القاهرة – (رياليست عربي): كل شيء قد تغير في إيران عقب ثورة 1979، ليس نظام الحكم ونهج الإدارة السياسية ونمط حياة المواطنين فحسب، بل الاسم الذي أطلقته الدولة الجديدة على نفسها، فمن الإمبراطورية البهلوية إلى “الجمهورية الإسلامية”. وخلال ما يزيد عن 4 عقود هي عمر الجمهورية الإسلامية أو “الدولة الثيوقراطية” الحاكمة في إيران، أُقصي من المشهد السياسي عدد كبير من مؤيدي النظام القديم، ومعارضي النظام الجديد سواء مَن شاركوا في الثورة أو تأسيس النظام المُتمخَّض عنها تدريجياً.
وكانت صياغة مصطلحات معينة تشير إلى الوجوه والتيارات السياسية المستبعدة من قبل النظام الجديد إحدى سمات هذه العملية الإقصائية، وتعتبر صياغة هذه المصطلحات وتداولها في الأروقة السياسية وعبر الوسائل الإعلامية جزءًا لا يتجزأ من الخطاب الرسمي للنظام الإيراني عقب الثورة، حيث عمَّد هذا الخطاب إلى حذف أسماء الوجوه السياسية المنبوذة وألقابها والمصطلحات الدالة عليها، وإحلال مصطلحات جديدة ذات دلالات وأهداف معينة تشير إلى هذه الوجوه أو بالأحرى تدينها وتنال منها. وقد عُرف هذا التوجه في إيران باسم “الخطاب الإقصائي”، وهو توجه لا يزال النظام الإيراني يتبعه حتى الآن مع كل شخص أو طرف يختلف معه داخليًا أو خارجياً.


- الطاغوت
“الطاغوت” كانت من أوائل الصفات التي نُعت بها عقب الثورة مباشرة، أتباع النظام الملكي وأنصاره والمدافعين عنه؛ وفي مقدمتهم الشاه “محمد رضا بهلوي” وعائلته وحاشيته وحكومته. كما أُطلقت هذه الكلمة على طبقة الأثرياء الذين يعيشون حياةً مرفهةً تختلف عن حياة سائر طبقات الشعب الإيراني المتوسطة والفقيرة، ومن هذا المنطلق أصبحت كلمة طاغوت يوصف بها الأثرياء المؤيدون للثورة والمدافعون عنها أيضًا.


- المتفرنج والمتفرنجة “سوسول وقرتى”
تُطلق كلمتا “المتفرنج والمتفرنجة (سوسول وقِرتى)” على الشباب الإيراني الذي يميل إلى نمط الحياة الغربية شكلًا ومضمونًا، ونظرًا لأن اللغة الفارسية لا تعرف المذكر والمؤنث، تُستخدم الكلمة الأولى للإشارة إلى الفتيان، والكلمة الثانية للإشارة إلى الفتيات. وقد أُطلقت الكلمتان على الشباب المتفرنج بشكل عام سواء كانوا من الناشطين السياسيين أو لا، كما أُطلقتا على أبناء الطواغيت أو بالأحرى أبناء العائلات الثرية في إيران.
- الحجاب غير المثالي “بدحجابى”
يختلف تعريف الحجاب “غير المثالي” أو “السَيِّئ” وعواقبه باختلاف عقود الجمهورية الإسلامية في إيران، وكذلك باختلاف الأوساط الرسمية والعامة والاجتماعية في هذه الدولة. فعلى سبيل المثال كان يعتبر لفترة من الوقت ارتداء أي لباس غير العباءة الإيرانية “التشادُر (چادُر)” أو المانتو النسائي (القميص الطويل) أو النقاب شكلًا من أشكال الحجاب غير المثالي. ولكن مع انحسار ارتداء العباءة التقليدية على طبقات محددة في المجتمع الإيراني، وانتشار الحجاب المُدرن المتداول في أغلب البُلدان الإسلامية، لم يعد مصطلح الحجاب غير مثالي متداولًا بكثرة في إيران، لكن ظلت النساء غير الملتزمات بارتداء العباءة التقليدية أو الحجاب التقليدي محظور عليهن تقلد المناصب الرسمية في الدولة، كما ظلت قضية الحجاب غير المثالي تثار من حينًا لآخر، ولعل اعتقال الفتاة الكُردية “مَهسا أميني” بتهمة ارتداء الحجاب بشكل غير مثالي ومقتلها على يد “شرطة الأخلاق” أو كما تُعرف في إيران باسم “دورية التوجيه (گشت اِرشاد)” في سبتمبر 2022 مثال حي على هذه القضية.

ویُذكر أن إيران تشهد منذ مصرع مهسا أميني احتجاجات عارمة تندد بالحجاب الإجباري والممارسات القمعية للنظام الإيراني بشكل عام، مما دفع الحكومة إلى حل شرطة الأخلاق في محاولة منها لاحتواء هذه الاحتجاجات، حيث أعلن النائب العام “محمد جعفر منتظري” في 4 ديسمبر 2022 بشكل غير مباشر أن شرطة الأخلاق قد حُلت.
- ليبرالي
أُطلق لفظ “ليبرالي” في السنوات الأولى للثورة الإيرانية على مؤيدي رئيس الوزراء المؤقت “مهدي بازَرجان (بازرگان)”، وأول رئيس جمهورية “أبي الحسن بني صدر” باعتبارهما كانا يمثلان التيار الليبرالي آنذاك، حيث هدف قائد الثورة الخُميني من الاستعانة بهما ضم الليبراليين تحت لوائه، لكن بسبب اصطدام بازرجان وبني صدر بسلطة رجال الدين المتنامية في البلاد ومحاولتهما الحد منها، أطاح بهما الخُميني وأعوانه. ومنذ ذلك الوقت لُقب الأشخاص المؤمنون بآرائهما بـ “الليبراليين”، حيث ظل هذا الأمر متبعًا طوال عهد الخُميني. وهنا نرى كيف حوّل النظام الإيراني من عقيدة سياسية لها أهداف سامية كالليبرالية إلى سُبَّة يلقى بها في وجه كل من يعارضه، فالليبرالية تدعو إلى حرية الدين والرأي، والحفاظ على الحقوق المدنية، والمساواة بين الجنسين أمام القانون، آمن بها وناضل من أجل إقرارها قطاع كبير من الساسة الإيرانيين إبان حكم الشاه وبعده، ولم تكن يومًا وصمة عار لمن يُلقب بها.


- قومي
على الرغم من أن لفظ “قومي” من الناحية اللغوية لا يحمل في ثناياه أية مناحي سلبية، إلا أنه يُستخدم في إيران شأنه شأن لفظ ليبرالي كسُبَّة سياسية. والقومية عقيدة سياسية واقتصادية واجتماعية ذات مغازي محمودة، تدعو إلى تعزيز مصالح الأمة، والحفاظ على سيادة الدولة ضد التدخلات الخارجية، وامتلاك الأمة لجميع وسائل الإنتاج، وحماية الهوية الوطنية القائمة على خصائص مشتركة مثل التاريخ والحضارة واللغة والثقافة والدين، وغيرها. وقد لحقت كلمة قومي بأسماء عدد كبير من الساسة الإيرانيين المعارضين للشاه قبل الثورة، كان أبرزهم وأوسع صيتًا رئيس الوزراء الإيراني “د/ محمد مصدق” مؤسس “الجبهة الوطنية (جبهه مِلى ايران)” عام 1949، وصاحب قرار تأميم النفط الإيراني عام 1951، وهو القرار الذي أحدث ضجةً كُبرى على الصعيدين المحلى والدولي، وجعل اسم مصدق متداولًا في المحافل ووسائل الإعلام العالمية. وبعد تأسيس الجمهورية الإسلامية، اُستخدم لفظ قومي للإشارة إلى أعضاء “الجبهة الوطنية”، وكذلك أصحاب التوجهات القومية، ولكن لما سعت الحكومة الإيرانية خلال السنوات الأخيرة إلى تعزيز الحس الوطني لدي الشعب تجاه دعم العمليات العسكرية للحرس الثوري خارج البلاد بحُجة حماية الأمن القومي الإيراني لم يعد يُستخدم لفظ “قومي” بنحو سلبي، بل أصبح يُستخدم بمعناه الإيجابي أو بالأحرى معناه الحقيقي.

- غربي
كلمة “غربي” اُستخدمت خلال العقود الأربعة الماضية لانتقاد مَن يؤمنون بقيم الثقافة الغربية، أو مَن يدافعون عن تحسين علاقة إيران مع القوى الغربية. وقد شمل الاتهام بـ “التغريب” مجموعة متنوعة من الأفراد، كان من بينهم المفكرون والمستنيرون الذين انتقدوا الجمهورية الإسلامية. كما اُستخدمت كلمة “مفكر” نفسها مرارًا وتكرارًا كتهمة وليست كصفة أو لقب لشخص. وكان المسؤولون الإيرانيون المتساهلون مع أمريكا وأوروبا يُتهمون بالتغريب أيضًا، ويُطلق عليهم أحيانًا “المتصالحون”. ومن بين المرادفات المعادلة لكلمة “غربي” في الخطاب الرسمي الإيراني كلمة “تابع”، وهي في أفضل الأحوال سُبَّةٌ سياسيةٌ، وفي أسواها تهمةٌ أمنيةٌ.

- يساري
انتشر استخدام مصطلح “يساري” في العقد الأول من الثورة الإيرانية لاستبعاد الأفراد المنتمين إلى التنظيمات والجماعات الشيوعية، وتحديدًا في الفترة التي لم تكن الجمهورية الإسلامية قد انتهت من عملية تحجيم التيار الماركسي في البلاد. وكانت هذه العملية قد بدأت بالاصطدام مع الجماعات اليسارية، واستمرت في مراحل لاحقة مع تنحية “حزب توده (الجماهير)” من المشهد السياسي في إيران. وقد تابعت الحكومة الإيرانية خلال العقود التالية سياسة الحد من نشاط الناشطين والمعارضين اليساريين في الأوساط الطلابية والصحفية والفكرية. وفي العقد الثاني من الثورة اُستخدم مصطلح “يساري” للإشارة إلى الجناح اليساري للحكومة الإيرانية، وهو الجناح الذي فقد مكانته السياسية بعد العقد الأول من الثورة تدريجياً.
وحزب توده الإيراني قد تأسس عام 1941 على يد عدد من المعتقلين اليساريين والقوميين يبلغ عددهم 53 شخصًا كانوا قد أُفرج عنهم ضمن مجموعة كبيرة من المعتقلين السياسيين، وتولى منصب سكرتير عام الحزب “إيرج إسكَندَري”. وكان الإفراج عن هؤلاء المعتقلين إحدى خطوات الشاه محمد رضا بهلوي لاحتواء حالة الاحتقان السياسي التي كانت تمر بها البلاد عقب تنحي والده رضا بهلوي عن العرش بضغط أنجلو – سوفيتي، واجتياح الأراضي الإيرانية من قبل قوات الحلفاء إبان الحرب العالمية الثانية (1939: 1945) واستخدامها معبرًا لنقل الأسلحة والمعدات العسكرية لمواجهة قوات المحور. لكن سرعان ما ضُيَّق الخناق على أعضاء حزب توده بسبب معارضتهم لسياسات الشاه محمد بهلوي.

وكان حزب توده أحد الفصائل التي شاركت في الثورة الإيرانية عام 1979، إلا أنه اُتهم فيما بعد بالتآمر على قلب نظام الحُكم والتجسس لصالح الحكومة السوفيتية، فوفقًا لوثائق سرية كشف عنها “الأرشيف الوطني البريطاني” The National Archives (United Kingdom) في أبريل 2020، يتضح أن المخابرات البريطانية والأمريكية قد تعاونت مع الحكومة الإيرانية للإطاحة بحزب توده، حيث تشير هذه الوثائق إلى أن ضابط المخابرات السوفيتية “فلاديمير كوزيتشكين” Vladimir Kuzichkin الذي دخل إيران عام 1977 باعتباره قائمًا بأعمال القنصلية السوفيتية في طهران، قد فر في مايو 1982 عن طريق حدود إيران الشمالية إلى تركيا، ثم توجه إلى بريطانيا، وسلم المخابرات البريطانية والأمريكية ما لديه من وثائق سرية، كانت من بينها قائمة بأسماء أعضاء حزب توده المتعاونين مع المخابرات السوفيتية وأنشطتهما المشتركة في إيران، فسلمت الولايات المتحدة إلى السلطات الإيرانية تلك الوثائق عن طريق وسيط باكستاني كنوع من إبراز حسن النية تجاه النظام الجديد في إيران بزعامة الخُميني.
وبناء على ذلك بدأت الحكومة الإيرانية في يناير وأبريل 1983 حملة اعتقالات واسعة لما يقرب من ألف شخص من قادة حزب توده وكوادره وأعضائه، كان على رأسهم سكرتير عام الحزب آنذاك “نور الدين كيانوري”، واستمرت هذه الحملة عدة أشهر. وفي شتاء عام 1983 حوكم أكثر من 100 شخص من أعضاء الحزب بأحكام متباينة ما بين الحبس عدة سنوات والحبس المؤبد والإعدام، كما حُل الحزب وحُظر نشاطه داخل إيران.
وعلى الرغم من نشر هذه الوثائق، ينكر “كوزيتشكين” في مذكراته الشخصية دوره في الإطاحة بحزب توده، حيث يقول: “إن السلطات الإيرانية ضربت ضربتها أخيرًا، واعتقلت كل أعضاء اللجنة المركزية لحزب توده، إلا أن الصحف الغربية آنذاك حَمَّلتني مسؤولية هذا الأمر، لكنني متيقن من أن حزب توده كان سيلقي المصير نفسه سواء لجأتُ إلى الغرب أم لا”.
- المنافقون
إن صفة “المنافقين” تشير دائمًا إلى “منظمة مجاهدي الشعب الإيرانية (سازمان مجاهدين خلق ايران)”، وكانت هذه الصفة متداولةً على نطاق واسع في خطاب الحكومة الإيرانية خلال العقد الأول من الثورة نظرًا إلى نشاط المنظمة المسلح داخل البلاد، وظلت ملاصقةً لها على الرغم من طرد أعضاء المنظمة بأكملهم من إيران.
ومنظمة مجاهدين خلق هي جماعة سياسية مسلحة ذات أيديولوجيات يسارية إسلامية، تتولى زعامتها حاليًا “مريم رجوي” بعد اختفاء زوجها زعيم المنظمة “مسعود رجوي” في العراق عام 2003 بالتزامن مع الغزو الأمريكي، كما تتولى “زهراء مِرّيخي” منصب الأمين العام للمنظمة. ويتبع المنظمة “المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية (شورای مِلی مقاومت ایران)”، وهو ائتلاف سياسي يتكون من عدة تنظيمات وجماعات وشخصيات إيرانية، وضع لبنته الأولى أول رئيس إيراني بعد الثورة أبو الحسن بني صدر ومسعود رجوي في 21 يوليو عام 1981، ثم انفصل عنه بني صدر فيما بعد، وتتولى رئاسته حاليًا مريم رجوي أيضًا. كان مقر المجلس يقع في طهران، ثم انتقل إلى باريس، ويعتبر أعضاؤه أن المجلس بديل انتقالي للنظام الإيراني الحالي في حال سقوطه.

شُكلت النواة الأولى لمنظمة مجاهدين خلق في 6 سبتمبر 1965 بزعامة كل من: محمد حنيف نِجَاد (نِژاد)، وسعيد محسن، وعبد الرضا نيك بين، لكن بعد الثورة الإيرانية، حُذف اسم نيك بين من قائمة المؤسسين الرئيسين، وحل محله “علي أصغر بديع زاد جان (گان) الذي ألتحق بالمنظمة عام 1966.
منذ نشأة المنظمة، أعلن أعضاؤها أنها تحمل أيديولوجية إسلامية على الرغم من توجهاتهم الشيوعية، واختاروا الآية 95 من سورة النساء شعارًا لهم ﴿فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا﴾ كي يضفوا صبغةً إسلاميةً على المنظمة، لكنهم تبنوا رؤيةً خالفها عدد من رجال الدين الإيرانيين، حيث قالوا: “إن الإسلام شهد انحرافًا شديدًا منذ بدايته مما أدى إلى نشوء فرق متعددة”. على أية حال عارضت المنظمة النظام البهلوي شأنه شأن أغلب التيارات السياسية آنذاك، وبدأت في شن هجمات مسلحة على النظام والرعايا الأجانب، فقامت منظمة المخابرات والأمن القومي الإيرانية المعروفة اختصارًا باسم “السافاك (الساواك)” عام 1972 بإلقاء القبض على أغلب قيادات المنظمة وأعضائها، وكان من بينهم القياديان “مسعود رجوي” و”موسى خياباني”، وقضت المحكمة العسكرية آنذاك بحبس بعضهم وإعدام البعض الآخر بتهمة التآمر ضد الأمن القومي والتخطيط للقيام بعمليات إرهابية شملت اغتيال مواطنين إيرانيين ورعايا أمريكيين.
ما لبثت منظمة مجاهدين خلق أن شهدت انشقاقات فكرية، ففي عام 1975 قام بعض أعضاء المنظمة بزعامة “محمد تقي شِهرام” و”بَهرام آرام” بتصفية الوجوه الدينية داخل المنظمة أمثال: مجيد شريف واقفي، ومرتضی لبافي نِجَاد (نژاد)، ومرتضی صمدیة لباف”، وأعلنوا تغيير أيديولوجية المنظمة من إسلامية إلى ماركسية. ومن بعدها انقسمت المنظمة إلى فصيلين؛ “فصيل ماركسي” بزعامة شهرام وآرام، و”فصيل إسلامي” بزعامة رجوي وخياباني، لكن الفصيل الماركسي سرعان ما وُضعت له نقطة النهاية مع تفجير آرام نفسه بقنبلة يدوية أثناء فراره من مسؤولي السافاك عام 1976، وإلقاء القبض على شهرام وإعدامه عام 1980.

وعقب الثورة الإيرانية أعلن الفصيل الإسلامي بزعامة رجوي وخياباني نشاط مجاهدين خلق باسم “الحركة الوطنية للمجاهدين (جُنبِش ملی مجاهدین)”، لكن بسبب اعتراض المنظمة على سياسات الخُميني كاقتحام السفارة الأمريكية في طهران عام 1979، والحرب الإيرانية العراقية (1980: 1988)، بدأ الفصل الأول من الصراع الدموي بين الطرفين، فأطلق الخُميني على المنظمة اسم “منافقين خلق (منافقي الشعب)”، وشرعت المنظمة في شن حملات مسلحة على النظام الإيراني. ففي يونيو 1981 فجر أعضاء المنظمة مقر “حزب الجمهورية الإسلامية” متسببين في مقتل أكثر من 82 شخصًا كان من بينهم رئيس المحكمة العُليا “محمد حسين بِهِشتي”، وفي أغسطس فجروا مقر رئاسة الجمهورية، فلقي رئيس الجمهورية المنتخب توًا “محمد على رجائي”، ورئيس وزرائه “محمد جواد باهنر” حتفهما. وبعد ذلك قامت المنظمة بسلسلة اغتيالات شملت رجال دين وسياسة رفيعي المستوى في الدولة، فضيَّق النظام الإيراني الخناق على أعضاء المنظمة، فاضطروا إلى الرحيل خارج البلاد.
انتقل أعضاء منظمة مجاهدين خلق إلى العراق، وكانت الحرب الإيرانية العراقية لا تزال جارية، فشكلوا جناحًا عسكريًا عُرف باسم “جيش التحرير الوطني الإيراني (آرتش آزادى بخش ملى ايران)”، وحاربوا إلى جانب القوات العراقية ضد القوات الإيرانية. وبعد قبول إيران والعراق قرار مجلس الأمن الدولي رقم (598) في 18 يوليو 1988 القاضي بوقف الحرب، استغل مجاهدو خلق انسحاب الجيش الإيراني إلى عمق البلاد، وشنوا هجومًا بقيادة “مسعود رجوي” ضد القوات الإيرانية بقيادة اللواء “عليّ صياد الشيرازي” في مناطق مِهران وقصر شيرين، وحاولوا السيطرة على مناطق كان الجيش العراقي قد احتلها سابقًا، لكن هذا الهجوم لم يؤت ثماره، ومُنّي المجاهدون بهزيمة ساحقة، حيث قُتل منهم أكثر من 1800 فرد، وأُسر المئات، وكانت هذه الهزيمة نهاية الجناح العسكري للمنظمة. ويطلق النظام الإيراني على هذه العملية اسم “المرصاد”، بينما يطلق عليها مجاهدو خلق اسم “الضياء الخالد (فروغ جاويدان)”.

عقب هذه الواقعة أصدر الخُميني مرسومًا يقضي بإعدام كل المعتقلين السياسيين المنتمين لمجاهدين خلق في السجون الإيرانية فيما يُعرف بإعدام السجناء السياسيين عام 1988 أو “مذبحة 88″، وهي حملة إعدام جماعية استمرت لمدة 5 أشهر بدءًا من يوليو إلى أكتوبر، حيث يصل عدد المعدومين وفقًا للمقرر الخاص لحقوق الإنسان بمنظمة الأمم المتحدة إلى 1879 شخصًا، بينما يصل عددهم إلى ما يقرب من 4500 شخص وفقًا لبعض التقديرات. وكان من بين السجناء المعدومين أعضاء من تنظيمات يسارية أخرى مثل “حزب توده”، و”منظمة فدائيّ الشعب الإيرانية (سازمان فدائيان خلق ايران)”.
ظل أعضاء منظمة مجاهدين خلق منذ طردهم من إيران في أوائل الثمانينيات يعيشون في المنفى، وكان مقرهم الرئيس يقع في مدينة “خالص” بمحافظة ديالي العراقية، ويُعرف باسم “معسكر أشرف (اردوگاه اشرف)” نسبةً إلى “أشرف ربيعي” زوجة مسعود رجوي الأولى التي قُتلت على يد الحرس الثوري عام 1982. وعقب الغزو الأمريكي للعراق، انتقل المقر إلى “معسكر الحرية” Liberty Camp بالقرب من مطار بغداد الدولي، وكان حاميةً عسكريةً تابعةً للجيش الأمريكي، ثم انتقل المقر عام 2016 إلى العاصمة الألبانية تيرانا بناءً على طلب من الولايات المتحدة بعد أن حصلت الحكومة الألبانية على 25 مليون دولار من الحكومة الأمريكية، ويُعرف المقر حاليًا باسم “معسكر أشرف 3” على اعتبار أنه نُقل 3 مرات.
يصنف النظام الإيراني حاليًا منظمة مجاهدين خلق جماعةً إرهابيةً، وطبقًا لتقرير معهد الأبحاث الأمريكي “بروكينجز” Brookings Institution عام 2009، أن منظمة مجاهدين خلق منظمة ديكتاتورية ليس لها أية شعبية في إيران.

- التقاطي “انتقائي”
مصطلح “التقاطي” أو “انتقائي” كان شائع التداول في العقد الأول من الثورة الإيرانية، ويُطلق غالبًا على القوى المتهمة بالمزج بين الأيديولوجيات الإسلامية والماركسية، حيث يُشار إلى أعضاء الجماعات والأحزاب اليسارية الإسلامية سواء كانت مسلحة أو غير مسلحة، وسواء كانت مؤيدة للحكومة الإيرانية أو معارضة لها بـ “الانتقائيين”. ومنذ حِقبة التسعينيات فصاعدًا، استخدمت وسائل الإعلام الحكومية هذا المصطلح للإشارة إلى التيار “القومي الإسلامي”، وذلك على الرغم من أن بعض وسائل الإعلام الحكومية وصفت في الوقت نفسه أعضاء التيار القومي الإسلامي بـ “الليبراليين” بسبب ارتباطهم بشخصيات ذات توجهات ليبرالية مثل “مهدي بازرجان” كما أسلفتُ القول.
والانتقائية هي مذهب فكري لا يلتزم أصحابه بأُطُر محددة، بل يستمدون آراءهم ومعتقداتهم من نظريات ومدارس سياسية متنوعة ومتباينة لتكوين رؤية شاملة ومتكاملة حول قضية ما.
- إصلاحي متطرف
يطلق أنصار الزعيم الإيراني “عليّ خامنئي” مصطلح “إصلاحي متطرف” على أعضاء التيار الإصلاحي المتهمين بمعارضة خامنئي. وقد اُستخدم هذا المصطلح خلال العقدين الماضيين للتفريق بين الإصلاحيين المتناغمين مع النظام والإصلاحيين المتنافرين مع النظام.
والتيار الإصلاحي هو أحد تيارين رئيسين على الساحة السياسية الإيرانية، ويتسم بالفكر المنفتح، والسياسات المعتدلة داخليًا والمتوازنة خارجيًا، ورحابة الصدر تجاه المعارضين – نظريًا – حيث يقدم مُنظِّروه رؤىً تمزج بين العقيدة الإسلامية وقيم الحرية والديمقراطية والحداثة فيما يُعرف حديثًا في العلوم السياسية باسم “ما بعد الإسلاموية”، وهو المصطلح الذي صاغه أستاذ علم الاجتماع السياسي الإيراني “آصف بيات” عام 1996.
ويضم التيار الإصلاحي مدرستين فكريتين؛ الأولى “حلقة كيان” صاحبة التوجه اليساري الإسلامي، والثانية “حلقة نيافاران (نياوَران)” صاحبة التوجه التكنوقراطي، لكن أعضاء نيافاران “الإصلاحيين اليمينيين” سعوا على مدار سنوات إلى تهميش أعضاء كيان “الإصلاحيين اليساريين”. خرج من رحم كيان الرئيس الأسبق “محمد خاتمي” الذي يعد أفضل رؤساء إيران بعد الثورة، والسياسي الأوسع شعبيةً داخل البلاد، والوجه الإيراني الأكثر قبولًا على الصعيدين الإقليمي والدولي. كما يعد خاتمي علمًا على حركة الإصلاح في إيران، حيث تُعرف حكومته باسم “حكومة الإصلاحات”، وفترتا رئاسته بـ “عصر الإصلاح”.

ومن أبرز اسهامات خاتمي في مجال تحسين علاقة إيران بالعالم بعد الثورة، نظرية “حوار الحضارات” التي طرحها خلال كلمته في اجتماعات الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة بنيويورك عام 1998، وأيضًا في كتابه “حوار الحضارات (گفتگوی تمدنها)” عام 2001، حيث يرى “أن حوار الحضارات بداية الطريق إلى ازدهار الطبيعة البشرية، فالإنسان بطبيعته يسمو إلى العدل والجمال”، وذلك في رده على نظرية المفكر والسياسي الأمريكي “صامويل هنتنجتون” Samuel Huntington التي طرحها في كتابه “صدام الحضارات وإعادة تشكيل النظام العالمي” The Clash of Civilizations and the Remaking of World Order عام 1996، وذكر فيه “أن صراعات ما بعد الحرب الباردة بين الدول القومية لن تكون حول اختلافاتها السياسية والاقتصادية، بل ستكون حول اختلافاتها الثقافية والدينية”.
وبناءً على نظرية خاتمي، أُقيم العديد من المؤتمرات والجمعيات والمؤسسات الداعية إلى ترسيخ سياسة الحوار والتفاهم والتعايش السلمي بدلًا من التصادم، كما تبني العديد من الكُتاب حول العالم هذه النظرية، ودعوا إلى تنمية الحوار بين العالم الإسلامي والغرب حتى يتسنى لكل طرف فهم الآخر والتعايش معه في سلام. وفي هذا الإطار أعلنت الأمم المتحدة أن عام 2001 هو عام حوار الحضارات، وعينت ممثلًا لها في هذا الشأن.

أما نيافاران، فقد خرج من رحمها الرئيس السابق “حسن روحاني” الذي تُعرف حكومته باسم “حكومة التدبير والأمل”، وأُبرم في عهده الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة 5+1 (أمريكا، وبريطانيا، وفرنسا، وروسيا، والصين، وألمانيا) بالإضافة إلى الاتحاد الأوروبي عام 2015، والمعروف باسم (خطة العمل الشاملة المشتركة الخاصة بتنفيذ الاتفاق النووي)، أو كما يُطلق عليه بالفارسية اختصارًا (بَرجام)، وذلك بعد مفاوضات مطولة بين الجانبين.
وبالتوازي مع التيار الإصلاحي، يوجد تيار آخر يهيمن على الساحة السياسية في إيران، ألا وهو التيار الأصولي أو “المحافظ”، ويتسم بالفكر المنغلق والسياسات المتشددة على الأصعدة كافة، ومعاداة كل من يختلف معه، ويُعرف هذا التيار بأنه يؤيد توجهات الزعيم الإيراني عليّ خامنئي، ويدعم الأسس الأيديولوجية للثورة الإيرانية خلال عقدها الأول. ويسيطر الأصوليون حاليًا على أركان الحكم في إيران، بدءًا من السلطة التنفيذية الممثلة في رئيس الجمهورية “إبراهيم رئيسي”، مرورًا بالسلطة التشريعية الممثلة في رئيس البرلمان (مجلس شوارى اسلامى) “محمد باقر قليباف”، نهايةً بالسلطة القضائية الممثلة في رئيسها “غلام حسين محسني إجئي (اِژهای)”.

وعلى الرغم من الإصلاحيين يتزعمون توجهًا سياسيًا أكثر انفتاحًا مقارنة بالأصوليين، إلا أنهم فقدوا جزءًا كبيرًا من شعبيتهم في الشارع الإيراني بسبب الإخفاقات التي سقطت فيها حكومة الرئيس حسن روحاني، وأدت إلى اندلاع مظاهرات متعاقبة خلال ولايته الثانية، كان أبرزها: احتجاجات ديسمبر 2017 (دى 1396) ضد الغلاء والفساد المستشري في الحكومة وارتفاع معدلات البطالة، واحتجاجات نوفمبر 2019 (آبان 1398) المنددة بزيادة أسعار البنزين ثلاثة أضعاف قيمته الأصلية، واحتجاجات يناير 2020 المنددة بمصرع ركاب الطائرة الأوكرانية “بوينج 737” البالغ عددهم 176 شخصًا في 8 يناير، وذلك عقب استهدافهم بصاروخ أُطلق من منظومة الدفاع الجوي التابعة للحرس الثوري خطئًا. وكان هذا الحادث قد وقع أثناء هجمات إيران الانتقامية على قواعد القوات الأمريكية في العراق، بعد 5 أيام من مقتل اللواء “قاسم سُليماني” قائد “فيلق القدس” بالحرس الثوري في غارة جوية أمريكية بطائرة بدون طيار على مطار بغداد الدولي. كل هذا إلى جانب انهيار الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة بعد خروج الأخيرة منه في عام 2018، وسقوط إيران لقمة سائغة بين فكي جائحة كورونا مع انتشار فيروس كوفيد-19، وتحول البلاد بأكملها إلى بؤرة ناقلة للوباء حول العالم بعد الصين بلد المنشأ.
- تيار الفتنة
اُستخدم مصطلحا “تيار الفتنة” و”مثيري الفتنة” في العقد الأخير على نطاق واسع لاستبعاد النشطاء السياسيين في إيران، حيث يصف أنصار الزعيم الإيراني عليّ خامنئي مؤيدي الاحتجاجات الشعبية ضد نتائج الانتخابات الرئاسية في يونيو 2009م/خُرداد 1388ش المعروفة باسم “جُنبِش سبز (الحركة الخضراء)” بـ “تيار الفتنة”. وعلى الرغم من مرور أكثر من 20 سنة على هذه الاحتجاجات، إلا أن العديد من مؤيديها لا يزالون في السجون الإيرانية حتى الآن، كما لاتزال تهمة التحريض على “فتنة 88” إحدى الاتهامات الأكثر استخدامًا لحظر النشاط السياسي في البلاد.
وكانت احتجاجات يونيو 2009 قد اندلعت عقب الإعلان عن فوز مرشح التيار الأصولي “محمود أحمدي نِجَاد (نژاد)” بولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية العاشرة للجمهورية الإسلامية، حيث صرح وقتها منافسه الإصلاحي “مير حسين موسوي” أن نتيجة الانتخابات قد زُوّرت لصالح نجاد. وقد تزعم هذه الاحتجاجات رموز سياسية بارزة في التيار الإصلاحي، ولها شعبية كبيرة في الشارع الإيراني أمثال: رئيس الوزراء الأسبق “مير حسين موسوي”، ورئيس البرلمان الأسبق “مهديّ كرّوبي”، وكان أحد المرشحين في الانتخابات، والرئيس الأسبق “محمد خاتمي”. استمرت المظاهرات في شوارع إيران وميادينها حوالي عامين متواصلين، وشارك فيها ما يقرب من 5 مليون شخص من مختلف فئات الشعب الإيراني، لكنها قُمعت على أيدي شرطة مكافحة الشغب والحرس الثوري مخلفةً ورائها عدد كبير من القتلى والجرحى والمعتقلين السياسيين لا تزال الإحصائيات الخاصة بأعدادهم الحقيقية محظورة حتى الآن. وقد سُميت احتجاجات 2009 باسم “الحركة الخضراء” أو “الحراك الأخضر” لأنها اتخذت من اللون الأخضر شعارًا لها، وهو شعار مير موسوي خلال حملته الانتخابية.

وعقب هذه الاحتجاجات، أُلقي القبض على أغلب رموز التيار الإصلاحي وحوكموا، فطبقًا لما يذكره عضو البرلمان الأصولي “أحمد السالك” في يوليو 2012 أن “العديد من السادة الإصلاحيين قد حرضوا على فتنة 88، وحوكم منهم أكثر من 100 شخص”. أما عن زعماء الاحتجاجات أو “رءوس الفتنة” كما يطلق عليهم النظام الايراني، فقد وُضع مير موسوي ومهدي كرّوبي قد الإقامة الجبرية في منزلهما، ولا يزال هذا الأمر قائمًا حتى الآن، كما مُنع محمد خاتمي من السفر خارج البلاد والظهور الإعلامي لعدة سنوات.

- فاقدو البصيرة
يُستخدم مصطلح “فاقدي البصيرة” لانتقاد المسؤولين الإيرانيين الذين لم يتخذوا موقفًا ضد المحتجين على نتائج الانتخابات الرئاسية عام 2009، أو لم يتخذوا موقفًا كما كان ينتظر الزعيم الإيراني عليّ خامنئي ومعاونيه. وأغلب “فاقدي البصيرة” كانوا من التيار الأصولي المؤيد لخامنئي، ويرجع وصمهم بهذه الصفة بسبب اتخاذهم موقف مبهم تجاه نتائج الانتخابات، أو بسبب انتقادهم للرئيس محمود أحمدي نجاد الذي فاز بهذه الانتخابات. وهؤلاء الأشخاص لم يُطح بهم كما حدث مع “مثيري الفتنة”، لكن شُكك في مدى كفاءتهم وولائهم حتى يبقوا في بعض المناصب الحساسة بالدولة، فأُطلق عليهم أيضًا “الساكتون على الفتنة”.
- التيار المنحرف
على الرغم من أن فوز محمود أحمدي نجاد بالانتخابات الرئاسة قد تسبب في نزاع بين الأصوليين المؤيدين للزعيم الإيراني عليّ خامنئي والإصلاحيين المتهمين بـ “التحريض على الفتنة” و”فقدان البصيرة”، إلا أن بعد مرور أقل من عامين، أطلق بعض الأصوليين المعارضين لأحمدي نجاد على دائرة معاونيه المقربين اسم “التيار المنحرف” متهمين إياهم بالانحراف عن مسار الزعيم الإيراني، فوفقًا لآراء المعارضين، إن هذا التيار كان له توجهات تميل نحو الليبرالية والقومية، وتنحرف عن الأيديولوجية الدينية، وبالتالي لا يمكن تصنيفه ضمن الفريق الأصولي التي كان يحكم إيران آنذاك. كما اتهم أصحاب هذا الرأي أحمدي نجاد نفسه بالتمرد على الزعيم الإيراني، واعتبروه عضوًا في التيار المنحرف، كما اعتبروا مستشاره وصهره “إسفنديار رحيم مَشائي” زعيم هذا التيار، حيث كانت ابنة مشائي متزوجة من ابن أحمدي نجاد. وعلى الجانب الآخر أطلق أعضاء التيار المنحرف على مناهضيهم اسم “التيار الشمولي” أي التيار الذي يسعى إلى فرض سُلطته على مفاصل الدولة كافة.

ومنذ عام 2010 بدأ جدال حاد بين الجماعات الأصولية التي كانت قد توافقت معًا على دعم أحمدي نجاد في الانتخابات، فاتهم الأصوليون في البرلمان وعدد من المؤسسات السيادية الأخرى بعض أعضاء حكومة أحمدي نجاد والمقربين منه خاصة رحيم مشائي بارتكاب مخالفات متعددة، وأطلقوا عليهم “التيار المنحرف”. وكانت هذه الاتهامات مزيجًا من مجادلات فكرية وانحرافات أيديولوجية وقضايا تتعلق بالفساد الاقتصادي، لكن المنتمين لهذا التيار والمتحالفين معهم دعوا أنفسهم بـ “الإصلاحيين” و”الأصوليين التقدميين”، واعتبروا أن هذه الاتهامات مؤامرة من قبل فريق يُدعى “المتسلطون المتطرفون”. يُذكر أن الطرفين قد استمرا في تبادل الاتهامات حتى بعد مغادرة أحمدي نجاد قصر الرئاسة.
- انقلابي
طالما وُصف معارضو الجمهورية الإسلامية ومنتقدوها خلال العقود الأربعة الماضية بـ “المنقلبين” و”المخربين”. وكان استخدام هذا المصطلح أثناء الاشتباكات المسلحة بين الحكومة والمعارضة في العقد الأول من الثورة الإيرانية شائعًا جدًا، ولم يشمل بالضرورة فئة معينة من الأشخاص، إلا أن استخدام مصطلح منقلبين من قبل الحكومية الإيرانية ووسائلها الإعلامية قد ازداد عقب انتخابات 2009 ليشمل جميع المتظاهرين في الشارع الإيراني ومؤيديهم بغض النظر عن توجهاتهم السياسية. وفي أعقاب احتجاجات الغلاء في ديسمبر 2017 اُستخدم هذا المصطلح في الخطاب السياسي مجددًا على نطاق واسع. ويطلق النظام الإيراني بشكل عام على أية حركة احتجاجية سواء كانت سياسية أو غير سياسية “انقلابًا” بصرف النظر إن كان هذا الاحتجاج له مطالب مشروعة أو غير مشروعة، فالنظام الإيراني شأنه شأن أغلب الأنظمة الفاشية قد تتشح بعباءةِ رَجُلِ الدينِ، وقد ترتدي بِزَّةً عسكريةً، وقد تعتمر قبعةً إِفرِنجيةً، لكنها في جميع الهيئات والأشكال والأحوال لا تسمع سوى أصواتها، ولا ترى سوى ظلالها.

- انفصالي
“انفصالي” صفة تُطلق على العديد من النشطاء السياسيين في المقاطعات الحدودية الإيرانية، كما يوصف أغلب النشطاء الحقوقيين والاجتماعيين من الأقليات العرقية – حتى إن لم يكن لديهم مطالب عرقية – في وسائل الإعلام الحكومية بـ “الانفصاليين”، حيث تعتبر الجهات الأمنية وجودهم نوعًا من الإقدام الفعلي على الانفصال. ومن ناحية أخرى تتبع الحكومة الإيرانية سياسات قمعية تعزز من الميول الانفصالية لدي الأقليات العرقية والمذهبية في البلاد مثل الإجبار على تعلم اللغة الفارسية وحظر ممارسة الشعائر الدينية، فإلى جانب الفرس الذين يشكلون 61% من تعداد السكان، توجد في إيران أقليات عرقية أخرى كالعرب، والأكراد، والآذريين، والبلوش، والتُركمان. أما عن الديانات، فإلى جانب المذهب الشيعي الذي يعتنقه حوالي 95% من الشعب الإيراني، توجد أقليات دينية أخرى مثل اليهودية، والمسيحية، والزَردُشتية، والبهائية، والصابئة، واليارسانية (أهل الحق)، بالإضافة إلى الأقلية المذهبية السُنية.

إن المصطلحات السابقة هي أبرز المصطلحات التي أطلقها النظام الإيراني على منتقديه ومعارضيه عقب الثورة؛ وهي مصطلحات لا حصرها لها ولا متناهية تُستحدث وتُجدَّد وتُولَّد كلما واجه النظام أزمات أو مشكلات لا يستطيع حلها أو التعامل معها، فيكون البديل الأسهل قولبة هذه الأزمة في مصطلح يُظهِر النظام الإيراني بأنه يدافع عن الحق في مواجهة الباطل.
خاص وكالة رياليست – د. محمد سيف الدين – دكتوراه في الأدب الشعبي الفارسي، وخبير في التاريخ والأدب الإيراني – مصر.