لم يكن على الإطلاق من قبيل الصدفة أن يتم استهداف سورية بمجموعة من المقالات التي استهدفت الوضع الداخلي السوري وإستهداف رجال أعمال سوريين وأعضاء في مجلس الشعب السوري، والرئاسة السورية، ونخبة أبناء الجمهورية العربية السورية الذين تم توصيفهم بـ “الشبيحة الذين يقبضون أموالاً من النظام السوري” وصولاً إلى أن مجموعة أستانا قررت إبعاد الرئيس بشار الأسد عن سدة الحكم، وأنه على وشك تقديم استقالته والخروج من سورية.
ولكن وبنظرة سريعة لكل هذه الجهود المبذولة والمدفوعة الثمن بكل تأكيد من قبل الجهات التي تكبدت خسائر فادحة بعد أن اعتمدت الإرهاب كوسيلة وحيدة لقلب نظام الحكم في سورية والسيطرة عليها ومحاولة تقسيمها وتقاسم خيراتها كغنائم ناتجة عن نشر الديموقراطية وفق الأسس التي أصبحت واضحة للعالم اجمع والقائمة على مبدأ “أين توجد الطاقة بمختلف أشكالها سنكون ووسائل استثماراتنا المعهودة” وهنا المقصود الإرهاب الناشر للديموقراطية والذي تصفق له وتدعمه دول الاتحاد الأوروبي تحت شعار الدفاع عن حقوق الإنسان، وترعاه وتمده بالمال الوفير والفتاوى التي لا أساس لها من الصحة والإسناد، وتقوم على قراءات وتفسيرات مغلوطة لآيات القراّن الكريم والأحاديث النبوية الضعيفة والمنسوبة إلى نبي الله محمد بن عبد الله، والتي يتم إصدارها وفق الحاجة وعند الطلب بتنسيق من مشغلهم الأساسي القابع خلف المحيطات.
لقد شعر أصحاب المشروع الهدام للعالم بشكل عام وللشرق الأوسط بشكل خاص أن مشروعهم فشل إنطلاقاً من النجاحات التي حققها محورا المقاومة ومحور مكافحة الإرهاب بسحق أدواتهم الاستثمارية في مشروع لم ولن يرى النور على الإطلاق، والذي بدأت نتائجه تظهر بشكل جلي وانعكست بشكل سلبي على جميع الدول التي تبنت هذا المشروع الفاشل، سواء كانت تلك الدول مخططة لهذا المشروع أو مساندة له أو ممولة له، لا بل نجد بأن الخلافات والصدامات بدأت بين تلك الدول نفسها فيتحول التلاحم والاتحاد إلى فرقة وعزلة وقذف بأشد العبارات، ليصل فيهم الأمر إلى اختراع الأكاذيب ضد بعضهم البعض وخاصة بين الدول الممولة لهذا المشروع والمقصود هنا دولة قطر وأخواتها في دول مجلس التعاون الخليجي، وبين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية بعد أن اتضح فشل تعاونهم في الحرب على اليمن، واّخر ما توصلت إليه اّلة كذبهم التي فشلت في سورية، اتجهت إلى نشر معلومات عن اغتيال محمد بن زايد، ولم ولن تكن هذه الفبركة وهذا الكذب اّخر ما سنشاهده ونسمعه ونراه خلال الفترة القادمة.
وإذا ما نظرنا إلى الدائرة الأوسع لأصحاب هذا المشروع الفاشل، فنجد أن الأمر ليس بالأفضل، أي بين دول الدفاع عن حقوق الإنسان والدولة التي تتبنى شعار نشر الديموقراطية، وظهر هذا الأمر منذ اقتناعهم بفشل مشروعهم والذي ترافق منذ لحظة انضمام روسيا إلى محور مكافحة الإرهاب وكان لها الفضل الكبير في القضاء على العدد الكبير من الإرهابيين وتدمير بنيتهم التحتية في جميع المناطق التي سيطروا عليها لتصل سورية ومعها حلفائها وأصدقائها إلى حصر الإرهاب في بؤرة ليست بالواسعة وتستطيع في أي وقت تحريرها بأقل الخسائر وأنجع الطرق وأقل وقت مما يعتقده الكثيرين من أصحاب المشروع الهدام والقاتل للأمم والشعوب.
بالإضافة إلى ذلك فقد ظهرت الخلافات في أوجها وبشكل علني وبدأ التقاذف بين المساندين للمشروع الهدام وأصحاب المشروع القابعين خلف المحيطات بعد ظهور الفيروس القاتل “كورونا” وكيف أن الأنانية والانحطاط الأخلاقي والإنساني في التعامل مع هذا الوباء القاتل كان الشعار الأساسي والوحيد لمجابهة هذا الفيروس وعدم الاستعداد في كل دولة على حدى وفي جميع تلك الدول للتصدي واحتواء والقضاء على الفيروس المدمر.
ويبدو أن أصحاب المشروع ومسانديه ومموليه وجدوا سبيلاً جديداً للاستفادة مما تبقى من الوقت الضائع باعتقادهم بأنهم ربما يستطيعون تحقيق أي هدف اّخر من أهدافهم، فذهبوا بعدة اتجاهات بحيث أن جميعها تلتقي على أرض العدو الرئيسي لهم وهو روسيا الاتحادية التي تصدت لمشروعهم على الأرض وفي مجلس الأمن الدولي، وعبر الهيئات الدولية التابعة للأمم المتحدة، والتي وبكل أسف في كثير من الأحيان تنفذ ما يمليه مشغلهم القابع خلف المحيطات.
ومن أجل الوصول إلى هذا الهدف وفق مخططاتهم كان لابد لهم من هدم كل ما استطاعت روسيا الاتحادية بنائه من مصداقية في مواقفها ودعمها الشعب السوري في حربه ضد الإرهاب ومحاولة تشويه سمعة روسيا الاتحادية على الساحة الدولية وبين مختلف دول العالم بعد أن لاحظوا ارتفاع شعبيتها وارتفاع مستوى التأييد الداخلي والخارجي للرئيس بوتين وسياساته على الساحة الداخلية الروسية والساحة الإقليمية وساحة الشرق الأوسط وعلى الساحة الدولية.
هذه النجاحات وإثبات المواقف كانت انطلاقاتها من سورية وكانت نجاحاتها نابعة من امتلاك الإرادة والرغبة والوسائل الناجعة في وضع حد لعنجهية الولايات المتحدة الأمريكية وتسليط نفوذها الاقتصادي وقوتها العسكرية الضخمة مضافاً إليها شبكة الاستثمار الجديدة “الإرهاب” وتسخيرها جميعها منفردة أو مجتمعة لتبقى الولايات المتحدة الأمريكية هي الدولة المسيطرة على جميع مفاصل الحياة في جميع أنحاء العالم وهي شرطي العالم الوحيد، وأن جميع دول العالم ماهي إلا مجموعة من الموظفين يؤتمرون بأوامر البيت الأبيض، ومن يخالف ذلك فإن أدوات نشر الديموقراطية الأمريكية “الإرهاب” جاهز لتنفيذ الأوامر والتعليمات لوضع حد لأية دولة تسول لها نفسها الخروج عن بيت الطاعة الأمريكية.
من هنا، كان لهم أن يعتقدوا بأن طريق سورية هو أقرب طريق لسحب بساط النجاحات الروسية، فبدأت الحملات الموجهة وعبر الصحافة والإعلام مستندة تارةً إلى بعض التابعين لهم في روسيا الذين قدموا أنفسهم كمحللين سياسيين، ومقربين من دائرة صنع القرار في روسيا تارةً أخرى، ومنهم من كان في مواقع سياسية أو دبلوماسية رفيعة، ومنهم من يعمل في مراكز الأبحاث السياسية وغيرهم، وتنشر مقالاتهم وأحاديثهم في مواقع إلكترونية تعتمد أسماءً مشابهة للمواقع الحكومية الرسمية أو في صحف محسوبة على الليبراليون الجدد “مدعومون بشكل مباشر من الخارجية الأمريكية”، ويساندهم في مهامهم هذه فلة من المستعربين أو من الصحافيين أو المحسوبين على الصحافة ومن أصول عربية، فتارةً يظهرون بأنهم يترجمون ما وصل إليهم من معلومات أو ما وقع تحت أنظارهم من مقالات ومقولات لافتة، ويتم انتقاء هؤلاء بشكل دقيق ولكلٍّ دوره ومهمته، وأغلبهم محسوباً بشكل أو باًخر على الدول الممولة للمشروع الهدام.
وفي المحصلة، تظهر إلى العلن تلك السموم المدسوسة في كثير من الأحيان بالعسل أو تكون سموماً خالصة تهدف بالمرحلة الأولى إلى إضعاف الروح المعنوية للداخل السوري الذي استطاع أن يتصدى للمشروع الإرهابي الهدام لسنوات عشر، وبدأ يشعر بنشوة النصر “علماً بأن كل ما تناوله هؤلاء ليس بالجديد على أقل تقدير ولكن يمكن القول إنه وبالإضافة إلى ذلك كان شر الإرهاب الذي سيطر وقتها على أكثر من 70% من مساحة سورية، ولكنهم وقتها لم تنطلق أقلامهم واّلاتهم الإعلامية للإشارة إلى ذلك، وهذا الأمر غاية في الاستغراب، ويؤكد بأنهم فقدوا ما كانوا يصبون إليه بدون هذه الفبركات، لأن فبركاتهم وكذبهم كان يتجه باتجاه واحد فقط وهو شرعنة التدخل الخارجي خارج إطار الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، أي تحت مفهوم التدخل الإنساني والدفاع عن المدنيين بعد أن أشهرت روسيا الاتحادية وإلى جانب الصين حق النقض – الفيتو في وجه أي قرار يبرر الحرب على سورية.
لذلك كانت اتجاهاتهم بمكان اّخر سواء توثيق ما يسمونه الإبادات الجماعية لقوات الجيش العربي السوري وحلفائه للأبرياء ” حسب تعبيرهم “واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً” السلاح الكيميائي ضد المدنيين والعزل”، والأغرب من ذلك اليوم هو تهديداتهم بتفعيل قانون قيصر والذي استندوا فيه إلى شخصية وهمية وجثث لأشخاص وهميين “كلهم من الإرهابيين الذين استطاع الجيش العربي السوري القضاء عليهم فكان لأصحاب المشروع أن يصوروا قرابة الخمسين ألفاً منهم ليقولوا بأنهم قضوا في سجون الحكومة السورية وتظهر عليهم اّثار التعذيب فيكون بذلك أصحاب المشروع الهدام قد استفادوا من جثثهم القذرة العفنة بعد أن فشلوا من الاستفادة منهم وهم يمارسون نشر الديموقراطية الأمريكية المسنودة بفتاوٍ حسب الطلب من دول أصحاب العباءات الخليجية والدولار النفطي المسخر لدعم الإرهاب ومشروع سيدهم القابع خلف المحيطات.
ولكن ليبقى السؤال الذي يطرح نفسه هنا وهو كيف سيتم زعزعة الاستقرار في روسيا إذا كانت جميع جهودهم منصبة على سورية، ووفقاً لأنباء ومعلومات من الداخل الروسي في كثير من الأحيان ومن جهات مقربة من دائرة صنع القرار في روسيا.
الأمر غاية في السهولة، فمنذ العام 2015 عندما بدأت المشاركة الفعلية الروسية بعملية مكافحة الإرهاب في سورية، كان الداخل الروسي منقسم بين مؤيد ومعارض لهذا التدخل، والسبب يعود في ذلك إلى عدم معرفة قسم كبير من المواطنين الروس وبشكل خاص فئة الشباب منهم، من هي سورية وأين تقع وما هي العلاقات التي تربطنا بهذا البلد؟” جيل البيريسترويكا”هذه الفئة من المواطنين التي نشأت متأثرة بالأفكار الغربية وبالدعاية المعادية لروسيا الاتحادية التي تأتي تارة عبر وسائل الإعلام الموجهة من الغرب والهادفة إلى الغسل التدريجي والممنهج لعقولهم وسلب إرادتهم والتخلي عن المبادئ والقيم التي تؤمن بها الغالبية العظمى من الشعب الروسي وبمختلف اتجاهاته السياسية باستثناء تلك التي رمت نفسها بأحضان الولايات المتحدة وأخذت تطبل وتزمر لها وخاصة أنها استطاعت إيجاد نفسها وتقوية موقعها إبان حكم الرئيس يلتسين.
ولذلك فإن هؤلاء اليوم هم الناقل الحقيقي لمضمون هذه المقالات والمقولات والتحاليل السياسية إلى الداخل الروسي بحيث يبثون سمومهم وسهامهم الموجهة ضد السياسة الروسية، الخارجة كلياً عن الإملاءات الأمريكية، والتي مضمونها بعبارة واحدة فقط وهي: “لماذا يساند الرئيس بوتين الرئيس الأسد ونظام حكمه الفاسد؟ ولماذا تتكبد روسيا الخسائر البشرية والمادية للدفاع عن نظام الرئيس بشار الأسد!” وهذه العبارة كافية في حقيقة الأمر لزعزعة الاستقرار في روسيا وخاصة عند أولئك الذين ليس لديهم خبرة سياسية أو غير مطلعين إلى ما اّلت إليه الأحوال على الساحة الدولية وعلى غير علم بالمجازر التي ترتكبها الولايات المتحدة الأمريكية في مختلف مناطق العالم، وأنها وضعت على رأس أولوياتها أن تجعل من روسيا الاتحادية مجرد محطة تزويد بالوقود للماكينة الأمريكية.
والأهم من ذلك أيضاً هو الاستفتاء على التعديلات الدستورية التي اقترحها الرئيس بوتين، وأهم تعديل دستوري فيها هو “شرط الترشيح على منصب الرئاسة الروسية ” وبحسب المقترح المقدم من الرئيس بوتين فإنه على المواطن الذي يود بترشيح نفسه إلى منصب الرئاسة الروسية أن يكون مقيماً على الأراضي الروسية خلال الـ 25 سنة الماضية، وألا يكون له جنسية أجنبية أي لا يمتلك ولم يمتلك جنسية دولة أخرى فقط الجنسية الروسية! وهذا التعديل الدستوري وبكل تأكيد في حال الاستفتاء عليه وإقراره من قبل المواطنين الروس فإنه سيقطع الطريق على كل الأشخاص الذين يعمل الغرب بشكل عام والقابع خلف المحيطات بشكل خاص في وصول أي منهم إلى سدة الحكم في روسيا الاتحادية.
من هنا فإن قذف الداخل الروسي والضغط على الرئيس بوتين لسحب هذا التعديل الدستوري جعل أصحاب المشروع الهادم للأمن والاستقرار في العالم توجيه سهامه إلى سورية، فهم يعتقدون بأن هذه السهام ستخترق الجسد السوري وصولاً إلى الجسد الروسي، وهذا الأمر فقط صدقوا به وأقصد هنا بأن سورية وروسيا أصبحتا جسداً واحداً لأن علاقة كلا البلدين قائمة على أساس الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وأن أي قرار مشترك يتم اتخاذه بين البلدين فهو في نهاية المطاف قراراً لصالح الشعبين وليس خدمة للساسة في البلدين.
خاص وكالة “رياليست” – د. فائز حوالة – موسكو.