوي ريثما تنجز المعاملة، وهذا يشجع الفساد.
فقد يؤدي تأخر معاملة سفر- على سبيل المثال- بغرض الدراسة أو العمل إلى فقدان المواطن فرصته في الحصول على منحة دراسية أو فرصة عمل.
وكمثال آخر فإن معاملة ترخيص منشأة قد تأخذ من شهرين حتى ستة أشهر وربما سنة كاملة، مما يضطر صاحب المنشأة إما إلى رشوة الموظف الذي سيسهل الإجراءات الروتينية من خلال رشوة كل موظف مسؤول عن توقيع على هذه المعاملة، أو ينتظر لسنة إذا كانت أوراقه نظامية، ولكنه سيضطر ليرشي كل دوريات الكشف التي ستأتيه من التموين والكهرباء والبلديات وغيرها، والتي ستجده غير مرخص حتى الآن.
والخلاصة: إن تأخر المعاملات يعتبر أحد الأسباب الهامة في انتشار الرشوة والفساد وخسارة المستثمر والإضرار بالدولة.
سبل القضاء على البيروقراطية
لابد للقضاء على مرض البيروقراطية من ضرورة التواصل بين المسؤول والمرؤوس لعرض المشكلات والعمل الدائم على حلها، بالإضافة إلى ضرورة إعطاء هوامش مرونة في العمل للموظفين بشكل لا يتعارض مع الهدف العام (مصلحة الدولة والشعب) ولا يخل بمبدأ العدالة في التعامل بحيث لا تمرر معاملات على حساب معاملات أخرى. وقد نقترح مثلاً إقرار شرائح للمراجعين، فمعاملة ما قد تأخذ (شهراً بشكل طبيعي، أسبوعاً بشكل سريع، يوماً بشكل استثنائي) ويحدد لكل شريحة رسوماً معينة تذهب لخزينة الدولة بدلاً من أن تذهب لجيب الموظف، وبنفس الوقت يشعر المواطن بالعدالة لا بالظلم.
ولابد من مراقبة سلوك الموظفين وتقويمه تعليمياً وتدريبياً وتأديبياً، بمعنى أنه يجب فرض عقوبات بحق الفاسدين بشرط عدم الاعتماد على التقارير الكيدية، بل الاعتماد على الثبوتيات والقرائن.
ويجب العمل على تدريب العاملين وتطوير إمكانياتهم بما يتناسب مع تطور الظروف والاحتياجات المجتمعية (فمثلاً لا يستطيع الموظف أن يتعامل مع العسكري كالمدني، أو مع ابن المحافظة الأصيل كالمهجّر من محافظة أخرى).
كما لابد من العمل على تسخير التقنيات الحديثة لمتطلبات العملية الإدارية (الحكومة الالكترونية- التراسل عبر البريد الالكتروني لتسهيل المعاملات وتأمين الموافقات).
خاص وكالة “رياليست” – د. أحمد أديب أحمد – أستاذ الاقتصاد في جامعة تشرين.