إن طرح فكرة نقل مقر الأمم المتحدة من الولايات المتحدة من قبل وزير الخارجية الروسي سيرجيه لافروف، لم يكن جديدا، إذ سبق وأن طرحه الرئيس جوزيف ستالين، الأمر الذي إعتبره لافروف بأن فيه “بُعد نظر”، يأتي ذلك، في ظل تمادي الإدارة الأمريكية وتحكمها بمنح التأشيرات أوالتضييق على الوفود إعلاميا، فضلا عن النقطة الأهم وهي إضفاء الشرعية على تنظيم إرهابي مثل هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقا”.
كسر الهيمنة
إن الفكرة التي طرحها لافروف حول نقل مقر الأمم المتحدة، يبدو أنها أصبحت مسألة ملحة، فمع تعاقب الإدارات الأمريكية، التي تتبع ذات السياسة، لجهة العداء للاتحاد الروسي، ودول كثيرة، من خلال منع بعض الشخصيات من حضور جلسات ذات طابع دولي مهم للدول الزائرة، مما يخلق نزاعات وإلتباسات في المواقف لغياب المعنيين في مفاصل الملفات المتعلقة بها، فضلا عن تقييد بعض الوفود من التصريحات الإعلامية كالوفد الإيراني، والسوري وغيرهما، إلا أن الموضوع الأهم هنا، أن الولايات المتحدة تعمل على تطبيق رغباتها ضمن منصة الأمم المتحدة، التي من المفروض أن تكون المكان الأمثل لفض النزاعات لا تأجيجها كالحالة السورية والليبية على سبيل المثال.
دعم الإرهاب
لقد عملت الولايات المتحدة وعلى تعاقب حكوماتها، على إدراج هيئات وشخصيات وأحزاب وحركات وما شابه ذلك على لوائح الإرهاب الدولي، كما حدث مع حركة طالبان التي كانت إرهابية حتى قررت واشنطن التفاوض معها لتعيدها للإعتدال طبقا لأهوائها ومصلحتها، الأمر الذي إنقلب عليها بعد توعد الحركة بالقتال بعد فشل المفاوضات، وتكرر الأمر مع حزب الله اللبناني وإعتباره تنظيما إرهابيا وإدراج شخصيات كثيرة منه على تلك اللائحة، وأما في سوريا، عمدت واشنطن إلى إضفاء الشرعية على فصيل هيئة تحرير الشام “النصرة سابقا” المصنف إرهابيا طبقا لجرائمه الإرهابية الكثيرة، ومنها إستهدافه لقاعدة حميميم الروسية في سوريا بعشرات الطائرات المسيرة المذخرة، وتبنيه لها علنا.
ولعل تصريحات الولايات المتحدة الأخيرة حول منع الدولة السورية من تحرير مناطق جديدة خاصة في الشمال السوري أي في مدينة إدلب، ينذر بأن هناك غطاءً أمريكيا لهذا التنظيم يراد منه إستثمار معين يتماشى وضرورة المرحلة الحساسة بعد إقتراب القوات السورية المدعومة من الإتحاد الروسي من تحرير الشمال، الأمر الذي يعني أن قوات التحالف الدولي بقيادة واشنطن، قد تدخل على خط العمليات العسكرية في إدلب بعد أن تُشرعن هذا التنظيم ومن معه.
مواجهة حتمية
من حق الإتحاد الروسي رفض طلب الولايات المتحدة، إعتبار الهيئة معارضة معتدلة، فلقد إختبرت القوات الروسية هذا الفصيل على أرض الواقع وتعاملت مع إرهابه على الأرض وفي الجو، فتركيزه على إستهداف القاعدة الجوية الروسية في سوريا، أمر غير مسبوق أن يحدث من قبل فصيل إرهابي لولا أنه يتلقى الدعم من دول إقليمية وتحديدا تركيا، فالأخيرة رفعت الغطاء عنه مؤخرا وأوقفت دعمه في ضوء التطورات الأخيرة وهي التوجه شرقا، ليتحول الدعم فيما يبدو إلى الولايات المتحدة، التي تحاول بدورها ضرب المصالح الروسية في سوريا من خلال هيئة تحرير الشام، الأمر الذي قد يحدث صداما سياسيا في المرحلة الأولى وقد يتحول إلى الأسوء، إن إستمرت واشنطن في سياستها تلك، فالرد الروسي سيكون من خلال الإسراع في إستكمال عملية تحرير الشمال السوري وقطع الطريق على الأمريكيين.
من هنا، إن الإستفزازات الأمريكية مستمرة، ودعمها للإرهاب أصبح واضحا من خلال مواقفها المتكررة، ولعل إنسحاب تركيا شكليا من الشمال السوري، يبدو أنه تم بتوافق أمريكي – تركي، لتستلم واشنطن دفة الدعم وتجنب أنقرة المسائلة من شريكيها الروسي والإيراني خاصة لجهة عدم تنفيذها لتعهداتها في المسألة السورية، ما يهيئ لها الأجواء للتوجه شرقا، رغم إدعاءاتها أن هناك خلافات مع شريكها الأمريكي حول المنطقة الآمنة، فلقد أصبحت الصورة واضحة من خلال تنقل الملفات من يد إلى أخرى.