انتظرنا لأكثر من ثلاث ايام منذ الاعتداء الاثيوبي على بركة نورين بالفشقة الخميس الماضي في تجاوز جديد يضاف للتجاوزات الاثيوبية السابقه داخل الاراضي السودانية من قبل الجيش الاثيوبي ومليشياته، و لم تصرح قنوات الرئاسة الاثيوبية الرسمية اي تصريح بخلاف بيان الخارجية الذي جاء بلغة الأسف والاعتذار وهو استفزازي في المقام الأول والأخير، بحيث دلف للتحدث عن تطمين أسر الضحايا والدعوة للتحقيق المشترك متجاوزاً في ذلك انه دخل الي عمق المنطقة السودانية مخترقاً لقواعد السيادة الوطنية، وإذاء هذا الموقف فالطبيعي أن تغلق رئاسة الوزراء الاثيوبية على هذا الحدث، ويكون الشغل الشاغل لها دون اي أعمال اخرى لخصوصية المسألة السودانية الاثيوبية والعلاقات التاريخية الودية الراسخة، فاختزال الحدث وكأنه لم يحدث شيء هو استفزاز واضح، ولنؤكد ذلك ينبغى توضيح الآتي؛ فابي احمد لديه حسابين نشطين في كل من تويتر وفيس بوك؛ وفي الحسابين وهو ينشط هذه الأثناء في بث اخبار تتعلق بالداخل وبعض انجازاته مع المنظمات، ولم يتجرأ على ذكر الحادث او الإشارة إليه إطلاقاً حتى كتابة هذه السطور؛ ولو بذات الأسف الذى ابتدرت به وزارة خارجيته بيانها، ومن هذا المنطلق يجب تفسير هذا الصمت والاعتداء الاثيوبي من الزوايا الآتية :
الأولى:
هي محاولة من ابي أحمد لضمان اصطفاف داخلي في الجبهة الإثيوبية، واثيوبيا تمر بمرحلة انتقالية ومخاض عسير بعد مجيئه في ابريل من 2018م، وهو مقبل علي انتخابات فإذا تراجعت شعبيته في هذا التوقيت فهذا يعني أنه سيخسر هذه الانتخابات، خاصة بعد حوادث الانتقالبات الاخيرة، والتى تؤكد بصورة او بأخرى ان سياساته تضر ببعض المكونات القبلية كالتقراي مثلاً، وبالتالي تهميش رئيس الوزراء للحدث واستصغاره متعمد جداً، وقد استطاع من خلال هذا الصمت ايداع عدد من الرسائل والبرقيات المجهولة في بريد الداخل كالامهرا وهم جوار السودان قيد النزاع الحالي، وكذلك حكومة السودان.
الثانية:
يتعلق بتشتيت انتباه الدول الإقليمية، خاصة مع انشغال العالم بأزمة كورونا، وهذا يكسب إثيوبيا مزيداً من الوقت وقد تتراجع اثيوبيا غدا فيما اتفقت عليه قبل ايام مع السودان، عندما وافقت على استئناف المفاوضات، ويؤكد ذلك يوم أول أمس عندما صرح وزير الري الاثيوبي سيلشي بيكلي عند لقاءه مع وزير الخارجية بمجموعة من الاحزاب قائلا : “لن نقبل بما يسمى بحقوق مصر التاريخية في مياه النيل”! فماذا تعنى هذه اللغة وفي هذا التوقيت؟!!
الثالثة:
ربما حاولت اديس ابابا جس نبض الموقف الرسمي للخرطوم بهذا الصمت، حيث بدأ واضحاً ان شركاء المرحلة الانتقالية موقفهم الرسمي تشوبه الضبابية وعدم الانسجام؛ وربما توزيع ادوار، ففي الوقت الذي تبنت فيه الاجسام المعارضة لقحت وجهة نظر كيدية عن صمت التحالف الحاكم من اتخاذ خطوات جادة هنا يقصدون (خطوات عسكرية للرد) والتصعيد مع اثيوبيا، ذهبت بعض احزاب التحالف الحاكم مثل المؤتمر السوداني والشيوعي وحزب الامة باتجاه الرد عبر الوسائل الدبلوماسية واحتواء الموقف المتصاعد، بينما تبنى الموقف العسكري في البيان الصادر مفردات مثل : ” اعتداء سافر لمليشيا اثيوبية مدعومة من الجيش الاثيوبي” وهذه هي لغة ونظرة المكون العسكري لما حدث، ومعروف ان المكون العسكري الشريك في الحكم يتململ منذ وقت طويل من تحركات اثيوبيا، فهو اول من رفض المبادرة الإثيوبية لحتواء الخلاف بيوالحرية والتغيير على خلفية حادثة مجزرة القيادة العامة، قبل أن يتراجع ويوصى تعديلها وقبولها من مرة أخرى.
وبالتالي فإن هذا الموقف الاثيوبي الداعى كما جاء في البيان الي تحقيق مشترك ما هو إلا محاولة لإضاعة الوقت، فإذا اراد ابي أحمد احتواء التصعيد والموقف فعلاً لقام باتصال هاتفي على أقل تقدير منذ بداية الازمة، ثم تبعه ذلك إرسال مبعوثه الخاص للشؤون الافريقية والعربية محمود دريري واحتوى الموقف، أما لغة البيانات التى ستصدر تباعاً أعتقد أن اديس تسعى لتعقيد الموقف وتهيئ الاجواء والظروف باتجاه انزلاق الأوضاع علي الحدود ، وبالتالي المترقب خلال اليوم او غدا رد الخارجية السودانية عن بيان نظيرتها الإثيوبية وأعتقد قد لا يقبل هذا التعاطى.
استمتاع اثيوبيا بقياس أعلى درجة غليان تصل لها الحالة السودانية كفيل بنسف عملية ضبط النفس؛ وبالتالي هذا البرود الإثيوبي هو استفزاز متعمد للخرطوم لإظهار مزيداً من العمل ومنها الإلتفاف على تفاهمات سابقه بموضوع الحدود، إذ يمثل صمت الحكومة الإثيوبية إشارة ضوء اخضر واضحة لحالة خلط الأوراق التى حدثت لملف الحدود، ويدخل ابي أحمد الانتخابات وهو ضامناً للأمهرا في يده؛ مرجحاً الكفة باتجاه التقراي التى أعلنت عزمها في المضى قدماً لقيام الانتخابات في موعدها، وبالتأكيد لن يقبل السودان ان يكون ذلك على حساب السيادة الوطنية له.
خاص “رياليست” الروسية، ابوبكر عبدالرحمن/ باحث في العلاقات الدولية.