قالت أربعة مصادر مطلعة أن الوكالة الوطنية لمكافحة الجريمة في بريطانيا (إن.سي.إيه) تنظر في تقرير رفعته إليها مجموعة محاماة مقرها لندن يتهم حاكم مصرف لبنان المركزي رياض سلامة وشركاء له بغسل الأموال وممارسات فساد، ويكشف التقرير، المؤلف من 76 صفحة أنها أصول وشركات وأدوات استثمارية في بريطانيا قيمتها مئات الملايين من الجنيهات الإسترلينية ويزعم أن سلامة وأفراداً من أسرته وأشخاصاً مرتبطين به استخدموها على مدى سنوات لتحويل أموال إلى خارج لبنان، طبقاً لوكالة “رويترز” للأنباء.
تأثيرات الجوار
على الرغم من أن لبنان لا يشهد حرباً على أراضيه منذ العام 2006، إلا أن ظروفه ساءت بشكل متسارع وكبير، لعل أبرزها انفجار مرفأ بيروت، الذي يُعتبر الشريان الحيوي للبنان، ومع تفجيره خرجت الأمور عن السيطرة، إذ لا حكومة تصريف أعمال قادرة على فعل شيء، ولا سياسيين يضعون الخلافات جانباً ويشكلون حكومة، في مشهد يوحي بأن لبنان دولة من ورق، تتحكم بها الأجندات الخارجية نظراً لكثرة الانقسامات خاصة الطائفية منها.
ومما لا شك فيه أن الحرب السورية ألقت بظلالها السلبية على لبنان، ومهما كان هناك عداء من قبل بعض الأفرقاء اللبنانيين تجاه سوريا، إلا أن سوريا هي شريان مُعين لها من كافة النواحي، لكن تبقى التأثيرات الاقتصادية هي الأقوى بالنسبة للبلدين، خاصة أزمة سعر الصرف في الدولتين، إلا أن سوريا ما يبرر لها أنها في حالة حرب وتخضع لعقوبات شديدة، في حين أن الدولة اللبنانية دولة مديونة ولا أمل لها من إنقاذ نفسها لا على المدى المنظور أو البعيد، حيث كثرت الإشاعات حول حاكم مصرف لبنان المركزي لأنه وبحسب التصريحات، هو الوحيد القادر على التحكم بالمضاربات وسعر الصرف، على سبيل المثال، يتم تخفيض سعر الصرف، مقابل الليرة اللبنانية، ما يدفع بالمواطنين إلى الشعور بالخوف وبيع ما بحوزتهم من القطع الأجنبي، وبعد أن تدخل تلك الأموال إلى أصحاب رؤوس السوق السوداء، يتم رفع السعر مباشرةً، وبالتالي، هذه العملية بحسب المعلومات تكررت في أكثر من مرة.
وفي السياق أن المصارف اللبنانية تحتفظ بأموال المودعين بالعملات الأجنبية، بحجة أن لا قطع أجنبي متوفر، وتقوم بمنح المودعين بالليرة اللبنانية وبسعر صرف بعيد جداً عن سعر صرف السوق السوداء، ما خلق أزمة كبيرة، إضافة إلى أن أموال المودعين السوريين والتي تقدّر بمليارات الدولارات، إلى الآن لم يحصلوا منها على شيء إلا بسعر الصرف المحدد من قبل حاكم المصرف المركزي، وبالتالي هذا الأمر أضر بسوريا كما لبنان، لكنه وبحسب المعلومات بناءً على ضغط خارجي غربي منعهم من ذلك.
ورقة محروقة
إن الفساد اليوم في لبنان أصبح مستشرياً ولدرجة كبيرة، وهذا التقرير البريطاني خير دليل على أن هناك منظومات متكاملة استثمرت بقوت الشعب اللبناني، ولم تكتفِ إلى الآن، لكن برزت مؤخراً معلومات تتحدث عن ملفات تدين عدد من الأشخاص في لبنان بقضايا فساد، وما إن تخرج تلك الملفات إلى العلن سيتم افتضاح كل المستور، خاصة وأن رياض سلامة إن كان متورطاً، تقف خلفه جهات دولية ستظهر كلها إلى واجهة الأحداث.
ما سيحدث اليوم، وإن كان هذا الأمر صحيحاً، أن القوى الدولية التي ساعدت في خنق لبنان اقتصادياً لتحصيل مكاسب سياسية، ستعمل على التخلص من كل الزمر المشاركة في هذا الأمر، قبل افتضاح أمرها بشكل علني، لنكون أمام مشهد لا يقل خطورة عن أي حرب وتدمير بلد كامل، من خلال التخلص من كل الأسماء المتورطة في هذه الملفات، وبنفس الوقت كي لا يستخدمها الخصوم ذريعة بأنهم السبب وراء هلاك لبنان، مثل حزب الله الذي عرض مؤخراً التعامل مع إيران وبالليرة اللبنانية في مسائل الكهرباء والمحروقات، وغيرها، وبالتالي، هذا الأمر مقدمة لحل آني، في ضوء تقديم عدد من الشركات الأوروبية إعادة إعمار مرفأ بيروت مثل ألمانيا وفرنسا، وتحديداً ميناء هامبورغ، عبر شركة رولاند برغر للاستشارات الألمانية، وهذا الأمر مرده إلى قطع الطريق على إيران بالدرجة الأولى وكذلك الصين وروسيا التي تحاول أخذ استثمارات التنقيب عن الغاز في السواحل اللبنانية، وهذا أمر لا يمكن أن تسمح به الولايات المتحدة الأمريكية نهائياً.
أخيراً، المشهد اللبناني معقد جداً، لكنه قابل للحل، ما إن تتشكل الحكومة، ولعل زيارة وفد من حزب الله إلى موسكو مؤخراً، يصب في الاتجاه الاقتصادي أكثر منه في السياسة، منها الحصول على بعض الضمانات المعينة في عددٍ من الملفات من بينها تشكيل الحكومة والتخفيف من حدة التعنت للحقائب المقترحة، وأما حاكم مصرف لبنان المركزي، إن لم يخضع للتحقيق الآن، في المستقبل القريب هذا مؤكد، لأن الشعب اللبناني بغالبيته يحمله مسؤولية الانهيار الاقتصادي الذي عاني منه لبنان اليوم، إلا أن الوضع مفتوح على كل الاحتمالات، ويتطلب حلولاً سريعة، وإلا البلاد مقبلة على سيناريوهات أخطر مما هي عليه بأضعاف المرات.
فريق عمل “رياليست”.