تعتمد سياسات التنمية في الدول النامية على العالم المتقدم، ولكن الديناميات الاجتماعية تختلف في تلك المتقدمة عن الدول النامية، ويواجه الممارسين في مجال التنمية عدم توافق وسط المشكلات التي تمت معالجتها والأدوات المتاحة، فهي غير ملائمة كذلك للأهداف الإنمائية للألفية في البلدان النامية فيما يتعلق بقضايا، على سبيل المثال، الشفافية. وتتطلب هذه المعضلة فهماً كاملاً لكيفية تصرف هذه المجتمعات بالفعل، ومعرفة الفرق بين البلدان النامية والبلدان المتقدمة. وتتطلب هذه القضية المهمة التي أبرزها البنك الدولي إجراء حوار أوسع مع الأكاديميين والمؤسسات السياسية من أجل إعادة هيكلة اقتصاديات وسياسات المجتمعات النامية من أجل تسوية العنف والاضطراب على مستوى العالم.
في حين أن التحالف بين الأفراد والنخب الأقوياء (مجموعات المصالح) مع السلطات في أي بلد ، تجنّب خسارتهم (الإيجارات والامتيازات) التي تم الحصول عليها من مجتمعهم، لأنهم إذا تعارضوا معًا، فسيخسرونها جميعًا، في حين أن العلاقة المباشرة بين الإيجارات و (استقرار النظام) تمكننا من دمج نظرية اقتصادية وسياسية جديدة، إضافة الى أن البشرية أنشأت (عمليا) اثنين من الرتب الاجتماعية العالمية: 1- أنظمة السماح المحدودة 2- أنظمة السماح المفتوحة.
الفرق بين أنظمة السماح المحدودة والمفتوحة:
من وجهة نظر تقارير البنك الدولي وباختصار، ترتبط أنظمة السماح المحدودة بالمجتمعات النامية التي يوجد فيها احتكار للنخب، حيث لا توجد منافسة عادلة، أو عرض فردي أو دولة فاعلة واحدة، في حين تستفيد النخب ومجموعات المصالح من النظام السياسي، لذلك يحافظون على دعمهم الاقتصادي (الإيجارات) لتحقيق ذلك، من أجل تحقيق هدفين: * تجنب العنف والصراع في المجتمع الذي قد يضر بالنظام والنخب تماما، * وكذلك الحفاظ على الاستقرار الاجتماعي في هذه المجتمعات.
ومع ذلك، فإن أنظمة السماح المفتوحة ترتبط بالدول المتقدمة في حين أن اللعب النظيف موجود، والمنافسة الكاملة المتاحة في جميع مجالات المجتمع (السياسية والاقتصادية والاجتماعية)، في حين أن الدول يمكنها التقدم، وكذلك التراجع والبعض الآخر يمكنه الركود لعقود.
تراجعت بوليفيا وفنزويلا وروسيا ما دامت أنظمتها تأمم وتسيطر، ومؤسسات خارج القانون، تراجعت رواندا والصومال ويوغوسلافيا بسبب العنف، تراجعت ألمانيا خلال الفترة النازية من نضج أنظمة الدخول المفتوح إلى نظام دخول محدود.
تحدث هنا ظروف حركة العبور والتحولات من أنظمة السماح المحدودة إلى أنظمة السماح المفتوحة عبر عملية الانتقال في مثل هذه المجتمعات، مما يستلزم ثلاثة عناصر:
1- سيادة القانون للنخب (حقوق الملكية، وإنفاذ العقود)
2- دعم منظمات النخب التي المستمرة.
3- السيطرة المركزية والموحدة على العنف فقط عن طريق (الشرطة العسكرية)، ووفقًا لدورهما المنصوص عليه في القوانين والدساتير الداخلية.
لماذا يعتمد سلوك المؤسسات على النظام الاجتماعي المرتبط بالعرف؟
هنا يتعامل ويقارن المؤلفون لتقارير البنك الدولي مسألة العادات والتقاليد لكل من أنظمة السماح المحدودة والمفتوحة، في حين أن النظامين يحافظان على نفسيهما بطريقة مختلفة تحاول أنظمة السماح المحدودة الحفاظ على خلق الإيجارات، والانتقائية وقمع المنافسة في جميع المجالات كما هو مذكور أعلاه – ومع ذلك ، تدعم أنظمة الدخول المفتوح المسابقات والمؤسسات القوية والمستقلة.
وفقًا للمؤسسات ، فهي ذات طبيعة مختلفة في كل من النظامين، حتى لو كانت مؤسسات أنظمة السماح المحدودة ترغب في إجراء إصلاحات، حيث أن الانتقال من التبادل الشخصي المباشر إلى التبادل غير الشخصي هو الفرق الرئيسي بين النظامين.
أمثلة: حوافز/فساد المسؤولين والقضاة في أنظمة السماح المحدودة بسبب التبادل الشخصي المباشر)، وكذلك مشكلة الإعانات والبطاقات الممغنطة الخاصة بالسلع التموينية “مصر والهند”، بالإضافة إلى الاحترام المتبادل المؤسسي بين المؤسسات بعضهم البعض لتيسير عمل النظام حتى تظل هذه الحوافز مستمرة، وفشل البنوك المركزية التابعة/الغير مستقلة في وقف مسألة التضخم والعكس بالعكس لبلدان أنظمة المفتوح.
لماذا القوى العاملة في أنظمة السماح المفتوحة قد لا تنتج التحولات في أنظمة السماح المحدودة؟
يركز مؤلفي تقارير البنك الدولي هنا أيضًا على أربعة أبعاد عالمية:
1 – توافر الإصلاحات المؤسسية في أنظمة السماح المفتوحة.
2- النظام السياسي العالمي (إعادة تشكيل القوى العالمية خاصة بعد الحروب والصراعات الكبرى)
3- التكنولوجيا (من حيث الإنتاج والمعلومات).
4 – الشركات متعددة الجنسيات.
لماذا غالباً ما تفشل مناهج التنمية وتعتبر طريقة بديلة؟
1- فشلت كل الآليات المقترحة لأنها كانت تعتمد بشكل أساسي على اقتصاد السوق، كما تتعارض هذه الإصلاحات مع مصالح نخبة المجتمع والأوليغارش والحكومات الفاسدة. بالطبع فشلت حيث تجاهلت الإصلاحات المقترحة إعادة توزيع مشكلة العنف المحتمل، لذلك قد تفضل المجتمعات الاستغلال الاقتصادي أكثر من الفوضى والعنف، علاوة على ذلك، إذا تم تبني الإصلاحات وتعارضت مع اهتمامات النخب، فقد تقوم النخبة بجعلها توافقية بشكل جيد مع العادات والتقاليد الخاصة بأنظمة الدخول المحدودة في بعض البلدان، لأنها قوية ومهنية في ذلك.
2- مشكلتان تواجهان الدول النامية:
أ- الحركة جنبًا إلى جنب مع طيف أنظمة السماح المحدودة (المراحل: الهشة والأساسية والناضجة) وكذلك تهيئة ظروف عتبة الدخول لانظمة السماح المفتوحة. هنا نتحدث عن السيطرة على العنف، ووضع إطار قانوني للمنظمات غير الحكومية، والحفاظ على استمرار المنظمات الخاصة (هنا نتحدث عن الانتقال من المرحلة الهشة إلى المرحلة الأساسية)، ولكن يفترض أن وضع أنظمة السماح المحدودة الناضجة يعد نفسه لمرحلة عتبة أنظمة السماح المفتوحة (الدول المتقدمة).
نحن هنا لا نتصدى للفقر في بلد المرحلة الناضجة لأنظمة السماح المحدودة، في هذا البلد يجب أن يكون لدى النخبة فرصة أكبر، لأنها ستساعد في الحد من الفقر، وهذا يجعل البلاد أكثر مرونة في مواجهة الأزمات.
ب- كيفية الانتقال من أنظمة السماح المحدودة إلى أنظمة السماح المفتوحة.
يركز المؤلفون هنا على إنشاء أنظمة قانونية مناسبة لحماية حقوق الملكية وإنفاذ العقود وتنظيم أنواع معينة من العوامل الخارجية مثل (Tort).
وكذلك إنشاء المحاكم وتعيين القضاة لضمان استقلالها الضروري لإقامة العدل بطريقة نزيهة.
ملاحظات هامة على تقارير البنك الدولي:–
- من أهم الملاحظات المأخوذة على هذه التقارير – أن أي تغيير أو تحول أو إصلاح في أي دولة من دول “أنظمة السماح المحدودة” يجب دائما ان يحدث من الداخل، ويكون في كافة النواحي السياسية والإقتصادية والإجتماعية، ما بين الشركاء في البلد الواحد من نظام حاكم ومؤسساته والصفوة وطبعا الشعب – أما فكرة العلاج بالصدمة للأسف فقد أتت بسلبيات كبيرة على البلدان التي جربتها سواء روسيا نفسها، وكذلك على بعض النواحي في مصر، لأن غالبا ما يضار منها الطبقات الفقيرة، وجزء كبير من الطبقة المتوسطة، التي دخولها بالكاد تكفي حاجاتها الأساسية – ولا ننس ان الشعوب وقفت بجانب أنظمتها تجنبا للفوضى وهذا ربما ما جاء في التقرير اعلاه.
- للأسف تتناسى هذه التقارير أن الولايات المتحدة والغرب بشكل عام، دعموا دولا كثيرة من أنظمة السماح المحدودة، التي تتهم بالتخلف والقمع، لا لشيء إلا لمصالح أمريكا والغرب مع هذه الدول، او لمصالح شركاتها العابرة للقارات، والتي قد تساعد فساد أو قمع النظام، حتى تبقي على أقصى ربحية لها، ولا ننس أن البنك الدولي ذاته أعطى شهادات جودة إئتمانية لبعض هذه الدول، من دول أنظمة السماح المحدودة – بالرغم من سوء الآداء الإقتصادي في هذه الدول وإستشراء الفقر فيها.
- لا بد من مراجعة البنك الدولي، إذا كان بالفعل فعال ويقوم بدور حقيقي، فيما يخص استبداد بعض الدول واستشراء سيناريو (إما النظام الحالي إما الفوضى) ومحاولة الوصول لحلول وسط ما بين الشعوب وأنظمتها وهذا أمر مستبعد جدا – لأن غالبية دول العالم كله بما فيه الغرب نفسه، يعاني من استبداد، والرأي العام العالمي يعاني من فوضى غياب الرأي الرشيد، وغياب القيم والأخلاقيات، والبعد عن تطبيق أسس القانون الدولي، والشرعية الدولية – فكأن “باب النجار نفسه مفكك.”
- من الملاحظات الخطيرة تنظير البنك الدولي للخروج من حالة أنظمة الدخول المحدودة ثم فشله في التوقع بالكساد العظيم الذي حدث في ٢٠٠٨ لسببين: الحروب الغير مبررة على الإرهاب في العالم بداية من الحرب على العراق وافغانستان ٢٠٠١ – ثم التلاعب باسعار الفائدة (الليبور) من خلال النظام المصرفي البريطاني والأمريكي، والذي خلق انهيارات في منظومة البنوك المرتبطة بالاحتياطي الفيدرالي في اوروبا واسيا وروسيا وكان افظع مثال على هذا الوضع المالي المذر هو أيسلندا – وهنا اناقض التقرير اعلاه ان من اهم اسس سيادة الدول، خضوع بنوكها المركزية للنظام الحاكم، وليس ضبط حالة التضخم كما أشار التقرير أعلاه كما هو في دول الغرب، وعلى رأسها امريكا، وهذا ما فعلته الصين، ومن وقتها أصبحت الصين أكبر قوة إقتصادية في العالم لعدم استقلالية بنكها المركزي وخضوعه للنظام وسياسته النقدية، وعدم ربطه بالإحتياطي الفيدرالي.
- كذلك فشل النظامين الأمريكي والبريطاني في مسائلة أي مجموعة بنكية بريطانية أو امريكية متورطة في موضوع التلاعب أو الإفلاس ولدينا حالات بعينها (ليمان برازرز – سيتي جروب – بنك باركليز) – فأين الشفافية إذا التي يتكلمون عنها في النظام المصرفي الغربي والذي طالبت به نظم السماح المفتوحة دول نظم السماح المحدودة.
أحمد مصطفى- خبير في الاقتصاد السياسي، خاص لوكالة أنباء “رياليست”