لا تزال أصداء إغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني تتصدر أبرز الأحداث الإيرانية منذ عامٍ تقريباً، ولغاية اليوم، تهديد ووعيد، لكن على الأرض لم يتحقق شيء من الثأر المزعوم ولم يخرج إلى العلن مقتل أمريكي واحد على الرغم من إمطار قاعدة عين الأسد الأمريكية في العراق، بوابلٍ من الصواريخ، والتي أفرغتها الولايات المتحدة قبيل الرد الإيراني على جريمتها، الجريمة قائمة ومدانة بكل تأكيد من الناحية القانونية، كون الإغتيال وقع على أرض غير إيرانية، وكان سليماني في زيارة مدنية لا عسكرية، وبصرف النظر عن التفاصيل، قد يسأل السائل لماذا جاء الرد في العراق على الرغم من وجود عشرات القواعد الأمريكية بالقرب من إيران لعل أقربها في منطقة الخليج، فحتى لو حدث الإغتيال على الأراضي العراقية، كان لطهران المبرر القوي للرد على أي قاعدة أمريكية في دول كانت لتشكل فارقاً كبيراً في مستوى الرد وحجمه وتلقي واشنطن لتلك الضربة.
لكن أياً من ذلك لم يحدث، بل جاءت حادثة إصابة الطائرة الأوكرانية لتعتم على المشهد بشكل أسرع مما هو متوقع، ويكون الرد والحدث ككل إنخفت صداه إلى درجة كبيرة.
عزلة إقليمية ودولية
عامٌ كامل والتهديد الإيراني مستمر، رغم العقوبات الكثيرة المفروضة عليه في هذا العام، ورغم جائحة “كورونا”، لكن الولايات المتحدة بدأت بقصقصة أجنحة طهران في المنطقة، وبدأت في لبنان، من خلال الإطباق عليه وخنقه إقتصادياً وإحداث إنقلاب داخلي لبناني على جسد المقاومة اللبنانية المدعومة من إيران، فلقد خرجت أصوات كثيرة حملت “حزب الله” ظروف لبنان المستجدة وأن سلاحه سبب كل الوضع الصعب المتفاقم والمستمر، هذا الأمر في جوهره غير صحيح، لكن الصحيح أن الأفرقاء الأعداء للحزب إستغلت هذا الأمر وحركت الشارع في هذا الإتجاه، وبالتالي المتضرر لبنان، لكن المستهدف هو إيران.
في سوريا، وبحسب أوساط كثيرة، قيل إن القوات الإيرانية سلمت العديد من مواقعها في سوريا إلى القوات السورية في منطقة البوكمال بالشرق السوري، وبصرف النظر عن مدى صحة هذه المعلومات من عدمها، وتأكيد إيران مراراً وتكراراً على وجودها الشرعي في سوريا وعلى مستوى خبراء إستشاريين، لكن هذا الأمر يؤكد أن الوجود الإيراني أكبر من ذلك بكثير، وأيضاً هذا الأمر يعتبر بالعلم العسكري إستسلاماً إلى حدٍّ ما.
في اليمن، إن إتفاق الرياض الأخير ومحاولات حل الأزمة اليمنية، أيضاً يندرج في سياق قطع الطريق على الدعم الإيراني للحوثيين في اليمن، وبالتالي مع حل الأزمة اليمنية لن يبقى هناك ذريعة لأي تدخل خارجي في اليمن، ما يعني أن إيران رغم عدم وضوح تدخلها بشكل علني هناك، لكن ذلك خسارة تسجل لها في هذا العام.
الخاصرة الرخوة
في العراق، المعضلة الأكبر، فعلى الرغم من وجود ملايين الموالين لولاية الفقيه في العراق، إلا أن التوجه الرسمي العراقي يتجه نحو أوروبا وتركيا ودول الخليج وبالطبع الولايات المتحدة في المقدمة، فزيارات رئيس الحكومة العراقي مصطفى الكاظمي وجولته مؤخراً كانت إيران من بينها، لكن آخر زياراته إلى تركيا تقول إن هناك توجه نحو التحالفات التي تجلب المنفعة الإقتصادية للعراق، فمنذ سنوات لم نسمع عن رئيس دولة غربية قد زار العراق، لنجد إهتمام أوروبي كبير مؤخراً فيها، وهذا ما عكسته زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى بغداد.
تبقى الأحزاب الموالية لإيران، هي العقبة الوحيدة ولولاها لاستطاعت واشنطن إخراج كل نفوذ لطهران من الأراضي العراقية، لكن الصراع الأمريكي – الإيراني على الأرض العراقية يتجه نحو تنفيذ مخطط لطالما طال إنتظاره ما بعد الغزو الأمريكي للعراق العام 2003، وهو تقسيم العراق إلى ثلاثة أقاليم، (إقليم كردستان – إقليم السنة – إقليم الجنوب الشيعي) وهذا يتحقق في حالة واحدة فقط إن قرر الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب في اللحظة الأخيرة إشعال معركة وداع البيت الأبيض، وإن حدثت سيكون التقسيم واقعاً مفروضاً، وإن حدث سيقدم كل الدعم إلى أول إقليمين، على حساب إقليم الجنوب الذي سيترك ضعيفاً، وفي ظروف إيران الحالية لن تستطيع دعمه، لأن المناطق الحيوية التي يسيطر عليها الموالون لها ستسحب منهم، وبالتالي مهما كان الإقليم يضم موالون لن يخدم المصالح الإيرانية على الإطلاق.
وأخيراً، في الداخل الإيراني، أثبت إغتيال العالم الإيراني محسن فخري زاده أن البلاد مخترقة قد يكون من منظمة مجاهدي خلق والمنضوين تحت جناحها، وقد يكون لهذه المنظمة تفرعات أخرى وكثيرة، تتحين ساعة الإنقضاض، ما يعني أن الداخل الإيراني ليس مضبوطاً على ساعة ولي الفقيه، وأن هناك معارضة واسعة لآلية السياسة الإيرانية خاصة الخارجية منها والتي إنعكست سلباً على الداخل الإيراني، ما يعني أن عام 2020 هو عام خسارات متتالية لحقت بإيران، لعل النجاح الوحيد الذي سجّل لها هو إطلاق مسبارها إلى الفضاء وصناعاتها العسكرية.
من هنا، في عالمٍ متبدل ومتغير، قد تتغير وقائع كثيرة مع العام الجديد، قد تتحسن أحوال بلاد كانت سيئة، وقد تتراجع أخرى كانت جيدة، لكن الواقع يقول، إن الغرب وإن نظر إلى سياسة ترامب على أنها مبالغ فيها و “هيستيرية” إلى حدٍّ كبير، هذا الأمر وضع إيران بين فكي كماشة من يريد الإطباق عليها، وبين من يريد عزلها على المستوى الدولي، فالعام 2020 كان سيئاً على هذا البلد، وكل التصريحات الإيرانية مهما حملت من تهديد ووعيد، تبين أن هذا العام هو عام “الخطابات لا التنفيذ”.
فريق عمل “رياليست”.