القاهرة – (رياليست عربي): مع احتدام العدوان الإسرائيلي الغاشم على قطاع غزة وتجاوزه كل الخطوط الحمراء، دخل عدد من أطراف “محور المقاومة” بزعامة إيران في الحرب الدائرة رحاها بين حركة حماس الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي عقب عملية “طوفان الأقصى” في 7 أكتوبر 2023. منذ ذلك الوقت بدأت وسائل الإعلام المحلية والدولية ومنظرو قضايا الشرق الأوسط في تداول مصطلح “الحرب بالوكالة” بين إيران وإسرائيل.
الحرب بالوكالة أو بالنيابة لها مفاهيم عديدة وتعريفات كثيرة؛ من أبرزها ما ذكره أستاذ العلوم السياسية التشيكي “كارل دويتش” Karl Deutsch، حيث يعرفها بأنها “نزاع دولي بين قوتين أجنبيتين تتقاتلان على أرض دولة ثالثة عن طريق التذرع بالتدخل في قضية داخلية خاصة بهذه الدولة، واستخدام بعض قواها البشرية ومواردها المادية وأراضيها في سبيل تحقيق أهداف القوى الأجنبية”. أما من أدق تعريفات الحرب بالوكالة ما قدمه أستاذ دراسات الحرب بكلية السياسة والعلاقات الدولية في “جامعة نوتنجهام” The University of Nottingham “أندرو مومفورد” Andrew Mumford، حيث يقول عنها: “إنها المشاركة غير المباشرة في نزاع بين طرفين من قبل أطراف ثالثة ترغب في التأثير على نتيجته الإستراتيجية. ويمكن أن يشمل ذلك توفير المال والسلاح وأشكال المساعدات الأخرى كافة، لكن بشكل يعفي الطرف المتدخل من الاضطرار إلى تدخل عسكري مباشر، وذلك عن طريق الاستعانة بوكلاء محليين يرغبون في حماية أو تنامي مصالحهم في الوقت نفسه”. فوفقًا لما يورده “مومفورد” في إطار التطبيق العملي لمفهوم الحرب بالوكالة، “تقوم الدولة (A) بتوظيف بعض الوكلاء في الدولة (B) للقيام بعمليات مسلحة نيابة عنها يمكن أن تدخل في خانة التخريب من أجل تحقيق بعض المصالح والأهداف الخاصة بالدولة (A)”.
وتعتبر “الحرب الباردة (1947: 1991)” بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي (روسيا الاتحادية حاليًا) واحدةً من أشهر الحروب بالوكالة وأطوالها سجالًا في التاريخ المعاصر؛ جرت وقائعها في بُلدان الشرق الأوسط وآسيا الوسطى وأمريكا اللاتينية، وكان طرفاها يستهدفان كل منهما الآخر في مناطق نفوذهما حول العالم، وذلك عقب خروج أمريكا من الحربين العالميتين الأولى والثانية معتبرة نفسها وارثة إمبراطوريات العالم القديم وسيدة العالم الجديد إلى جانب الاتحاد السوفيتي.
الآن بعد مضي ما يزيد عن مئة يوم على حرب غزة، ونزول حزب الله اللبناني وحركة أنصار الله اليمنية “الحوثيون” ساحة الحرب من فترة إلى أخرى، نستطيع القول صراحةً إن إيران تحارب إسرائيل بأذرعها السياسية أو بالأحرى وكلائها في منطقة الشرق الأوسط، لكن ما مكاسب الطرفين في هذه الحرب المعلنة فعلًا وغير المعلنة قولًا؟
من أبرز المكاسب الإيرانية من استمرار حرب غزة حامية الوطيس هو انهيار اتفاقيات السلام المبرمة بين إسرائيل وعدد من الدول العربية خاصة الدول الخليجية المتاخمة لإيران على امتداد ساحل الخليج العربي؛ وهي دول تجمعها علاقات دبلوماسية مع طهران، لذا فإن قيام هذه الدول بتطبيع العلاقات مع إسرائيل قد يوتر العلاقة مع طهران، ويثير قلقها من تقارب غير مرغوب فيه مع عدو لدود.
وكانت الإمارات والبحرين قد وقعتا اتفاقيات سلام مع إسرائيل برعاية الولايات المتحدة عام 2020، وقد عُرفت هذه الاتفاقيات رسميًا باسم “الاتفاقيات الإبراهيمية”، ويرجع تسميتها بهذا الاسم نسبةً إلى سيدنا “إبراهيم” كونه أبو الأنبياء ومحل تبجيل من قبل أتباع الأديان السماوية الثلاثة اليهودية والمسيحية والإسلامية. كما وقعت كل من المغرب والسودان اتفاقيات تطبيع مع إسرائيل برعاية الولايات المتحدة أيضًا في العام نفسه.
تأتي هذه الاتفاقيات بعد سنوات عديدة من إبرام معاهدتي السلام بين الأردن وإسرائيل عام 1994، ومصر وإسرائيل عام 1979.
من بين المكاسب الإيرانية كذلك رفض الدول العربية القاطع خاصة مصر والأردن لكل المخططات الإسرائيلية الرامية إلى إعادة احتلال قطاع غزة وتصفية القضية الفلسطينية عن طريق دفع الشعب الفلسطيني إلى النزوح القسري من قطاع غزة إلى سيناء ومن الضفة الغربية إلى الأردن، وهو ما يتسق مع الموقف الإيراني إزاء هذه القضية. هذا فضلًا عن ارتفاع شعبية “حركة حماس” –المدعومة من إيران – بين الفلسطينيين بعد عملية “طوفان الأقصى” كقوة وطنية تحارب إسرائيل، وتسعى إلى تحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة.
أما إذا أتينا إلى إسرائيل، سنجد أنها نجحت في جر الولايات المتحدة وعدد من حلفائها بالمنطقة إلى مهاجمة إيران في مناطق نفوذها كسوريا والعراق. بالإضافة إلى تصفية عدد من الشخصيات الأمنية والعسكرية رفيعة المستوى، تنتمي إلى الحرس الثوري الإيراني وحزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية.
انغماس إيران وإسرائيل في حربهما بالوكالة، وانخراط الولايات المتحدة في رحلات مكوكية إلى الشرق الأوسط سعيًا وراء وقف الحرب في غزة، أسفرا عن ظهور طرف جديد في الصراع العربي الإسرائيلي يلعب دور الوسيط حاليًا. هذا الطرف يضم ثلاث دول خليجية لم يكن لها أي دور محوري في هذا الصراع منذ نشوبه؛ وهي “السعودية والإمارات وقطر”، فثلاثتهن يحملن في جعبتهن الآن العديد من الأوراق الرابحة في هذا الصراع السرمدي.
مستقبل العلاقات الأمريكية الإسرائيلية عقب انتهاء حرب غزة وما ستترتب عليها من نتائج، ربما يكون مكسبًا لإسرائيل وخسارة لإيران والعكس صحيح أيضًا.. فإلى متى وإلى أي مدى ستظل إسرائيل تحظى بدعم أمريكي مطلق؟ هذا أمر بات محل شك كبير بعد تصريحات الرئيس الأمريكي “جو بايدن” Joe Biden الأخيرة بشأن إسرائيل.
وكان “بايدن” قد حذر في منتصف ديسمبر الماضي إسرائيل من أنها بدأت تفقد الدعم الدولي بسبب قصفها العشوائي لقطاع غزة، ودعا رئيس الوزراء الإسرائيلي “بنيامين نتانياهو” Benjamin Netanyahu إلى تشكيل حكومة جديدة بدلًا من حكومته اليمينية المتشددة.
خاص وكالة رياليست – د. محمد سيف الدين – دكتوراه في الأدب الشعبي الفارسي، وخبير في التاريخ والأدب الإيراني – مصر.