بعد التطورات الأخيرة على الصعيدين الإقليمي والدولي، فتحت الأعين حول إرتباط كل مناطق الصراعات بعضها ببعض، بالأدوات نفسها، وبالأجندات المشابهة لبعضها، وبالمنخرطين واللاعبين الدوليين والإقليميين أنفسهم، من سوريا إلى ليبيا إلى ناغورنو قره باغ إلى شرق المتوسط وغيرهم.
توسيع الدائرة
إن ما يحدث اليوم من صراعات في جلها مفتعلة جاءت ضمن مخطط تم الشرح حولها مطوّلاً، إلا أنها بدأت مرحلة، مرحلة، وتم إغلاق أكثر من ملف، وسط توقعات بعدم وجود مقاومة آنذاك، لعرقلة هذه المخططات، لقد أعاقت سوريا على سبيل المثال المخطط الرامي بإسقاطها، وكان لتدخل روسيا في الأزمة السورية، العامل الأكبر في عرقلة مخططات أنقرة وواشنطن، مما إضطرهما إلى توسيع دائرة الصراعات على الرغم من أن الأزمة السورية إستهلكت الكثير من الوقت والجهد إضافة إلى الأموال، فكان لابد من الإنتقال إلى بلدان جديدة تحقق توازاناً في حال تم الفشل في بعض الملفات، مستخدمين الإرهاب السياسي والإقتصادي، فضلاً عن الإرهاب العسكري الذي لم يتوقف منذ اليوم الأول لتلك الأزمات.
إن من يغذي ساحات القتال في ليبيا هم مرتزقة سوريين، ومن يغذي الصراع في ناغورو قره باغ أيضاً سوريين، ولو أن هناك حرباً مفتوحة مع اليونان بسبب أزمة شرق المتوسط لربما رأينا الدور التركي البارع في نقل الإسلاميين من منقطة إلى أخرى، وواهم من يعتقد أن أنقرة تتصرف منفردة وأن لها القدرة وحيدة على التواجد على أكثر من ساحة والتدخل في أكثر من صراع، لولا أن هناك دعماً أمريكياً لها، ما يؤكد هذه النظرية، التسريبات التي وضحتها الوثائق التي نشرتها وزارة العدل الأمريكية مؤخراً حول الصلات والإتصالات بين المسؤولين الأمريكيين وسفارتي تركيا وقطر وخاصة مسألة دعم الجهاديين في ليبيا.
صراعات إقتصادية
في المسألة الأرمينية – الأذرية هناك تراشق إتهامات حول نقل مقاتلين من سوريا ولبنان إلى القتال لجانب يريفان، يقابل ذلك دخول مرتزقة سوريين عبر تركيا إلى باكو للقتال إلى جانب القوات الأذرية، في الحالة الأولى الجميع يعلم أن هناك جاليتين كبيرتين للأرمن في كل من لبنان وسوريا ورغم تجنيسهما في الدولتين المذكورتين، إلا أنهما من حملة الجنسية الأم، وهما أحرار إذا ما أرادوا الإنتقال والوقوف إلى جانب جيش بلدهم، ما يعني أن هذا الأمر لا دخل فيه للإدارات السياسية في دمشق وبيروت، وبالتالي هذا حق مشروع في سياق الدفاع عن الأرض.
أما في الحالة الثانية، إن تأجيج الصراع من قبل تركيا من خلال الدعم العسكري بالمقاتلين والسلاح، هو تدخل سافر في صراع لا يخدم إلا الولايات المتحدة، عبر الأداة التركية، وهو صراع عنوانه اقتصادي واضح لما يشكل إقليم آرتساخ (قره باغ)أهمية كبرى لها لجهة الولوج إلى القوقاز و آسيا الوسطى، وبالطبع يصبح الأمن القومي الإيراني والروسي وإلى حدٍّ ما الصيني في دائرة الخطر، وإن كان بعيداً حالياً لكن مع المستقبل سيكون أقرب مما نتخيل، فمسألة الصراع بين أوكرانيا وروسيا ليس صدفة ولا الصراع الحالي الذي هو على شكل مظاهرات معارضة في بيلاروس، كله إذا ما دققنا قليلاً نجده مترابط بشكل يبين أن هذا العالم ذاهب إلى مواجهات ستكون أشد فتكاً من الحربين العالميتين الأولى والثانية.
ترتيب الأولويات
ومع اقتراب الانتخابات الأمريكية، يعتقد البعض أنها قد تحمل أملاً في تغيير السياسة الأمريكية تجاه المنطقة والعالم، لكن أثبتت التجربة، أن الدولة العميقة باقية وتتمدد، وشخص الرئيس غير مهم فهو ناطق رسمي بقرارات تلك الدولة، ما يعني إن نجح الرئيس الحالي دونالد ترامب، أو منافسه جو بايدن، لن يتغير شيء، فمثلاً ضغطت واشنطن على الدول الأوروبية في قضية المعارض الروسي ألكسي نافالني لفرض عقوبات على موسكو، والتي قوبلت بالتلويح بمثلها من الجانب الروسي، وفي مسألة الأزمة الأرمينية – الأذرية تحدثت معلومات عن نشر قوات روسية في منطقة الصراع، ما يعني أن هناك تصعيدا ًمقبلاً على أكثر من ساحة، فروسيا ليست مكسورة الحربة كما يقال، فقد ترد على أنقرة في الشمال السوري، وتحديداً إدلب، فإذا ما زاد التصعيد في إقليم آرتساخ، سنسمع عن بدء معركة إدلب قريباً وهذا في الميزان العسكري والسياسي ممكن جداً، في ضوء هذه التطورات.
وأما بكين فمن المعروف أن سياستها هادئة لكنها لن تتدخل حتى تصل الأمور إلى ذروتها، رغم إشتداد الخلافات بينها وبين واشنطن والتي ذهب بعض المحللين إلى توقعات بحرب مقبلة بينهما، ومن الطبيعي أن يكون الدور الإيراني متماهياً مع الموقفين الروسي والصيني من الملفات جميعاً، لأن تركيا لن تتوقف ما لم تتوقف الولايات المتحدة نفسها، وهذا أمر ليس وارداً الآن، لكن كما أشرنا أعلاه أن الإنتخابات الأمريكية ونجاح أي رئيس من بين المرشحين سيعطي فترة هدنة قصيرة قد تكون لترتيب الأولويات لا أكثر ولا أقل.
أخيراً، إن المؤشرات الحالية لا تبشر بالخير، وإن سياسات واشنطن الخارجية سكون أكثر صرامة عما قبل، رغم الإختلال الكبير الذي أحدثته في عهد الرئيس ترامب، فلقد تأكدت نية واشنطن حول زعزعة الأمن في غرب آسيا، وعلى المحور الذي يقف في الإتجاه الآخر، البدء بتكتيك جديد يتيح لوقف هذا المد الذي لن يدفع ثمنه إلا الإنسان الذي يعيش في دائرة تلك المناطق المتصارعة.
*نائب رئيس تحرير وكالة رياليست.
المصدر: مركز سيتا – بيروت.