موسكو – (رياليست عربي): أدلى البروفسور فيتالي نعومكن المستشار الشخصي للرئيس الروسي فلاديمير بوتين رئيس معهد الإٍستشراق الروسي التابع لأكاديمية العلوم الروسية للدراسات السياسية والإستراتيجية بتصريحات صحفية تحدث فيها كبير مستشاري الرئيس الروسي لشؤون دول الشرق الأوسط عن علاقات الاتحاد الروسي مع كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بعد العملية الروسية الخاصة في أوكرانيا حيث أوضح البروفسور نعومكن أن موسكو بدأت تستثمر علاقاتها الطبية التي نسجتها وأسست لها مع دول الخليج العربية والشرق الأوسط.
منذ تنظيم الحصار شبه الكامل ضدَّ الاتحاد الروسي من قبل الغرب والذي ازداد حدة وحقداً بدء العملية الخاصة في أوكرانيا، لم تتمكن الولايات المتحدة الأمريكية أن تفرض تطبيق هذا الحصار في دول العالم الواقعة في الشرق. فهناك، أي في الشرق، ليست جمهورية الصين الشعبية وحدها هي القوة العظمى التي لا يوجد لديها أهداف لمساعدة واشنطن، فضلاً عن أن الصين كانت عقبة في المسار الأمريكي، بل إن الأمريكيون لم يتلقوا دعم حلفائهم الرئيسيين في العالم العربي، بما في ذلك الدعم من عملاق الطاقة العالمي أي المملكة العربية السعودية.
ففي عهد آخر الأمناء العامين للإتحاد السوفييتي، قدم السعوديون مساهمة كبيرة للغاية في تدمير اقتصاد الإتحاد السوفيتي، مما أدى إلى انخفاض أسعار النفط العالمية عن قصد، لكن طلب جون بايدن الآن بالمساهمة في تدمير الإقتصاد الروسي الذي خطط له الأمريكيون، قد واجه رفضاً قاطعاً من قبل السعوديين.
*السؤال لسعادة البروفسور فيتالي نعومكن: هناك رأي في الأوساط السياسية الروسية مفاده أن المملكة العربية السعودية، رغبت في الإنتقام من الإتحاد السوفيتي لإرسال قوات إلى أفغانستان في حقبة الثمانينيات، حيث خفضت أسعار النفط العالمية عن عمد في ذلك الحين، وبالتالي ساهمت في إنهيار الإقتصاد السوفيتي، هل وجهة النظر هذه مبررة ؟ وإذا كان هناك ما يبرر ذلك، فما هي احتمالات حدوث شيء كهذا مرة أخرى؟
الجواب من سعادة البروفيسور فيتالي نعومكن: نعم، هذا مبرر إلى حد كبير. على الرغم من أن “الإنهيار” كلمة قوية للغاية. التهديد بتكرار هذا الأمر هو أيضاً مبالغ فيه. اليوم لدينا هامش أمان أكبر بكثير. نعم، والعلاقات بين الاتحاد الروسي والمملكة العربية السعودية تختلف الآن اختلافاً جوهرياً عما كانت عليه في أيام بريجنيف خلال الإتحاد السوفيتيي.
إن أساس هذه العلاقات قد بني في قطاع الطاقة، لأن تقاربنا في موقع مشروع (أوبك+) يعود إلى منتصف العقد الثاني من قرننا، عندما كان هناك انهيار في أسعار النفط العالمية. وقد أجبر ذلك المنافسين، الذين كانوا آنذاك من دول أوبك (أي منظمة البلدان المصدرة للبترول) وأجبر معهم الاتحاد الروسي، على توحيد الجهود لتحقيق استقرار هذه الأسعار.
وبحلول بداية ديسمبر من عام 2016، تمَّ التوقيع على اتفاقية تعهد المشاركون فيها بخفض إنتاج “الذهب الأسود” بواقع 1.7 مليون برميل يومياً. وتم التقيد بالحصص المخصصة لأطراف الإتفاقية، وتم تمديد الإتفاقية بانتظام حتى شهر مارس 2020، عندما تمَّ إجراء التعديلات المتفق عليها. وفي صيف عام 2021 تمَّ التوصل إلى اتفاق بشأن زيادة طفيفة في الإنتاج النفطي اليومي، وتم تمديد المشروع نفسه حتى نهاية ديسمبر 2022، حيث جرت إعادة تقييم أخرى للوضع. ومن المفترض أن تزيد حصة الاتحاد الروسي حالياً من 11 إلى 11.5 مليون برميل يومياً. وفي 16 أبريل 2022، أجرى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين محادثة هاتفية مع ولي عهد المملكة العربية السعودية سمو الأمير محمد بن سلمان آل سعود، حيث تمَّ خلالها وضع تقييم إيجابي للتعاون بين البلدين في إطار مجموعة (أوبك+).
كما أن محاولات واشنطن لعزل موسكو من خلال تحريضها ضد المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بائت بالفشل. حيث أظهر ولي العهد السعودي الأمير سمو محمد بن سلمان، كما يُعرف عنه في الغرب، احترامه للثبات والإستقلال والحزم.
*ماذا فعلنا في الاتحاد الروسي لنستحق مثل هذه الخدمة من ولي العهد ؟
ومتى تمكنت الاتحاد الروسي والسعوديون التحول من أعداء لدودين إلى شركاء مخلصين؟
يجيب سعادة البروفسور فيتالي نعومكن: لقد بدأنا في الاتحاد الروسي بالتغيير، وبدأت المملكة العربية السعودية تتغير أيضاً نحو سياسة براغماتية أكبر. فمنذ وقت ليس ببعيد، كان يُنظر إلى الشيوعية من قبل السعوديين على أنها عدو رهيب. والآن تعد جمهورية الصين (الشيوعية) من بين أفضل الشركاء التجاريين والإقتصاديين الرائدين للمملكة العربية السعودية.
كما لعب التغيير في دور الدين ومكانة الدين في حياتنا هنا في الاتحاد الروسي دوراً كبيراً، لأهميته الكبيرة في الخروج من أطر الإلحاد الرسمي، وخاصةً بعد منح الحرية الدينية الكاملة للمسلمين الروس، وهو الأمر الذي لعب في نظري دوراً مهماً في مصالحتنا السياسية مع المملكة العربية السعودية. وبذلك فقد تمت عملية تجاوز الخلافات التي كانت بيننا خلال الفترة القصيرة من النضال النشط لدولتنا ضد التطرف الديني والإرهاب في القوقاز.
لقد كان الاتحاد الروسي دولة مراقبة في منظمة التعاون الإسلامي منذ العام 2005. أما اليوم ، يستقبل كبار قادة الاتحاد الروسي رئيس رابطة العالم الإسلامي، والتي أُنشئت بمبادرة من المملكة العربية السعودية محمد عبد الكريم العيسى. حيث يعتبر تطبيع العلاقات إلى حد ما هو عودة إلى “الجذور التاريخية”. لقد كان الإتحاد السوفيتي أول دولة في العالم تعترف بالدولة التي أنشأها مؤسس المملكة العربية السعودية عبد العزيز إبن سعود، وأقامت موسكو معها علاقات رسمية. ولكن في عام 1938 انقطعت هذه العلاقات بين موسكو والرياض. لكن حتى تلك اللحظة بقي السعوديون ودودين للغاية. وقد تم الحفاظ على هذا الود في الذاكرة التاريخية تقليدياً للسعوديين والروس معاً.
*السؤال: لكن ولي العهد السعودي سمو الأمير محمد بن سلمان لا يتخذ قرارات مبنية على العاطفة والحنين التاريخي، أليس كذلك، إذا ما هي الإعتبارات البراغماتية المعاصرة التي دفعته إلى رفض الغرب والتوجه نحو الاتحاد الروسي؟
الجواب من سعادة البروفيسور فيتالي نعومكن: لقد عزى السعوديون رفضهم إلى تهديد الطائرات بدون طيار لحركة أنصار الله اليمنية المناهضة للحكومة السعودية. وهذه الحركة مدعومة من إيران وتعارض تحالفاً تقوده المملكة العربية السعودية وينفذ عملية عسكرية مناهضة للحوثيين في اليمن. وفي المملكة العربية السعودية وكذلك الإمارات العربية المتحدة، أوضحوا بإستياء أن واشنطن لا ترد بأي شكل من الأشكال على الهجمات المؤلمة التي يشنها الحوثيون على أراضي كلا الدولتين، كما أن واشنطن لم تقدم المساعدة اللازمة لحلفائها في الخليج، لقد قامت واشنطن حتى باختلاق الأعذار والمبررات.
فقط بتاريخ 21 مارس، ورداً على الشكاوى التي كادت أن تسمم التعاون مع الشركاء العرب، سلمت واشنطن صواريخ باتريوت وأنظمة مضادة للطائرات إلى الرياض. ومع ذلك، بينما أدانت واشنطن الحوثيين، كان هناك دعوات متزايدة في الولايات المتحدة الأمريكية لحل الصراع الدموي المستمر منذ عقود بين الحكومة المدعومة من التحالف العربي والحوثيين.
*السؤال: من فضلك سعادة البروفسور، أنت لديك برنامج تعليمي جيوسياسي كبير للغاية، فأرجوا التوضيح، ما هو سبب أهمية اليمن الكبيرة بالنسبة للمملكة العربية السعودية؟
يجيب سعادة البروفسور فيتالي نعومكن: “النقطة هنا ليست في اليمن نفسها، ولكن في النفوذ الإيراني في اليمن. لأن المملكة العربية السعودية تعتبر نفسها تقليدياً بأنها زعيمة العالم الإسلامي، وهي جزء كبير من المجتمع العالمي، حيث يتزايد وزنها ودورها وتأثيرها في المجتمع الدولي باستمرار. دعني أذكرك أن ملك المملكة العربية السعودية يحمل لقب “خادم الحرمين”، وهو يدير مناسك الحج الذي يعد أحد الواجبات الرئيسية (أركان الإيمان الخمسة) لكل مسلم.
ومن بين أكثر من 12.5 مليون ضيف يصلون سنوياً للحج إلى المملكة العربية السعودية، يكون الجزء الرئيسي من الحجاج الذين يؤدون فريضة الحج الرئيسية في شهر الحج والعمرة، أو ما يعرف بــــــ “الحج الصغير” والذي يمكن أن تتم مناسكه في أي وقت من السنة.
أما الدور الثاني المهم للمملكة العربية السعودية هو دورها المدافع عن مصالح الأغلبية السنية في العالم الإسلامي، حيث أن معظم سكان المملكة العربية السعودية والبالغ عددهم حوالي 36 مليون نسمة يعتبرون أنفسهم أتباعاً للمذهب السني في الإسلام. لكن كل هذا لا يعني أن علاقات المملكة العربية السعودية مع جميع الدول الإسلامية صافية للغاية. طبعاً إن الأمر ليس كذلك مع الجميع لعدة أسباب.
فعلى سبيل المثال، للمملكة العربية السعودية علاقات صعبة مع دول أخرى أكثر نفوذاً في العالم الإسلامي مثل تركيا. إذ تنتمي القيادة التركية إلى أتباع حركة الإخوان المسلمين كما هو شائع. وهنا فإن المملكة العربية السعودية تعتبر أتباع “الإخوان المسلمين” منافسين لها إلى حد ما، بل تعتبرهم في بعض الأحيان خصوماً للمملكة العربية السعودية. وبالطبع، هذا العداء ليس قاسياً مثل عداء الإمارات العربية المتحدة ضدَّ الإخوان المسلمين، حيث يمثل “الإخوان” التهديد الداخلي الرئيسي لأمن الدولة في الإمارات العربية المتحدة، ولذلك نرى حالياً أن حكومة أبو ظبي تعتبر الإخوان المسلمين بأنهم ألد الأعداء للإمارات.
ومع ذلك، فإن المملكة العربية السعودية، ومثلها الإمارات العربية المتحدة، تعتبران حالياً بأن جمهورية إيران الإسلامية هي أهم تهديد خارجي لكلا البلدين. لأن إيران تضع نفسها كحامية للجزء الشيعي من المسلمين ضمن سكان منطقة الشرق الأوسط، ولذلك فإن إحتواء النفوذ الإيراني هو الهدف الرئيسي للسياسة الخارجية السعودية المتبعة حالياً.
*السؤال: هي هذا التنافس يحدث حالياً مع إيران في اليمن؟
وما مدى أهمية الحديث عن بدء عملية تآكل النفوذ الأمريكي في منطقة الشرق الأوسط ؟ أو الحديث عن فتور العلاقات الأمريكية مع حليف تقليدي مثل المملكة العربية السعودية، وهي أهم قوة نفطية عظمى في العالم؟
هل فعلاً أن الأمر كذلك أو أن هناك قوى إقتصادية نفطية أخرى تلعب دوراً مهماً في السوق النفطية العالمية؟
يجيب سعادة البروفسور فيتالي نعومكن: لا توجد قوة نفطية واحدة، بل هناك ثلاث قوى نفطية عظمى في العالم، بحيث تنتج كل منها أكثر من عشرة ملايين برميل يومياً من النفط الخام المستخرج. هناك المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الروسي. لكنك محق في أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت بالفعل الحليف والشريك الرئيسي للسعودية منذ الثلاثينيات، أي عندما اكتشف الأمريكيون أغنى حقول النفط في البلاد.
هذا الأمر هو الذي أدى لوجود فروق دقيقة في الوضع الحالي، حيث بدأت هذه الفروق تتجلى جزئياً في موقف الرياض من الأزمة الأوكرانية، بسبب تنامي شعور عدم الثقة لدى دول المنطقة ضدَّ الولايات المتحدة الأمريكية، وبأن واشنطن “تترك” منطقة الشرق الأوسط تدريجياً.
ولهذا، بات الإبتعاد عن واشنطن بالفعل اتجاهاً مستقراً تماماً في سياسات معظم الدول العربية، مثل المملكة العربية السعودية، وكذلك دولة الإمارات العربية المتحدة المنتجة للنفط هي أيضاً، والتي كانت تنتهج سياسة خارجية متعددة التوجهات خلال السنوات الأخيرة. ونحن نرى حالياً، بأن المملكة العربية السعودية تسعى إلى تحقيق التوازن في علاقاتها الوثيقة مع شركائها القدامى، مثل الولايات المتحدة الأمريكية ودول القارة الأوروبية، وذلك من خلال تطوير العلاقات مع الدول غير الغربية “الجديدة” عليها، وفي مقدمتها جمهورية الصين الشعبية، فضلاً عن الاتحاد الروسي ومعهم الهند أيضاً.
ومع ذلك، أولاً – هذه العلاقات غير متكافئة إلى حد كبير، وثانياً – هي تخضع لتقلبات بسبب التغيرات في الساحة العالمية والوضع في المنطقة. كما هو الحال غالباً مع “الدول المتوازنة” حيث يتعين عليهم أحياناً إظهار بعض التناقض وحتى التردد في سياستهم الخارجية معها، حيث يتأثرون بشركائهم، وفي هذه الحالة، هم سيتأثرون بالغرب. كما أن الضمان الرئيسي لاستقرار المسار السياسي (متعدد التوجهات) للمملكة العربية السعودية هو الإرادة السياسية التي لا شك فيها لولي العهد الأمير محمد بن سلمان، لأنه أثبت قدرته على تجاوز كافة المخاطر السياسية، لأن الأمير السعودي لديه “إرادة فولاذية” وهذا أمر جيد بالطبع، لكن في أي شراكة يمكن أن نجد بأن أحد الأعضاء هو أقوى من الآخر، فيما يكون الآخر أضعف.
السؤال: كيف يبدو ميزان القوى هذا الآن في الشراكة بين السعوديين والأمريكيين حالياً؟
هل لدى واشنطن فرصة للضغط على الرياض لتغيير موقفها تجاه الاتحاد الروسي حالياً؟
يجيب سعادة البروفسور فيتالي نعومكن: لا شك أن واشنطن هي المشارك الأقوى في هذه الشراكة، وأن المملكة العربية السعودية هي الأضعف حالياً. ومع ذلك، يميل المشاركون الضعفاء أحياناً إلى “إظهار أسنانهم” أكثر من الأشخاص الأقوياء، حتى هنا في هذه العلاقة لواشنطن مع الرياض. في الوقت نفسه، نجد بين دول الشرق وخاصة في العالم العربي، كيف يمكن أن يكون العامل الشخصي دائماً مهماً للغاية. فلم تنسى المؤسسة السعودية مثلاً حملة التشهير التي انطلقت في الولايات المتحدة الأمريكية ضد الأمير محمد بن سلمان، والذي اتهم أنه كان وراء اختطاف وقتل الصحفي السعودي المعارض البارز جمال خاشقجي.
في ذلك الوقت، دعم الاتحاد الروسي ولي العهد محمد بن سلمان، مما عزز صورتها على أنها “الشريك الجديد” للمملكة العربية السعودية، وأظهرت أن التعاون معها يمكن أن يكون مفيدًا للمصلح السعودي الشاب. لقد حددت هذه المساعدة إلى حد كبير حقيقة رغبة الرياض وامتناعها بشكل أساسي عن انتقاد الاتحاد الروسي في الأزمة الأوكرانية، على الرغم من أنها أظهرت مرونة من بعض النواحي، وتحافظ على مواقفها المتعددة الإتجاهات بشكل أساسي.
*السؤال: إلى أي مدى يمكن أن تذهب هذه المرونة السعودية؟
*وهل تعتقدون بأن ضغط الغرب على الرياض بشأن قضية الاتحاد الروسي وموقف الرياض من العملية العسكرية الروسية سيزداد في المستقبل؟
يجيب سعادة البروفسور فيتالي نعومكن: نعم، من المفترض أن واشنطن ستزيد الضغط على المملكة العربية السعودية في محاولة لقلب موقفها ضدَّ موسكو. ولكن دفاع الرياض عن موقفها يأتي حالياً بالتزامن الفعلي لموقف الرياض مع غيرها من مواقف الدول العربية الأخرى في منطقة الخليج، باستثناء دولتي قطر والكويت. لكن لا ينبغي الإستهانة بقدرات واشنطن أيضاً، حتى مع الأخذ بعين الإعتبار بأن صورتها الحالية هي شريك غير موثوق به في المنطقة.
ومع ذلك، لدينا أيضاً في الاتحاد الروسي أوراقنا الرابحة مثل الموثوقية والولاء والإلتزام بالحلفاء وهذه هي المزايا غير المشروطة لدى الزعيم الروسي فلاديمير بوتين في نظر زملائه العرب، وبهذا المعنى فإن التجربة السورية تعمل حالياً من أجل سمعة موسكو حتى بين معارضي بشار الأسد. وبالمناسبة فإن المملكة العربية السعودية كانت الأبرز بين هؤلاء المعارضين، نظراً لأن الرياض كانت أحد الرعاة الرئيسيين للمعارضة السورية ضدَّ بشار الأسد.
*السؤال: هل يتعلق الأمر فقط بإظهار “ولائنا لأصدقاء” الاتحاد الروسي؟
*أم أن استمرار الوجود العسكري الروسي في الجمهورية العربية السورية سيزيد من ثقلنا الجيوسياسي في منطقة الشرق الأوسط بشكل عام؟
يجيب سعادة البروفيسور فيتالي نعومكن: بالطبع، في ظل الوضع الدولي الحالي الأكثر صعوبة، فإن القاعدة العسكرية الروسية في شرق البحر الأبيض المتوسط، هي بالنسبة لبلدنا تمثل لاعباً وموقعاً جيوسياسياً جاداً وهاماً للغاية، سواءً في منطقة الشرق الأوسط أو خارجها.
*السؤال: هل لدى الاتحاد الروسي فرصة لاقتحام القضايا المحرم اقتحامها في الوقت الحالي، مثل – قيام الاتحاد الروسي بتدمير احتكار الغرب لمليارات الدولارات وذلك عبر قيام موسكو بإمداد المملكة العربية السعودية بالأسلحة الروسية الحديثة؟
يجيب سعادة البروفسور فيتالي نعومكن: على الرغم من ثباته في الدفاع البراغماتي المستقل عن مصالح المملكة العربية السعودية، يدرك الأمير محمد بن سلمان جيداً أنه لا ينبغي له كقائد سياسي تجاوز بعض “الخطوط الحمراء”. خاصةً وأن أحد هذه الخطوط هو تطوير التعاون العسكري مع الاتحاد الروسي وشراء المعدات العسكرية الروسية.
لكن لوحظ بالفعل وجود اتجاه عام مستقل في السياسة الخارجية والدفاعية الحالية للرياض. والدليل على ذلك مثلاً، ذلك المشروع الذي تم تسريب معلومات عنه لوسائل الإعلام، والذي يتمثل بإنشاء نظام دفاع جوي صاروخي مشترك بين الإمارات والسعودية والبحرين وإسرائيل، وسيكون متعدد المستويات، وستدمج مستوياته الثلاثة وستسكمل بمعدات للإنذار المبكر.
وبتاريخ يومي 27 و 28 مارس آذار من هذا العام 2022، وفي إسرائيل، وبالذات فيما يعرف بـــــ(سديه بوكير) أو صحراء النقب، عُقد اجتماع لوزراء الخارجية العرب مع وزير الخارجية الإسرائيلي لأول مرة بمشاركة ممثلين عن البحرين وإسرائيل والمغرب والإمارات العربية المتحدة ومصر وكذلك بمشاركة وزير الخارجية الأمريكي.
صحيح ، لم يكن هناك ممثلون عن المملكة العربية السعودية في صحراء النقب، لكن الرياض لا تنضم إلى بعض جيرانها الخليجيين في إقامة علاقات رسمية مع إسرائيل حتى الآن. نعم، والسعوديون لم يعطوا الضوء الأخضر بعد للإتصالات العامة مع الدبلوماسيين الإسرائيليين.
ويعود السبب في عدم قيام السعوديين بهذه الخطوة، بسبب عدم إحراز تقدم ملموس في تنفيذ خطة إقامة دولة فلسطينية. لكن في الوقت نفسه، هناك معلومات في وسائل الإعلام حول سلسلة من المحادثات السرية التي أشيع بأنها جرت بين ممثلين عن الأجهزة الخاصة للدولتين حول عدد من القضايا الأمنية.
وهنا من السهل ملاحظة تداخل هذه المصالح، لأن العدو الرئيسي لإسرائيل هو إيران أيضاً، وعليه ليس من المستغرب إذن أن المحادثات بين قادة إسرائيل والإمارات العربية المتحدة ومصر ناقشت التهديد النووي الإيراني، وعواقب أي إتفاق جديد بين القوى العالمية مع إيران والإنسحاب الأمريكي من الشرق الأوسط. وعلى عكس إسرائيل، فإن المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ليستا مستعدتين لضرب أهداف إيرانية بشكل مباشرٍ – على الرغم من أن الحوثيين المدعومين من إيران تسببوا في الكثير من الأضرار لمنشآتهم النفطية.
لكن الشيء الرئيسي هو أن المشاركين في القمة ضمن الوضع الحالي، لم يميلوا إلى تصديق وعود وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، نيابة عن الولايات المتحدة الأمريكية بضمان أمنهم في حال حدوث تصعيد في منطقة الخليج.
*السؤال: ما هو الدور الذي يلعبه بلد صغير ولكنه مهم جداً تقليدياً في منطقة الشرق الأوسط مثل لبنان في ترتيبات السياسة الخارجية السعودية المرتبطة بالاتحاد الروسي؟
يجيب سعادة البروفيسور فيتالي نعومكن: إن المملكة العربية السعودية، غير مهتمة بتعزيز موقف حزب الله اللبناني الشيعي المرتبط بإيران عشية الإنتخابات النيابية اللبنانية. كما أن إيران متهمة بدعم الحوثيين اليمنيين. حيث زعم ممثلو هذا الحزب من جهتهم أن الرياض تمول الحملة الإنتخابية لرئيس الوزراء السني السابق فؤاد السنيورة المعارض لهم.
وحالياً، يُعتقد أن القوة العسكرية لمنظمة حزب الله تفوق قوة الجيش اللبناني. كما أنها قوة سياسية جادة. وقد تسببت بهجرة جزء كبير من النخبة ذات العقلية الليبرالية الموالية للغرب من لبنان إلى الغرب، مما شكل فراغاً سياسياً معيناً في لبنان بدأ ممثلو الشيعة بملئه.
ومع اهتمامها بإضعاف حزب الله الموالي لإيران، فإن واشنطن تصعد من ضغوط العقوبات على لبنان لإظهار أن هذا الحزب هو المسؤول عن الأزمة المالية والإقتصادية الحادة حالياً في لبنان. وهنا تتطابق مصالح الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من جهة وكذلك مصالح المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة من جهة أخرى. ومع ذلك، فإن هذا لا يكفي لتغيير سياسة المملكتين العربيتين المتبعة حالياً تجاه الخصمين الرئيسيين لواشنطن، وهما جمهورية الصين الشعبية والاتحاد الروسي.
*السؤال: كيف يبدو المشهد السياسي الداخلي في المملكة العربية السعودية الآن؟
وهل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان هو زعيم يتمتع بسلطة غير محدودة؟
يجيب سعادة البروفيسور فيتالي نعومكن: لا ينبغي أن تعتقد بأن مستوى الرفاهية الذي تحقق في المملكة العربية السعودية سينقذ من المشاكل والإضطرابات الإجتماعية والسياسية وحتى الإقتصادية. لأن التوتر السياسي بين السنة والأقلية الشيعية لا يهدأ، وهناك أدلة على وجود إستياء شعبي من العملية الجارية في اليمن، والتي تحتاج لإنفاق الكثير من الأموال. كما تتواجد بين الحين والآخر في البلاد خلايا سرية من التنظيمات الإرهابية النشطة، والتي تهدد أمن المملكة العربية السعودية.
ففي الآونة الأخيرة، تم إعدام 84 إرهابياً، آخر ثلاثة منهم، قد تمت عملية إعدامهم في يوم زيارة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، الذي فشل في إقناع شركائه العرب بزيادة إنتاج النفط وإدانة موسكو.
إسمحوا لي أن أعطيكم مثالاً آخر (يتابع سعادة البروفيسور فيتالي نعومكن إجابته هذه): على الرغم من أن المملكة العربية السعودية لديها قوانين صارمة ضد الإتجار غير المشروع بالمخدرات، إلا أنه لا يمكن حتى الآن القضاء تماماً على تجارة المخدرات وتعاطيها هناك. لأنه تمَّت عملية إحباط محاولة أخرى لتهريب شحنة كبيرة من المخدرات وقدرها – 456000 قرص من مادة (أمفيتامين) كانت مخبأة في معدات مختلفة على الحدود، وذلك في وقت سابق من أبريل الجاري، حيث تكافح أجهزة الأمن السعودية للقضاء على آفة المخدرات.
فقد قامت الأجهزة الأمنية السعودية المختصة بضبط 1.5 مليون قرص من مادة (كبتاغون) على الحدود الأردنية، وتم ضبط 1.6 مليون قرص في ميناء جدة في مارس الماضي 2022، وفي عام 2020، تم الإبلاغ عن أن ما نسبته من 7 إلى 8 بالمئة من السعوديين يتعاطون المخدرات، وكانت (الأمفيتامينات) من بين المخدرات الأكثر شيوعاً والأكثر تعاطياً بين سن الشباب من 12 وحتى 22 عاماً، وذلك بسبب هيمنة معايير الحياة الإجتماعية الخاملة في المملكة العربية السعودية عند ذلك الجيل.
ولهذا السبب، أطلق ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إجراءات غير مسبوقة لتحديث الحياة العامة، بما في ذلك السماح للمرأة بقيادة السيارات في المملكة العربية السعودية. وهذا يدعم شريحة كبيرة من الشباب في البلاد، لكنه يواجه استياءاً حاداً من رجال الدين الوهابيين.
وقد تم طرح برنامج طموح لتطوير اقتصاد المملكة بحلول عام 2030 بناءً على تنوع الإقتصاد وتقليل الإعتماد على النفط، والذي سيشمل من بين أمور أخرى تطوير مجالات السياحة في المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، فمن المشكوك فيه أن الأرقام التي يطمح السعوديون لجذبها من أجل السياحة وهي 100 مليون شخص سنوياً، سيكون تحقيقها ممكناً بدون حدوث تغيير جوهري في معايير الحياة في المملكة العربية السعودية.
وبغض النظر عن هذه الشكوك، إلا أن هناك الكثير من مواقع التراث الثقافي هناك في أراضي المملكة العربية السعودية، والتي تتطلب الكثير من التحديث لصناعة الترفيه للسياح الأجانب.
*السؤال: سعادة البروفيسور، دعونا نلخص ما يتعلق بالمملكة العربية السعودية، إلى أي مدى يمكن اعتبار الأمير محمد بن سلمان هو شريك موثوق به للاتحاد الروسي؟
وما هو احتمال أن يغير موقفه من موسكو 180 درجة بناءً على بعض إعتباراته؟
يجيب سعادة البروفسور فيتالي نعومكن: أعتقد أن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يمكن بالتأكيد اعتباره أحد أكثر شركاء الاتحاد الروسي موثوقية. والأمر نفسه ينطبق على الحاكم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة، الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد إمارة أبوظبي.
والشيء الآخر هو عدم القدرة على التنبؤ بدرجة كبيرة بتطور الوضع في كل من منطقة الشرق الأوسط وفي جميع أنحاء العالم، والضغط المستمر على الدول العربية من شركائهم الغربيين.
فضلاً عن ذلك، يجب أن لا ننسى الأزمات المستمرة والصراعات الإقليمية التي تغذيها المنافسة الشديدة على الموارد بهدف التأثير السياسي، والتي لا يمكن أن لا تؤثر على مواقف أي زعيم إقليمي، ولذلك، فإن المصداقية المطلقة لأي من رؤساء الدول المعروفين لا تستحق العناء.
وفي الوقت نفسه، سيعتمد الكثير على قدرتنا هنا في الاتحاد الروسي، لتعزيز الثقة الحالية في بلدنا باستمرار، وإقناع اللاعبين الإقليميين بأنه من المستحيل عليهم ببساطة حل مشاكلهم السياسية والإقتصادية المعقدة بدون مساعدة الاتحاد الروسي.
*السؤال: سعادة البروفيسور، دعنا ننتقل إلى الإمارات العربية المتحدة التي يحبها سياحنا الروس الآن. كيف يمكنك وصف موقف الإمارات فيما يتعلق بالعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا ؟ وعلى أي أساس بنت الإمارات هذا الموقف وما مدى استقراره؟
(يجيب سعادة البروفيسور فيتالي نعومكن): إن موقف الإمارات العربية المتحدة مثل موقف المملكة العربية السعودية ترفض الإنضمام إلى العقوبات المناهضة للاتحاد الروسي. وترفض إدانة الاتحاد الروسي قطعياً رغم الضغوطات الأمريكية.
أولاً، لقد امتنعت الإمارات العربية المتحدة عن التصويت في مجلس الأمن الدولي على مشروع القرار الأمريكي والذي أعدته واشنطن لإدانة تصرفات الاتحاد الروسي في أوكرانيا، ثم أكدت أبو ظبي مراراً عزمها البقاء على الحياد. ويعتمد هذا الموقف على عدم رغبة حكام الإمارات العربية المتحدة في اتباع مسار الولايات المتحدة الأمريكية بشكل أعمى، والرغبة في الإسترشاد بمصالحهم، بما في ذلك في مجال الأمن، ومجال علاقاتهم التجارية والسياسية الوثيقة والواسعة النطاق مع الاتحاد الروسي.
إن العرب إجمالاً في الدول العربية، ينظرون إلى موسكو تقليدياً هنا، على أنها قوة موازية ضدَّ رغبة واشنطن في الهيمنة. وحتى الآن يمكن اعتبار هذا الموقف مستقراً إلى حد ما حالياً. لكن بعض المحللين يعتقدون أنه يمكن لهذا الموقف العربي أن يهتز إذا استمر الصراع العسكري في أوكرانيا لفترة طويلة. وهذا الموقف تتشاطره معظم الدول العربية بالمجمل معاً. خلافاً للموقف الآخر لبعض الدول العربية المؤيدة لواشنطن لأسباب مختلفة ومع بعض الفروق الدقيقة في المواقف، مثل الموقف السياسي الذي اتخذته كل من دولتي الكويت وقطر.
*السؤال: إلى أي مدى يمكن للتعاون السياسي والإقتصادي مع الدول الرئيسية الكبرى في منطقة الشرق الأوسط أن يسمح للاتحاد الروسي بالتخفيف من تأثير الحصار الإقتصادي الذي يفرضه الغرب حالياً ضدَّها؟
يجيب سعادة البروفيسور فيتالي نعومكن: أعتقد أن التعاون مع الدول الرئيسية الكبرى في منطقة الشرق الأوسط، بالطبع، يمكن أن يخفف من تأثير فرض العقوبات ضد الاتحاد الروسي من قبل الغرب وبعض الدول الأخرى. ومع ذلك سيكون التعاون صعباً في عدد من الحالات.
بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض الدول، وليس الدول الأقوى في المنطقة، التي لا تريد تعريض اقتصاداتها للخطر، ولذلك نراها تعلن عدم استعدادها لمساعدة موسكو بالإلتفاف على العقوبات الغربية. وفي الوقت نفسه، تنفتح الآفاق حالياً أمام تعاون موسكو مع عواصم الدول العربية ودول أخرى في الشرق الأوسط، والتي لن تعرقلها أي عقوبات لوجود إرادة سياسية للقيام بذلك. وقد ينطبق هذا الأمر على سبيل المثال على مجال التعاون العسكري التقني، كما يتضح من تجربة تنفيذ صفقة شراء أنظمة الصواريخ المضادة للطائرات من طراز S-400 من قبل تركيا.
ففي هذا الصدد، يجدر قول بضعَ كلماتٍ عن خطط دولة الإمارات العربية المتحدة لتطوير مجمعها الصناعي العسكري. فمن نواحٍ عديدة، يشبه التغيير في السياسة الصناعية العسكرية لهذا البلد ما يفعله الاتحاد الروسي اليوم في مجال استبدال الواردات، بما في ذلك تصنيع الطائرات وغيرها من المجالات الإستراتيجية، حيث تلتزم دولة الإمارات العربية المتحدة بالإكتفاء الذاتي لقواتها المسلحة من أنواع معينة من الأسلحة والمعدات العسكرية وتقليل الإعتماد على الإمدادات الأجنبية، ويمكن أن تكون تجربتهم مفيدة لبلدنا في روسيا، بغض النظر عما إذا كان نظام العقوبات مستمراً أو مخففاً أو مرفوعاً.
وهكذا، نرى أن الإمارات العربية المتحدة، تقوم بتحويل الدولة إلى شركة كبرى لتصنيع معدات الطيران المدني والعسكري على مستوى عالمي. وأحد الأمثلة على إنجاز هذه المهمة هو إنشاء مركز كبير لإصلاح وصيانة معدات الطيران، حيث يوجد هناك مركز للأبحاث والتكنولوجيا للمركبات الجوية بدون طيار، وكذلك لصناعة المدرعات التي تتطور بسرعة كبيرة للغاية في دولة الإمارات العربية المتحدة.
وقد شهدت إحدى المناطق الصناعية في العاصمة أبو ظبي مثلاً، إنشاء مشروع مشترك بين شركتين محليتين كبيرتين، ليتم تصنيع مركبات نمر المدرعة متعددة الأغراض. حيث تم إطلاق إنتاج هذه الناقلات للجند المدرعة على أساس سيارة مصفحة كانت تصنع في جنوب إفريقيا.
*السؤال: ماذا يحدث في سوريا الآن ؟ وإلى أي مدى استعاد الرئيس بشار الأسد سيطرته على الأوضاع في البلاد؟ وهل يمكن اعتبار الحرب الأهلية في هذه الدولة منتهية؟
يجيب سعادة البروفيسور فيتالي نعومكن: لقد نجح الرئيس بشار الأسد بمساعدة روسيا وإيران في القضاء على تنظيم داعش الإرهابي المحظور في روسيا، وتوجيه ضربات خطيرة لقواعد الجماعات الإرهابية الأخرى، لقد انتهت الحرب الكبيرة في سوريا بالفعل.
لكن الإشتباكات المتفرقة أحياناً بين القوات السورية الحكومية وجماعات المعارضة المسلحة، هي جزءٌ لا يتجزأ من الواقع السوري. لقد فرضت الحكومة في دمشق سيطرتها على منطقة كبيرة، ولكن للأسف، ليس على كامل أراضي البلاد. وهكذا، فإن منطقتها الواقعة في الشمال الشرقي من البلاد، على الضفة اليسرى لنهر الفرات، ما زالت تخضع لسيطرة القوات الكردية بالتحالف مع بعض القبائل العربية المحلية ومع الإدارة الأمريكية.
وهذه القوى تستفيد معاً من تجارة النفط المنتج في هذه المنطقة فضلاً عن تجارة الحبوب، ولذلك يطالب الاتحاد الروسي والسلطات السورية برحيل الأمريكيين ووضع حد لعمليات النهب المخزي لموارد وخيرات البلاد التي تتم هناك. ففي الشمال الغربي، أي في محافظة إدلب، هناك منطقة تسيطر عليها المعارضة المسلحة، بما في ذلك فصائلها الموالية لتركيا والمنظمات الإرهابية المحظورة من قبل المجتمع الدولي بأسره، وفي سوريا، هم يخشون أنه إذا استمرت الهيمنة التركية في هذه المنطقة، فقد يتم ضمها في المستقبل من قبل أنقرة إلى تركيا.
ومع ذلك، سيستمر التعاون حالياً بين روسيا وإيران وتركيا بشأن سوريا، رغم أن سيادة الدولة تنتهك من قبل الإحتلال الإسرائيلي غير الشرعي لمرتفعات الجولان في جنوب غرب البلاد، والضربات الجوية الإسرائيلية العرضية ضد أهداف في الأراضي السورية وهو ما تدينه موسكو.
*السؤال: ناقشنا الموقف الحالي للقادة السياسيين لدى دول منطقة الشرق الأوسط تجاه الاتحاد الروسي، برأيكم، كيف يفكر “الشارع العربي”؟
وما هو الرأي العام لدول المنطقة بشأن العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا؟
والسؤال الأهم أين قوبلت تصرفات موسكو بشكل أكثر فهماً، وأين قوبلت بشكل أقل فهماً، من قبل تلك الدول وشعوبها؟
يجيب سعادة البروفيسور فيتالي نعومكن: ليس من الغريب أن يتعاطف الشارع العربي في كل مكان تقريباً مع تصرفات الاتحاد الروسي، وليس من الغريب أن لا يميل وأن يبتعد عن دعم مسار الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.
ويعود السبب في هذا التعاطف العربي لأن الأمريكيين يسترشدون في قراراتهم حالياً باستخدام المعايير المزدوجة، وهم لا يدينون أفعال إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ويخونهم النسيان الكامل للحقوق الوطنية المعترف بها دولياً للفلسطينيين.
أما بالنسبة لأكبر عملية فهم واستيعاب لأعمال وقرارات الاتحاد الروسي من قبل الشعوب العربية، فهي تتم حالياً بشكل واضح في الجمهورية العربية السورية (باستثناء المعارضة) وكذلك الأمر يتم في فلسطين، حيث يستوعب المواطنون هناك في ذلك البلد الموقف الروسي ويدعمونه بوضوح تام.
ترجمة الدكتور حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.