يعتصم الشعب اللبناني اليوم أكثر من أي وقت مضى بشعار “الشعب مصدر السلطات” فيما يتعدّى كونه مبدأً قانونيًا دوليًا ملازمًا للديمقراطية، مستندًا إليه قاعدةً دستورية مُحكَمة ومُثبتّة في مقدمة الدستور اللبناني. لقد شدَّد الدستور أنَّ الشعب “صاحب السِّیادة، یمارسها عبر المؤسَّسات الدستوریة”، فالشعب هو العنصر الرئيس في تأسيس الدولة، بل وإنَّ كلمة الشعب الحرّة هي كلمة الفصل في شرعية السلطة، من حيث وجودها، ثباتها أو زوالها. على ما تقدّم، وفي رؤية تحليلية لواقع الإنتفاضة الشعبية في لبنان، الثائرة على ظلمة الفقر والقهر والجوع، على فساد الدولة وعجزها بغياب الكفاءة في إدارة الحكم؛ نتيقّن أن لبنان اليوم غير لبنان الأمس، وأن لبنان الغد لناظره ساعات قريبة. الشعب اللبناني من جهته قال كلمته، العد العكسي بدأ والمخاض في عسر لا بد وأن يتبعه يسر، أما المنتظر ولادة لبنان، إنبثاق نظام لبناني جديد في حلَّة ميثاق لاطائفي للعيش المشترك.
النظام اللبناني
في نبذة تعريفية، لبنان، جمهورية ديمقراطية برلمانية أُعلن إستقلالها عن الإحتلال الفرنسي في العام 1943. وإن نظام لبنان السياسي نظام جمهوري ديمقراطي توافقي طائفي، توزع فيه المناصب الأساسية بنسب محددة بين ممثلي الطوائف المختلفة؛ ويقوم على مبدأي الفصل بين السلطات وتوازنها، فتمارس السلطات السياسية مسؤولياتها بالتعاون في ما بينها دون أن يكون لأي منها سلطة على الثانية. أما جغرافيًا، فقد جاء في المادة 11 من الدستور أن “أرض لبنان هي واحدة لكل اللبنانيين”، تقع على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط، فتحدّ لبنان شمالًا وشرقًا الجمهورية العربية السورية، وجنوبًا فلسطين المحتلة، فيما تبلغ مساحته 10452 كلم2، ويقدّر عدد سكّانه اللبنانيين بستّة ملايين نسمة (وفق إحصاء البنك الدولي لعام 2016). أما دستوريًا، فيحتكم لبنان قانونيًا إلى دستور وطني مكتوب تم وضعه عام 1926، ويكفل للشعب المساواة وحرية التعبير والحرية الدينية، كما ويصون لهم مصالحهم العامة وممتلكاتهم الخاصة بإقراره ودون تحفظ بالحريات والحقوق الأساسية للمواطنين، وفق النظم والمعايير الدولية وفي مقدمتها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، كما ويعطي اللبنانيين الفرصة بتغيير الحكم بالطرق الديمقراطية.
ميثاق العيش المشترك
وقد جاء في مقدمة الدستور، الفقرة “ي”، التأكيد على أن “لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك”، في إشارة الى الميثاق الوطني غير المكتوب الذي نظّم أسس الحكم في لبنان عام 1943، بحيث جرى التوافق بين الطوائف الثلاث الأساسية على المشاركة في الحكم من خلال توزيع المقاعد النيابية والوزارية، والوظائف العامة والمناصب الأخرى فيما بينها وفقاً للعدالة، وإنما خلافًا لما جاء في مقدمة الدستور الفقرة “ج”، بأن نصّت على العدالة الإجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمايز أو تفضيل.
البنية الطائفية للنظام اللبناني
وحيث شرّع الدستور اللبناني البنية الطائفية للنظام اللبناني، في مواد أربع (المواد 9، 10، 24 و95) تخاطب المواطن اللبناني بوصفه عضوًا في جماعة طائفية أو مذهبية، أصبحت الطائفية في لبنان اليوم تتجسد في نمط علاقات ثقافية، إجتماعية وسياسية، أبعد ما تكون عن العلاقات المواطنية. بالمقابل، أقرّت الفقرة (ح) من مقدمة الدستور أن “إلغاء الطائفیة السیاسیة هدف وطني أساسي یقتضي العمل على تحقیقه وفق خطة مرحلیة”. أما وقد صمدت الطائفية السياسية في ظل نظام الحكم السائد منذ تسعينات القرن الماضي وبجهود السلطة التي حرصت على تكريسه؛ فهل يسقط النظام اللبناني أمام الحكم العام الشعبي والإرادة الشعبية الشرعية بالتغيير؟
في تحليل البيئة المحلية للبنان اليوم
تتمظهر الأحداث في الداخل اللبناني اليوم، ترجمةً للإشكاليات المترتبة على التداخل بين المكونات السياسية والطائفية للنظام اللبناني وتفاعلاتها في البنية الاجتماعي