تثير قضية التطبيع مع دولة الكيان الصهيوني جدل واسع بين كل الأوساط السوانية، حيث بدأت تظهر مجموعة تؤيد فكرة تجسير العلاقات مع تل أبيب من منطلق براجماتي بحت يسعي وراء المصالح الوطنية، ومقابلها تقف كتلة شعبية ضخمة رافضة للتطبيع بصورة قاطعة نظراً لإعتبارات دينية وإجتماعية وأخلاقية وتاريخية، إذ تقف حجرة عثرة تمنع من أن تتقدم حكومة الثورة في نسج علاقات مع دولة الكيان الصهيوني.
وتفترض الكثير من الأبحاث والقراءت السياسية والتحليلية أن دولة الكيان الصهيوني تعتبر تجارب التحول الديمقراطي في المنطقة العربية تهديداً لنموذجها السياسي الذي ما فتأت أن تتغنى به أمام المجتمعات الغربية، حيث يدعي الساسة الإسرائيليون أن كيانهم يعد الواحة الديمقراطية الوحيدة في صحراء عربية قاحلة تجتاحها رمال الديكتاتورية والقمع والكبت السياسي.
وبالتالي يعزى الكثير من المحللين التحركات الصهوينة العسكرية والسياسية والإقتصادية في المنطقة العربية الى الرغبة الجامحة لدى الصهاينة لوأد كل تجربة ديمقراطية يمكن ان يكتب لها النجاح في جميع الربوع العالم العربي، لذا نلاحظ بأنها قامت باجتياح لبنان وذلك لغرض ضرب النموذج الديمقراطي الذي هيئته الظروف في أفق سماء بيروت خلال ثمانينيات القرن المنصرم، فضلاً عن دورها الهدام ودعمها للثورات المضادة في ما سمي بدول الربيع العربي، وعليه تسعى دولة الكيان الصهيوني الى تقويض رحلة التحول الديمقراطي التي بدأت مع خلع نظام الإنقاذ في العام الماضي بفعل ثورة شعبية.
إن مساعي دولة الكيان الصهيوني تتمثل في الاصطفاف مع المحور العربي الذي يحمل نفس المخاوف والتوجسات حيال تجربة التحول الديمقراطي السودانية، لذلك إشترطت وهي وحلفائها خطوة التطبيع كبادرة حسن نوايا، ومن خلالها تقدم مساعدات دبلوماسية تمنح السودان فرص الإندماج مع المجتمع الدولي وشطب إسمه من قائمة الولايات المتحدة الأمريكية للدول الراعية للارهاب.
ويرى الكثير من المتابعين أن تقديم دولة الكيان الصهيوني لهذا الشرط التعجزي لحكومة ولدت من رحم ثورة شعبية هو إحراجها بطبيعة الحال، وإستغلال الأزمات الإقتصادية والأمنية الموروثة من نظام الإنقاذ الساقط.
وبالمحصلة، كما أن دولة الكيان الصيهوني استغلت الأوضاع الأمنية والإقتصادية والسياسية في معظم الدول العربية التي حاولت الولوج الى حصن الديمقراطية، بنفس القدر تريد الآن التدخل في الوضع السوداني من خلال تقديم الإغراءت المالية وتقديم العون الدبلوماسي للقوى العسكرية المسيطرة على مقود السلطة كي تعسكر المشهد وتسقط الدولة السودانية في إمتحان التحول الديمقراطي الكامل.
إبراهيم ناصر، باحث في الشأن الافريقي- خاص “رياليست”