في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة اللبنانية إلى إنجاز التفاوض مع إسرائيل بشأن ترسيم حدودها البحرية، شهدت الأيام القليلة الماضية توترات في عمليات التنقيب لكنها بين لبنان وسوريا هذه المرة، وتأتي التوترات على خلفية اتهام رئيس حزب القوات اللبنانية، سمير جعجع، سوريا بالتعدي على حدود لبنان البحرية، قائلاً: “حكومة الأسد اعترضت على طرح لبنان للتنقيب عن النفط والغاز عام 2014″، طبقاً لوكالات أنباء.
روسيا تفجّر الأزمة
من المعروف الموقف العدائي لحزب القوات اللبنانية القديم، الذي بات علنياً مع الأزمة السورية، حيث لم يتوانَ أي مسؤول في هذا الحزب بدءاً من رأس هرمه سمير جعجع إلى أصغر مسؤول فيه مجاهرة العداء ضد دمشق، متبعين سياسة النأي بالنفس على أقل تقدير، والرافضين لأي نوع من أنواع التطبيع معها، يُضاف إليهم حزب الكتائب وبعض القوى السياسية الأخرى.
إلا أن قضية ترسيم الحدود، تكمن مشكلتها بالمقام الأول مع إسرائيل التي تريد الاستحواذ على البلوكات المحددة للبنان، وعلى الرغم من ذلك، لم يخرج جعجع ويعلق على هذا الأمر، وهو أخذْ حصة لبنان من الغاز، حتى أن روسيا لطالما حاولت أن تنقب عن الغاز في الشواطئ اللبنانية، لكنها لم تلقَ قبولاً بسبب ضغط الولايات المتحدة الأمريكية على الدولة اللبنانية، لكن عندما منحت سوريا من خلال توقيعها اتفاقية مع شركة “كابيتال الروسية”، لتقوم الأخيرة بموجبه بعملية المسح والتنقيب عن النفط في البحر على الحدود البحرية المشتركة مع لبنان، تنبهت الأخيرة إلى معرفة حقوقها البحرية خاصة بعد وجود الغاز فيه والتي لا تشكل إلا نسبة قليلة مقارنةً بما تم اكتشافه على السواحل السورية، ما رفع الصوت عالياً، بسبب أنهم يعتقدون أن سوريا اليوم ضعيفة ويستطيعون استغلال ذلك بما يحقق مصالحهم الخاصة في ضوء الظروف الاقتصادية الأخيرة التي هم – أي بعض الأحزاب اللبنانية – شركاء فيها بطريقة أو بأخرى، وبالتالي، هذه التصريحات، ليست إلا تصريحات كيدية لا تقدم ولا تؤخر.
ترسيم الحدود
إن هذه المسألة تحتاج إلى اجتماع الطرفين لتحديد حدودهما البحرية بعد أن زعم جعجع أن سوريا تسيطر على ما يقدر بـ 750 كلم من الشواطئ اللبنانية بحسب الخرائط التي تحدث عنها، وهذا غير صحيح، قد تكون الشركة السورية قد اقتربت بعض الشيء، لكن الحدود المتشاطئة تقع عن مدينة طرابلس، شمال لبنان، وهناك أنابيب نفط تربط سوريا بلبنان قديماً، حتى هذه الأنابيب لم تسلم من بعض الأحقاد اللبنانية التي خربت هذه الأنابيب في محاولة لسرقتها مما سرب مادة النفط الموجودة فيها ولوث المياه والينابيع في منطقة البداوي.
لكن الحل لا يكمن في اجتماع الطرفين خاصة وأن القوى الغربية ستستغل هذا الملف وتعطله، إذ لا يريدون للبنان التعافي وكذلك الأمر لسوريا، إلا أن روسيا حسمت هذا الملف وبدأت فعلاً في التنقيب، وأصبح أمراً واقعاً، بينما بقيت لبنان رهينة التجاذبات السياسية والخلافات التي تعصف بها من كل حدبٍ وصوب، وهذا يأخذنا، إلى زيارة وفد من حزب الله مؤخراً إلى موسكو، ولربما هذا الملف من جملة القضايا التي تم بحثها، أي دخول روسيا على خط التنقيب بما يضمن لهم عدم تدخل إسرائيل، في محاولة لإقناع الأفرقاء الآخرين.
أخيراً، عندما تحل لبنان مشاكلها بما فيها المصرفية والاقتصادية، وتعيد الأموال إلى شعبها، وتنهي أزماتها الداخلية الكثيرة وتشكل حكومة، حينها يمكن لسمير جعجع وغيره اتهام دول الجوار، من باب الحق المشروع لهم، وليس من باب العداء التاريخي لسوريا، هذا الملف ليس صحيحاً، لكنه حنق وغضب، لأن سوريا ورغم ما يعتريها من ظروف سيئة، استطاعت البدء في هذا الموضوع، على عكس لبنان الذي أصبح عضواً في نادي النفط العالمي، لكن إلى الآن لم يحقق لشعبه شيء.
فريق عمل “رياليست”.