هجّرت تركيا أكثر من 350 ألف كردي من الشريط الموازي لحدودها مع سوريا بعمق 30كم (وهو نصف المستهدف لتحقيق مشروع المنطقة الآمنة، والنصف الآخر نقل السوريين الذى تم تتريكهم لتلك المنطقة، كي يتكرر مشهد قبرص الشمالية أو لواء الاسكندرونة)، بعد أن أثبتت تركيا أن الأكراد أو “عصابات قسد” ومواليها أن صح التعبير، مجرد نمور من ورق، وأن كل ما أنفقته صناعة الإعلام الأوروبية والأمريكية على تلميعهم وتصدير صورة نسائهم وهم ممسكين بالبنادق بعزم كالجبال …وما إلى آخره لكسب أكبر تعاطف عالمي تجاههم ولتصويرهم بمظهر الجيوش النظامية، مجرد دعاية لا أساس لها في الواقع.
مجبرٌ لا بطل
عاد علم سوريا ليرتفع في الحسكة والقامشلي وبنقاط إستراتيجية هامة كانت بعيدة عن الجيش السوري منذ أعوام، بعد أن عادت مدارسها تفتح تحت راية علم الجمهورية العربية السورية وبمناهج دمشق، والأهم أن الأكراد الذين تمردوا على دمشق وتحالفوا مع الإسرائيليين والأمريكيين عادوا لدمشق وهم في موقف ضعف، وهنا كان على تركيا أن توقف عملياتها بسبب تحالف الأكراد ودمشق قبل أن يلوح دونالد ترامب بأي تهديد لها.
وربحت إيران عندما تم كسر شوكة الأكراد في شمال سوريا، خاصة وأن ذلك الأمر جاء بعد فتح معبر القائم/البوكمال بين سوريا والعراق كي يستمر عمل الحبل السري بين طهران وبيروت، فلم تأتِ مظاهرات بيروت من عبث، ولمتظاهرين لبنان كل الحق والاحترام في حقوقهم بسبب ما تمر به لبنان من وضع إقتصادي صعب جدا ومسؤولين فاسدين باتوا كالبكتيريا التى تنهش في جسد بلاد الأرز بلا رحمة، فهي مظاهرات جائت على نفس وتر مظاهرات بغداد سواء الظاهر المعلن أو الاستراتيجي الخفي منها (فوضى بحلقات إيران بالمنطقة).
لصالح مَن؟
هنا، ضمنت روسيا أن اردوغان لن يخرج من عباءتها إلى الأبد، بعد مشهد حضور مايك بنس وبومبيو في اسطنبول المهين للدولة التركية ككل وليس لشخص أردوغان فقط، فبات الأخير مضطر أن يتجه نحو روسيا أكثر وأكثر، كما أن موسكو تخلصت من صداع الأكراد التي لم تستطع تحييدهم عن واشنطن، أو إعادتهم للدولة السورية من جديد، وربما تكون لهم ملجأ بعد أن سلمتهم أمريكا في الأيام الأولى من العدوان التركي. إن الولايات المتحدة أقل الرابحين، فهي إنسحبت من الشمال السوري بالأمس لصالح تركيا عن عمد، ولكن ستكتشف فى الغد أنها إنسحبت لصالح روسيا وإيران ومن قبلهم دمشق بالخطأ.
أخيرا وليس آخرا رد الولايات المتحدة على تركيا والظهور بمظهر الآمر الناهي في قرارات تركيا الخارجية لم يأتِ بسبب ما ارتكبته الإنكشارية العثمانية الجديدة (جيش الإخوان) ضد الأكراد، ولكن ردا على أردوغان الذي تمادى في التقرب تجاه موسكو، بعد أن تخطى كل الخطوط الحمراء بطلب شراء منظومة S400، وهو ما فعله أردوغان منذ ثلاثة أعوام مع بكين بعدما طلب منها الحصول على منظومة HQ9الصينية قبل أن يتراجع بعد ضغط واشنطن عليه.
فكل ما مضى كان متفق عليه بين كافة الأطراف الدولية والإقليمية الفاعلة في سوريا، سواء الكبار أمريكا وروسيا، أو إيران وتركيا ومن قبلهم سوريا نفسها، ولكن الأهم في تلك اللعبة التي بدأت بإتفاق بينهم، أن الذكي لا يتعدى الخطوط الحمراء، ولا يتمادى بسذاجة فى التحرك في طريق قد تكون نهايته سدا أو بمنتصفه فخا، ويعلم متى وكيف يخرج من المباراة بأكبر كم من الربح دون التعرض لخسارة قد تكلفة كل ما تحصّل عليه من مكاسب.
فادي عيد وهيب- باحث ومحلل سياسي بشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، خاص لوكالة أنباء “رياليست”