القاهرة – (رياليست عربي): بعد مضايقات وملاحقات قضائية بسبب خلع الحجاب وحرية ارتداء اللباس، أعلنت ملكة الجمال السابقة والممثلة الإيرانية الكبيرة “أفسانة بايجان (اَفسانِه بايگان)” البالغة من العمر 62 عامًا في 11 من يوليو 2023 اعتزال الفن نهائيًا، وذلك عبر رسالة مطولة نشرتها في حسابها الرسمي على موقع تبادل الصور والمقاطع المصورة “إنستجرام”، شرحت فيها أسباب الاعتزال والابتعاد عن الأضواء وما تعرضت له من ضغوط عديدة من قبل النظام الإيراني، حيث كتبت تقول:
“العديد من الإيرانيين يعرفون أفسانة بايجان، وأهم سبب في استمرار نشاطها الفني في إيران لما يقرب من نصف قرن من الزمن، وعدم هجرتها خارج البلاد؛ هو أن هذه الفتاة الإيرانية لها جذورٌ ضاربةٌ في هذه الأرض.. تبكي لآلام الناس وتفرح لسعادتهم، وكان هدفها ولا يزال نفض غبار الأحزان عن قلوب أهالي هذه البلاد وأرواحهم. والبقاء في إيران واستمرار النشاط الفني يلزمه مراعاة قوانين الدولة بشكل حتمي، وإذا كان الأمر غير ذلك، فيجب اختيار مسار آخر.
أفسانة بايجان لا تسعى إلى إحداث فوضى وأجواء لا سُلطوية يعقبها انفلات أمني، ولم تنس مسؤوليتها الاجتماعية، فالالتزام الاجتماعي للفنان يجعله على حافة الهاوية دومًا. والالتزام بالقوانين شرط استقرار أي مجتمع، كما أن الاعتراض على القوانين حق المواطنين، والإصغاء إلى أصوات المعارضين واجب على الحُكام.
وبعد الإدانة السابقة تحت مسمى (خلع الحجاب)، اِخترتُ زيًا كنتُ قد اِرتديته منذ بضع سنوات في مراسم ختام مهرجان فجر السينمائي الدولي، ونُشرت صورٌ ومقاطعٌ مصورةٌ ليّ وأنا أرتديه على شبكة المعلومات الدولية، ولم أتلق حينها أي تنبيه أو توبيخ أو حتى تلويح بالمنع من العمل في السينما.. بالنسبة ليّ كان أول ظهوري في مسلسل (السربداريون: سربداران) بهذا الطراز من الأزياء، ومن غير المعقول أن مِثل هذا الزي اليوم أصبح تهمةٌ شنيعةٌ، فما الذي يجب فعله إذن إن كان الفنان يواجه أحكامًا صارمة دائمًا؟!..
إنني أعتقدُ أن مسيرتي الفنية الممتدة على مدار سنوات ومكانتي الاجتماعية قد تعرضتا لكل أشكال سوء الفهم من جميع الجهات دون اقتراف أخطاء، وغُضت الأبصار وصُمَّت الأسماع عن كل محاولة للتوضيح والدفاع. في مِثل هذه الظروف لا أجدُ مفرًا سوى أن أعلن أنني أرى أنه من الصائب في هذا الوقت اعتزال مجال التمثيل (المُشين) –كما يراه النظام الإيراني– متمنيةً قضاء الأيام القليلة المتبقية ليّ في هدوءٍ بعيدًا عن جموع الغاضبين”.
وكانت بايجان قد أعلنت في 6 من يوليو عبر صفحتها الشخصية على “إنستجرام” عن استدعائها إلى النيابة العامة في 8 من يوليو بسبب اعتمار قبعة أثناء مشاهدة عرض غنائي في المسرح، حيث كتبت تقول:
“منذ شهرين توجهتُ إلى مسرح (شهرزاد) لمشاهدة العرض الغنائي (مقهى العشاق: كافه عاشقى)، وكنتُ أعتمر قبعةً تغطي جزءًا أساسيًا من رأسي، وتُظهِر جزءًا بسيطًا من شعري وعنقي فحسب، وخلف الكواليس سألني في نهاية العرض أحد القائمين عليه عن رأيي، فأجبته احترامًا لجهود الفرقة وعملهم الرائع، ونُشر على وسائل التواصل الاجتماعي مقطعٌ مصورٌ ليّ صوره هذا الرجل بهاتفه المحمول.
الآن أنا متهمة طبقًا للمادة 640 من القانون الإيراني بارتكاب فعلةٍ تخالف العفة والأخلاق العامة، ومع مطالعة هذه المادة استنتجتُ أنني لو ظهرتُ في الشارع دون حجاب، فسأخضع لنص المادة 638، ويتوجب علي دفع غرامة نقدية، أما لو ذهبتُ معتمرةً قبعةً إلى المسرح لمشاهدة عرضٍ، فسأعاقب بالحبس لمدة سنة؟؟.. ليس من السيئ أن ننظر حولنا في هذه المدينة، هل هذا الحجاب –المقصود القبعة– في طهران وفي محفل فني كقاعة مسرح يتعارض مع العفة والأخلاق العامة؟!.. إن الحُكم لأهالي طهران. لقد جاء في حيثيات الاتهام أن العقوبة المندرجة في نص المادة 638 مخففة بالنسبة ليّ، ويلزم التعامل معي بشدة لأنني فنانة!!.. لم أكن أعلم أن كوني فنانة جزء من العوامل المشددة في العقوبة.
جدير بالذكر أنني شاركتُ في مهرجان فجر السينمائي الدولي منذ عدة سنوات معتمرةً قبعةً، ونُشرت صورٌ لي على شبكة المعلومات الدولية، ولم أتلق حينها تحذيرًا أو إنذارًا، فهل أقرأ الغيب حتى أعلم أن هذا الطراز من الزي يعتبر اليوم جُرمًا؟!.. ذات يومٍ عندما كنتُ في ريعان الشباب في حِقبة الستينيات أدشن أول أدواري في مسلسل (السربداريون)، كان حجابي شعرًا مستعارًا يعلوه تاج فوق رأسي، وكان عنقي عاريًا. في ذلك الوقت لم يستدعني أحد إلى النيابة. لقد اُستدعيتُ إلى النيابة يوم السبت الموافق 8 يوليو في تمام الساعة 8 صباحًا”.

وقد أُدينت أفسانة بايجان طبقًا للمادة 640 من قانون العقوبات الإيراني، وهي مادة يُنظر إليها في ضوء المادة 638 الخاصة بعقوبة السفور فحسب. وقد جاء في نص المادة 638 أن النساء اللائي يظهرن دون حجاب شرعي في الأماكن العامة، يعاقبن بالحبس مدة تتراوح ما بين 10 أيام إلى شهرين، أو بدفع غرامة نقدية تتراوح ما بين 50 إلى 500 ألف ريال إيراني. وبعد التعديلات التي أُلحقت بقانون العقوبات الإيراني عام 2013، لم يعد ممكن تنفيذ هذه المدة من الحبس، فوفقًا للمادة 65، إذا كانت العقوبة القانونية تصل إلى 3 أشهر، لا تستطيع المحكمة أن تقضي بالحبس، لكن عليها النظر في عقوبة بديلة.
وكانت بايجان قد ظهرت في 30 من أبريل الماضي في مراسم تكريم الممثل الإيراني الكبير “آتیلا پِسیاني” دون حجاب مزينة أذنيها بحلق “الأسد والشمس” أمام عدسات المصورين والصحفيين، واُلتقت صورٌ عديدةٌ لها تداولها رواد مواقع التواصل الاجتماعي على نطاقٍ واسعٍ، وحظيت باهتمامهم بشكل كبير. كما حضرت الممثلة الإيرانية الشهيرة المعروفة بمواقفها المناهضة للنظام الإيراني “فاطمة معتمد آريا” هذه المراسم دون حجاب.
ويُذكر أن “الأسد والشمس” هما شعار الدولة الإيرانية على مدار عصورها التاريخية المختلفة والرمز المتوسط عَلمها قبل اندلاع الثورة الإيرانية عام 1979.
وفي 2 مايو أعلن المركز الإعلامي لشرطة طهران أن دعوى قضائية قد رُفعت ضد بايجان ومعتمد آريا عقب حضورهما مراسم تكريم آتيلا پسیاني دون حجاب.

أفسانة بايجان ودعم الحركة الاحتجاجية “امرأة، حياة، حرية”
كانت أفسانة يايجان قد ظهرت مع عدد من أبرز الممثلات الإيرانيات أمام عدسات المصورين والصحفيين دون حجاب أثناء الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها إيران منذ 9 أشهر اعتراضًا على الحجاب الإجباري، مما عرضها إلى ضغوط شديدة من قبل الأجهزة الأمنية شأنها شأن معظم الفنانات الأخريات.
وكانت هذه الاحتجاجات قد اجتاحت أنحاء إيران كافة عقب مقتل الفتاة الإيرانية كُردية الأصل “مَهسا (جينا/ ژینا) أميني” البالغة من العمر 22 سنة في 16 سبتمبر 2022، وذلك بعد اعتقالها من قبل “شرطة الأخلاق” المعروفة بأسماء “گشت اِرشاد: دورية التوجيه”، و”پلیس امنیت اخلاقی: شرطة الأمن الأخلاقي”، و”طرح ارتقای امنیت اجتماعی: برنامج تعزيز الأمن الاجتماعي”، بتهمة ارتداء الحجاب بطريقة “غير مثالية”، وتعرضها لضرب مُبرِّح على أيدي رجال الشرطة أدى إلى إصابتها بسكتة دماغية أودت بحياتها، لذا يلقب الشعب الإيراني هذه الشرطة بـ “دورية القتل”.

وقد استطاعت هذه الاحتجاجات أن تُزلزِل أركان النظام الإيراني وكادت تطيح به دون رجعة، حيث حظيت بدعم عدد كبير من السياسيين والمثقفين والفنانين داخل إيران وخارجها، وبلغ صداها أغلب بُلدان العالم. وفي أعقاب هذه المظاهرات الشعبية دُشنت في إيران حركة احتجاجية باسم “زن، زندگی، آزادى: امرأة، حياة، حُرية” منددةً بالحجاب الإجباري، ونُظمت العديد من المسيرات ظهرت فيها نساء إيرانيات دون حجاب أو وهن يقصصن شعورهن.
وقد دعمت أفسانة يايجان هذه الحركة الاحتجاجية كغيرها من الفنانات الإيرانيات، ونشرت صورةً لها دون حجاب في حسابها الرسمي على “إنستجرام”، وكتبت: “من أجل مصاحبة النور، من أجل النور، من أجل طريق منير”.
و“زن، زندگی، آزادى” هو شعار كُردي شهير يُكتب بالكُردية العربية (السورانية) في إيران والعراق (ژن، ژیان، ئازادی)، وبالكُردية اللاتينية في تركيا وسوريا (Jin, jiyan, azadî). وقد ظهر هذا الشعار لأول مرة في مطلع التسعينيات إبان حركة الاستقلال الكُردية بزعامة “عبد الله أوجلان” Abdullah Öcalan مؤسس حزب العمل الكُردستاني، وتحديدًا عام 1998 حينما اعتبر أوجلان النسوة أول أمة تم استعبادها في التاريخ، وقال: “طالما لم تتحرر المرأة لن يتحرر المجتمع.. امرأة، حياة، حرية.. تعني امرأة حُرة، ووطن حُر، ورجل حُر أيضًا”. ومن بعدها أصبح هذا الشعار شعارًا عالميًا يرمز إلى تحرير المرأة ومناهضة العنف ضدها، ترفعه النساء المطالبات بالحرية والمدافعات عن حقوقهن في كل مكان. والحقيقة لو أعدنا قراءة تلك الكلمات الثلاث بشكل مترابط ومتصل، سنجد أنها تكوّن عبارةً بديعة المعنى، عميقة المغزى، عظيمة الأثر، ألا وهي: “المرأةُ حياةٌ حرةٌ”..

مع تفاقم الأوضاع في إيران جراء هذه الاحتجاجات، أعلن النائب العام الإيراني “محمد جعفر منتظري” في 4 ديسمبر 2022 في تصريحات “مبهمة” عن حل “شرطة الأخلاق”، كما أعلن المتحدث باسم هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر “علي خان محمدي” في تصريحات “غير واضحة” أن مهمة دوريات ضمان الأمن الأخلاقي والاجتماعي –شرطة الأخلاق– قد انتهت، ويجب الاستعانة بأساليب أحدث وأسرع وأدق في التعامل مع العفة والحجاب.
وقد تداولت وكالات الأنباء المحلية والدولية ومنصات التواصل الاجتماعي وقتها تصريحات النائب العام الإيراني الخاصة بحل شرطة الأخلاق على نطاقٍ واسعٍ، واعتبرها البعض تراجعًا من قبل النظام الإيراني أمام الاحتجاجات الحاشدة التي شهدتها البلاد، وانتصارًا كبيرًا للمحتجين، كما اعتبرها البعض الآخر تهربًا من تحمل مسؤولية أفعال شرطة الأخلاق وتصرفاتها.
وكانت شرطة الأخلاق قد تأسست في إيران عام 2005، وبدأت عملها عام 2006، وهي تتولى اعتقال الفتيات والفتيان الذين يرتدون ملابس غير لائقة من وجهة نظر النظام الإيراني، لكن حل هذه الشرطة لا يعني تغيير القانون الخاص بالحجاب الإجباري.
وعلى الرغم من تصريحات المسؤولين الإيرانيين السابقين، أعلن المتحدث الرسمي باسم الشرطة الإيرانية “سعيد منتظر المهدي” في منتصف يوليو الماضي أن دوريات الشرطة ستنتشر في شوارع البلاد اعتبارًا من 16 يوليو للتعامل مع النساء اللائي يرتدين زيًا غير شرعي. وقال: “إن الشرطة من خلال دوريات راكبة وراجلة سوف تتخذ الإجراءات القانونية مع النساء اللائي يتعمدن الاستهانة بعواقب ارتداء زي غير شرعي وانتهاك الأعراف، وتقدمهن إلى المحاكمة القضائية، في حالة عدم امتثال هؤلاء النساء إلى أوامر الشرطة وتحذيراتها”.
وقبل تصريحات المتحدث الرسمي باسم الشرطة الإيرانية، أعلن عدد من وكالات الأنباء والوسائل الإعلامية والنشطاء الحقوقيين داخل إيران عن عودة مركبات (فان) مشابهة لمركبات شرطة الأخلاق تجوب شوارع العاصمة طهران. وفي تلك الأثناء انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي العديد من الصور تظهر فيها مركبات فان تحمل لوحات قوات الشرطة وشاراتها، لكن لونها يختلف عن لون مركبات شرطة الأخلاق. وقيل إن هذه مركبات لا حصر لها، وإن قوات الشرطة توبخ النساء غير الملتزمات بالحجاب الإجباري.
محاكمة أفسانة بايجان
على الرغم من أن أفسانة بايجان قد أعلنت اعتزالها التمثيل في 11 من يوليو، وهي مستاءةٌ من نظرة الازدراء الناظر بها النظام الإيراني إلى الفن والفنانين بشكل عام، بعد تعرضها إلى ملاحقات أمنية بسبب التعبير عن رأيها وحرية اختيار لباسها، لم يرتض النظام الإيراني بابتعاد بايجان عن أضواء الشُهرة والحياة العامة، ويطوي صفحتها إلى الأبد، حيث أعلنت وكالات الأنباء الإيرانية في 19 من يوليو –أي بعد أسبوع من اعتزال بايجان– أن القضاء الإيراني حكم عليها بالحبس التعزيري لمدة عامين مع إيقاف التنفيذ لمدة 5 سنوات بتهمة اعتمار قبعة وعدم الالتزام بقانون الحجاب الإجباري.
والتعزير في الفقه الإسلامي هو عقوبة تأديبية على معصية أو جناية لا حد فيها ولا كفارة، أو فيها حد لكن تخلف ركن من أركانها أو شرط من شروطها. والتعزير ليس فيه شيء محدد، وإنما يوكل إلى اجتهاد ولي الأمر، فيَضرب، أو يَسجن، أو يَفعل غير ذلك، مما يراه رادعًا عن المعصية. وتنقسم عقوبة التعزير إلى التعزير بالقول، والتعزير بالفعل.
ووفقًا لهذا الحكم، تُمنع بايجان من السفر خارج إيران لمدة عامين، وكذلك من استخدام شبكة المعلومات الدولية بصورة مباشرة سواء عن طريق الشرائح الإلكترونية أو خطوط الهواتف الثابتة والنقالة الخاصة بها أو بغيرها لمدة عامين.
وقد تضمنت حيثيات الحكم أيضًا، أن على بايجان مراجعة المراكز الرسمية للاستشارة والعلاج النفسي مرةً أسبوعيًا باعتبارها “مريضةً نفسيةً وشخصيةً معاديةً للمجتمع”، وتقديم شهادتها الصحية في نهاية الدورة العلاجية. كما عليها قراءة كتابٍ وتلخيصه بخط يدها في مدة أقصاها شهرين.
وعلقت وكالات الأنباء الإيرانية على الحكم قائلة: “إن الممثلة أفسانة بايجان قد حضرت منذ فترة من الوقت مراسم تكريم الممثل آتیلا پِسیاني دون الالتزام بالحجاب الإسلامي، ونشرت صورها سافرةً عبر شبكة المعلومات الدولية”.

ويُستشف من هذا الحكم وحيثياته، أن القضاء الإيراني لا ينظر إلى أفسانة بايجان على أنها مذنبة فحسب، بل جعل منها مريضةً نفسيةً تشكل خطرًا على المجتمع وتحتاج إلى علاج نفسي. وبهذا أصبح النظام الإيراني يوصم كل من يعارضه أو يختلف معه في الرأي بالجنون في مشهد عبثي يبعث على السخرية الممزوجة بالحسرة والأسف.
العمل ضد مصالح الدولة.. بث الفتنة وإثارة الرأي العام.. تنفيذ أجندات خارجية.. الاضطراب النفسي والجنون.. جميعها تهم تُلصق بالمعارضين في أنظمة العالم الثالث، حيث دول تحكمها أيديولوجيات دينية ومذهبية وعسكرية.
الفنانات الإيرانيات: منع من العمل وملاحقات أمنية واعتزال
أفسانة بايجان ليست أول ممثلة إيرانية مشهورة تعتزل التمثيل احتجاجًا على سياسات الحكومة وممارساتها القمعية وفرض الحجاب الإجباري على النسوة وسوء الأحوال الاجتماعية والاقتصادية في البلاد. ففي 10 يونيو الماضي أعلنت الممثلة الإيرانية الجميلة “هينجامة غازياني (هِنگامه قاضیانى)” اعتزالها التمثيل. وكانت غازياني قد دعمت الاحتجاجات المنددة بالحجاب الإجباري، واُعتقلت الخريف الماضي بعد نشر مقطعٌ مصورٌ لها وهي تخلع الحجاب في الشارع.
والضغوط على ممثلات السينما الإيرانية قد استمرت خلال الأشهر القليلة الماضية واُستخدمت فيها سبلٌ متعددةٌ، فكان الاستدعاء إلى النيابة العامة، والاعتقال، والمنع من العمل والسفر خارج البلاد، والضغط على المنتجين لعدم التعاون معهن من بين الإجراءات التي اتخذتها الحكومة الإيرانية ضد الممثلات.
علاوة على استخدم المؤسسات الشرطية والقضائية والأمنية للضغط على السينمائيين الإيرانيين عمومًا، فرضت وزارة الثقافة والإرشاد الإسلامي قيودًا عليهم مستخدمةً “هيئة الشؤون السينمائية والسمعية والبصرية” المعروفة اختصارًا باسم “هيئة السينما الإيرانية”؛ وهي هيئة فرعية تتبع وزارة الثقافة والإرشاد، وتتولي مسؤولية الرقابة على الشؤون السينمائية وشبكات العرض المنزلي. ففي منتصف أبريل الماضي أعلن وزير الثقافة والإرشاد الإيراني “محمد مهدي إسماعيلي”، أن الفنانين المعارضين –غير المتناغمين مع النظام– لن يُسمح لهم بالعمل، أما مَن يبدون منهم الندم والخِذلان، سيُسمح لهم بالعمل.
ومن ناحية أخرى أعلن وكيل إدارة التقييم والرقابة بهيئة السينما الإيرانية “حبيب إيل بيجي (حبیب ایل بيگی)” في 20 يونيو خلال رسالة إلى رئيس اتحاد منتجي السينما أنه على المنتجين ألا يستعينوا بالعناصر والممثلين الذين افتعلوا مشكلات بانتهاك الأعراف بطرق مختلفة. وحذر السيد “إيل بيجي” المنتجين قائلًا: “في حالة حدوث أي شكل من أشكال التعاون مع هؤلاء الممثلين، فإن المنتجين سيواجهون مشكلات عند الحصول على تصريح العرض، وسيكونون المسؤولين شخصيًا، وعليهم أن يتحملوا نتائج تصرفاتهم وعواقبها”.

ومع ذلك استمر ظهور الممثلات الإيرانيات في المحافل الفنية وهن سافرات، ففي 10 يوليو ذهبت ممثلة السينما والمسرح المخضرمة “جولاب آدينة (گُلاب آدينِه)” إلى عرضٍ مسرحيٍ دون حجاب وسط تشجيع وتصفيق حار من الجمهور.
كما اعتبرت المديرة التنفيذية لبيت السينما الإيرانية “مَرزية برومَند (مرضيه برومند)” في حديثٍ لها مع صحيفة “همميهن (المواطن)” أن تلفيق ملفات قضائية للسينمائيين “أمرٌ مسيئٌ”، وانتقدت مَن يسيئون الظن في إيران ويقرنون الحجاب بالعفة. وأشادت السيدة “برومند” بالفنانة “فاطمة معتمد آريا”، ووصفتها بـــ “سيدة السينما الإيرانية”.
وكانت معتمد آريا قد ظهرت في العديد من الأماكن العامة دون حجاب، وانتشرت صورها على مواقع التواصل الاجتماعي. كما شرعت منذ بداية هذا العام في زيارة أُسر المعتقلين السياسيين وضحايا الاحتجاجات المنددة بمقتل “مهسا أميني” والحجاب الاجباري في إيران.

کَتایُون رياحي، وبانتي بَهرام (پانتهآ بهرام)، وباران كوثري، وشقايق دهقان من بين ممثلات السينما والتليفزيون الإيراني اللائي ظهرن في الأشهر الأخيرة في مراسم وأماكن عامة دون حجاب، ورُفعت ضدهن دعاوى قضائية.
رحلة أفسانة بايجان في عالم الفن
ولدت الممثلة الإيرانية “أفسانة بايجان” في 16 يناير 1962 بالعاصمة الإيرانية طهران، واسمها كما يُكتب بالفارسية “اَفسانِه” يعني “قصة”، وهي تنحدر من أسرة عريقة خطى أغلب أفرادها في دروب السياسة، فجدها لأبيها “ميرزا جواد مؤتمن الممالك” كان نائبًا في مجلس الشورى الوطني –مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان الإيراني) حاليًا– خلال دورته الأولى، وكان جدها لأمها مستشارًا في المحكمة الإيرانية العُليا، كما كان جدها الأكبر لأمها “ميرزا محمد رضا مؤتمن السلطنة” إبان العصر القاجاري حاكم إقليم خُراسان، ونائب الملك في “مؤسسة العتبة الرضوية المقدسة” المسؤولة عن الإشراف على مرقد الإمام الثامن لدي الشيعة الاثني عشرية “عليّ بن موسى الرضا” والجهات التابعة له. ومع ذلك كان عم أبيها “فضل الله بايجان” من رواد المسرح الغنائي في إيران على النمط الغربي، أما أمها فكانت تهوى فن التمثيل لكن بسبب نشأتها في أسرة محافظة ومتشددة لم تستطع اقتحام هذا المجال.
لما بلغت أفسانة سن 15 عامًا، شاركت في مسابقة “ملكة جمال إيران” عام 1977 بتشجيع من أمها، واستطاعت الحصول على المركز الثاني “الوصيفة الأولى”، حيث فازت باللقب وقتها المرشحة النهائية عن كرمانشاه “جِلفة باليزبان (جلوه پاليزبان)”. وقد أُقيمت مراسم المسابقة في فندق هيلتون طهران تحت رعاية مجلة “المرأة اليوم (زَن روز)”، وتولى تقديمها المذيع المخضرم “ساسان كمالي”، وصوت إيران الخالد المطربة المخضرمة “جوجوش (گوگوش)”.
الملكة “تركان خاتون” في السربدايون
بدأت أفسانة رحلتها في عالم الفن وهي طفلةٌ صغيرةٌ تبلغ من العمر 11 عامًا، حيث حصلت على دورٍ صغيرٍ في الفيلم القصير “البوق” للمخرج “عليّ عليّ زاده” عام 1973، لكن أول تجربة احترافية لها في مجال التمثيل كان دورها في المسلسل المحبوب “السربداريون (سربداران)” من تأليف “كِيهان راهجوذار (كيهان رَهگُذار)”، وإخراج “محمد على نجفي” في أوائل الثمانينيات. الوجه الجميل، والشفتان الدقيقتان، والعينان اللوزيتان، والقد الممشوق جعل دور الملكة تركية الأصل “تركان خاتون” من نصيب ملكة جمال إيران “أفسانة بايجان”.

ويُعد مسلسل “السربدايون” أول عمل تاريخي ضخم يُنتج بعد الثورة الإيرانية عام 1979 بمشاركة نخبة كبيرة من الممثلين الإيرانيين المشهورين على الساحة الفنية آنذاك. بدأ تصوير المسلسل في أغسطس 1982، واستمر تصويره حتى أكتوبر 1983، وشرع عرضه اعتبارًا من 16 يناير 1984. تدور أحداث “السربدايون” حول انتفاضة جماعة من المعارضين في إقليم “خراسان” بزعامة الشيخ “حسن جوري” ضد ظلم الحُكام المغول (الإيلخانيين) وعُمالهم.
وقد عُرفت هذه الجماعة في التاريخ الإيراني باسم “السربداريون” أي “الفدائيون”، وقد استطاعت الاستقلال عن الدولة الإيلخانية عام 1337، وتأسيس دولتهم المستقلة في منطقة “بيهق” –سَبزفار (سبزوار) حاليًا– بخراسان. ويرجع تسمية هذه الجماعة باسم “السربداريون” لأنها كانت ترفع شعار: “نعلق رُءوسنا على المشانق، ولا نستسلم للذُل والهوان”، حيث إن (رأس) في الفارسية تعني (سَر)، و(مشنقة) تعني (دار)، وعلى هذا النحو يكون معنى الكلمتين مجتمعتين بحرف الجر الباء (مَن يضع رأسه على المشنقة) أي (الفدائي)، أما حرفا الألف والنون في نهاية الكلمة فهما أداة الجمع في الفارسية. والتركيب اللغوي لمصطلح (سربدار) يتشابه مع المقولة التي نتداولها في أحاديثا “ده شايل روحه على كفه”.
وقد استطاعت الفتاة الجميلة أفسانة بايجان ذات الـ 20 ربيعًا بأدائها القوي والمتمكن أمام ممثلين كبار أمثال: عليّ نصيريان، وسوسن تسليمي، ومحمد عليّ كيشافارز (محمد على كِشاورز)، وجَمشيد لايق، وأمين تارخ، وفيروز بهجت محمدي، أن تلفت إليها الأنظار بشكل كبير، وتبشر ببزوغ نجمةٍ جديدةٍ في سماء الفن الإيراني بعد الثورة.
نجمة السينما الإيرانية في حقبتي الثمانينيات والتسعينيات
في ثاني تجربة تمثيلية لها، تمكنت أفسانة بايجان عام 1985 من الحصول على البطولة النسائية في فيلم “المفقود (گُمشده)”. دور (أكرم) أمام الممثلين الكبيرين “فَرامَرز غریبیان (فرامرز قريبيان)” و”جمشید مشایخي” في هذا الفيلم مهد الطريق أمام بايجان لتصبح نجمة السينما الإيرانية في حِقبتي الثمانينيات والتسعينيات.
في تلك الفترة كانت الكثيرات من الممثلات الإيرانيات ينزوين في المنزل أو يُجبرن على ترك إيران، بسبب المتغيرات التي طرأت على صناعة السينما، وضيقت الخناق على السينمائيين، من حيث طرح الموضوعات وسبل تناولها في إطار ما أقره زعماء الثورة من قواعد نعتوها بـ “الإسلامية”، مما هيَّأ الأجواء لظهور نجمةٍ جديدةٍ لم تكن تنتمي إلى عهد ما قبل الثورة، فكانت بايجان من الممثلات المعدودات اللائي تألقن على شاشة السينما، وكُن عاملًا رئيسًا في ارتفاع إيرادات الأفلام في تلك السنوات.
فيلم “المفقود” من تأليف وإخراج “مهدي صَّبَّاغ زاده”، وشارك في كتابته “فِریدون جیراني”. عُرض الفيلم في دور العرض الإيرانية عام 1986، وتمكن من اكتساح شباك التذاكر آنذاك محققًا أعلى الإيرادات، وكان السبب الأساسي في هذا النجاح الكبير وجود ممثلة شابة جميلة الملامح تستطيع أن تلعب دور المرأة المقهورة في الأفلام الميلودرامية بحُنكةٍ شديدةٍ.
يروي فيلم “المفقود” قصة اجتماعية في إطار ميلودرامي لا يخلو من الإثارة والتشويق حول الطفل سعيد (إيمان خاني) الذي يضيع من والده مجيد أُستواري (فرامرز غريبيان) في الحديقة. ويمثل هذا الحدث المحور الأساسي في الفيلم ونقطة التحول في حياة والديّ الطفل، فالأم أكرم (أفسانة بايجان) كانت قد تركت المنزل غاضبةً، وتوجهت إلى منزل أبيها مدعيةً أن زوجها مجيد قد ضربها. في حين أنها تركت المنزل بعد شجارها مع مجيد بسبب اعتراضه على أخذها نقود من محفظته دون علمه. أما الأب مجيد الذي يعمل صرافًا في البنك، فقد اختلس 20 ألف تومان من عُهدته. خلال رحلة البحث عن الطفل حتى العثور عليه، يشعر الزوجان بما اقترفاه من ذنبٍ، فالأم كاذبة، والأب مختلس. على هذا النحو تتصالح أكرم مع مجيد، ويعيد مجيد الأموال إلى البنك.

عقب فيلم “المفقود”، توالت أعمال بايجان على شاشة السينما خلال فترة الثمانينيات دون انقطاع، وكان من أهم هذه الأعمال: “المدرسة الثانوية (دبيرستان)” من تأليف “حسين صفَّاري” وإخراج “أكبر صادقي”، و”دعني أعيش (بگُذار زِندگی کُنم)” من تأليف وإخراج “شاپور غریب (شاپور قريب)”، وشارك في كتابته “مهدي معدنيان” عام 1986، وهذا الفيلم كان الأعلى إيرادًا سنة عرضه. “نطاق الحب (حریم مِهروزي)” من تأليف وإخراج “ناصر غُلام رِزايي (ناصر غُلام رِضايى)”، وشارك في تأليفه “أصغر عبد اللهي”، و”التنظيم (تشكيلات)” من تأليف “مهدي جوراك (مهدى ژورَک)”، وإخراج “مانوتشهر مُصیِّريِّ (مَنوچهر مُصیِّرىّ)” عام 1987، و”طوبىَ” من تأليف وإخراج “خُسرو مَلِکان” عام 1989، و”فيلمان بتذكرة واحدة (دو فيلم با يک بلیط)” من تأليف وإخراج “داريوش فَرهنج (داريوش فَرهنگ)” عام 1991.
وقفت بايجان في هذه الأفلام أمام أبرز ممثلي هذه الفترة من الرجال أمثال: بيجن إمكانيان (بیژن اِمکانیان)، ومهدي هاشمي، ومجيد مظفري، وحبيب إسماعيلي، وإیرج رَاد، وأثبتت أنها ممثلةٌ مجتهدةٌ وقديرةٌ.
حصلت بايجان عن دورها في فيلم “فيلمان بتذكرة واحدة” على جائزة “الدبلومة الفخرية” كأفضل ممثلة دور أول من “مهرجان فجر السينمائي الدولي” في دورته الـ 9 عام 1991. وهذه الجائزة ثاني أهم جائزة يقدمها المهرجان بعد جائزة “السيمرغ البلورية”. ومهرجان فجر السينمائي هو أهم حدث فني يُعقد في إيران في مطلع شهر فبراير من كل عام بالتزامن من ذكرى الثورة، لذا أُطلق عليه اسم “فجر” أي “فجر الثورة”. انطلقت أولى دورات المهرجان عام 1983، ولا يزال مستمرًا حتى الآن.
بالإضافة إلى جائزة بايجان استطاع الفيلم “فيلمان بتذكرة واحدة” الاستحواذ على عددٍ من جوائز مهرجان فجر السينمائي في فئات أخرى، ففاز “مهدي هاشمي” بجائزة “السيمرغ البلورية” كأفضل ممثل دور أول، وفاز منتج الفيلم “غُلام رِزا مُعيِّري (غُلام رِضا مُعيِّرى)” بجائزتي الدبلومة الفخرية ولجنة التحكيم الخاصة (قسم مسابقة الفيلم الأول والثاني) كأفضل إنتاج سينمائي.
فيلم “فيلمان بتذكرة واحدة” يدور حول كواليس صناعة الأفلام وما يحدث بها من مشكلات. تبدأ الأحداث بعودة المخرج السينمائي (داريوش فرهنج) إلى إيران بعد سنوات طويلة من العيش في الولايات المتحدة، حيث يسعى إلى إخراج أول فيلم حركة له في البلاد، فتواجهه مشكلات عديدة لم يكن يتوقعها. بطل الفيلم يتعرض لحادثة ولا يستطيع استكمال التصوير، والبطلة تريد السفر إلى أمريكا بسبب خلافات عائلة، والمخرج يريد الانتهاء من التصوير في أسرع وقت حتى يلحق بالمهرجان… وتتوالى الأحداث.

من أنجح أفلام بايجان في فترة التسعينيات، فيلم “آلما” عام 1992، وهو من تأليف وإخراج “أكبر صادقي”، وشاركت في كتابته “تیرداد سخايي”. تلعب بايجان في الفيلم دور “آلما” التي ضاعت من أبيها پاشا (جمشید مشایخي) وهي طفلة صغيرة تبلغ من العمر 6 سنوات في المنطقة الحدودية الواقعة شمال إيران. وهذه المنطقة كانت تُتاخم جمهورية أذربيجان الاشتراكية السوفيتية (1921: 1990). يخبر يونس “بهروز زهرة فند (بِهروز زهره وند)” أحد معارف پاشا أن آلما قد شوهِدت في أذربيجان السوفيتية، وهي متهمة بالنشاط السياسي ضد الحزب الشيوعي ومحكوم عليها بالإعدام. يسعى پاشا بالتعاون مع يونس إلى دخول الأراضي الأذربيجانية، وينجحان في تهريب آلما من السجن، ويعود ثلاثتهم مرة أخرى إلى إيران بعد لم شمل الأب والابنة.
وهناك أيضًا فيلم “مريم وميتيل” عام 1993، وهو من تأليف وإخراج “فتح علي أوفيسي (فتح على اُويسى)”، وشارك في كتابته “جعفر فالي (جعفر والى)”. تلعب بايجان في هذا الفيلم دور “فِرشتِة”، وهي امرأة فقدت ابنتها الصغيرة، فيتعلق قلبها بالطفلة مريم (نِياز طارِمي). مريم تبلغ من العمر 6 سنوات، وفقدت هي الأخرى أسرتها في الحرب الإيرانية العراقية (1980: 1988)، وتعيش في دار الأيتام القائم أمام البناية القاطنة بها فرشتة. تسعى فرشتة بشتى الطرق إلى تبني مريم في زمنٍ لم يكن يقدم فيه الكثيرون على تبني الأطفال اليتامى.
الحضور الطاغي والمفعم بالحيوية لبايجان إلى جوار الطفلة الموهوبة نياز طارمي في هذا فيلم أكد أن بايجان لديها كاسمها حكايات كثيرة سوف تحكيها على شاشة السينما. العديد من النقاد يعتبرون دوري “فرشتة” و”آلما” من أفضل أدوار بايجان على شاشة السينما الإيرانية وأخالدها في ذاكرة المشاهدين.

لعبت بايجان في عام 1991 بطولة 4 أفلام؛ وهي: فرصة عمر “شانس زندگى” من تأليف وإخراج “شهریار پارسي پور”.. نقطة حراسة “قُرُق” من تأليف وإخراج “أحمد هاشمي”.. ذئاب جائعة “گُرگهای گُرسنِه” من تأليف “مهدي أحمدي” وإخراج “سیروس مُقدم”، بالإضافة إلى فيلم “فيلمان بتذكرة واحدة”. وفي عام 1992 لعبت بطولة 5 أفلام، وهي: هجوم سرطان البحر “حمله خَرچَنگها” من تأليف “سيد حسن هاشمي” وإخراج “بارفيز تأييدي (پرویز تأییدى)”.. الحالم “خوش خیال” تأليف وإخراج “مِهران تأییدي”.. عودة مجيدة “شکوه بازگشت” من تأليف “ناصر شاملو” وإخراج “سیروس مُقدم”.. اَتل مَتل توتوله “عسكر وحرامية” من تأليف “إيرج طهماسب” وإخراج “محمد جعفري”، بالإضافة إلى فيلم “آلما”. هذه المشاركة الواسعة لبايجان في الأفلام، جعلتها الممثلة الأكثر ظهورًا والأغزر إنتاجًا في تاريخ السينما الإيرانية بعد الثورة.
من أدوار بايجان التي لا تُنسى في منتصف التسعينيات، دورها الرائع في فيلم “الشقيقتان الغريبتان (خواهران غريب)” عام 1996. الفيلم من تأليف وإخراج “كيومرث پور أحمد”، وشارك في كتابته “أصغر عبد اللهي”، وهو مقتبس عن روايةDas doppelte Lottchen “لوتشن المزدوجة” للكاتب الألماني “إريش كستنر” Erich Kästner الصادرة عام 1949. وتعد هذه الرواية واحدةً من أشهر الأعمال الخاصة بأدب الطفل، حيث تُرجمت إلى العديد من اللغات بما فيها الفارسية على يد “عليّ پاك بين”، وقُدمت في العديد من الأفلام والمسرحيات حول العالم.
يروي الفيلم حكاية شقيقتين توءمتين في المرحلة الابتدائية انفصلتا عن بعضهما في سن الطفولة بسبب طلاق والديهما، حيث تعيش نَسرين (إلهه عليّ ياري) مع أبيها الملحن (خُسرو شَكيبايي)، ونرجس (إلهام عليّ ياري) مع أمها الخياطة (أفسانة بايجان). تمضي الأحداث على هذا النحو بإيقاع رتيب لا يحمل أية مفاجآت إلى أن تلتقي التوءمتان بالصدفة في برنامج ترفيهي تنظمه المدارس الابتدائية في المدينة، وتلاحظان تطابق الشبه بينهما، فتكتشفان أنهما توءمتان أخفى والديهما هوية كل منهما عن الأخرى. تقرر نسرين ونرجس تبادل الأدوار، فترجع نسرين إلى منزل الأم، وترجع نرجس إلى منزل الأب. تعسى الفتاتان إلى لم شمل والديهما مرة أخرى خاصة بعد أن قرر أبوهما الزواج بمساعدته ثريا (لادن طباطبايي). تختبئ نسرين ونرجس في منزل جدتهما لأبيهما “بارفين دُخت يزدانيان (پَروین دُخت یزدانیان)” التي تخفي بدورها مكان الفتاتين عن والديهما. خلال رحلة البحث عن التوءمتين، يتصالح الأب والأم معًا مُنحيين خلافاتهما جانبًا، حيث تتجمع الأسرة مرة أخرى بعد فراق طويل.

لعبت بايجان في هذا الفيلم دور والدة نسرين ونرجس، وهي امرأة وحيدة تعاني من متاعب الحياة، فتضطر إلى إعالة نفسها وابنتها بمشقة بالغة. قد تبدو هذه المرأة قوية من الظاهر، لكنها في الحقيقة هشة من الداخل. برعت بايجان في أداء دور الأم المُعِيلة، وقدمته في أروع حالاته الإنسانية، ولم يقل أداؤها عن الأداء المذهل للممثل الكبير “خُسرو شكيبايي” في دور الأب.
ضم الفيلم أغنيةً من أشهر الأغاني وأجملها غناءً بالأم في إيران، وهي أغنية “أمي (مادر من)”، كتب أشعارها “خسرو شكيبايي” و”کیومرث پور أحمد”، ولحنها “ناصر چشم آذر”. كما ضم مقطوعةً شعريةً مشهورةً بعنوان “عاد المطر بصحبة غنوة (باز باران با ترانه)” من نظم الشاعر “مجد الدين مير فخرايي” المتخلص بـ “جولتشين الجيلاني (گُلچین گُیلانی)”. ألف مجد الدين هذا القصيدة في لندن عام 1940، ويتحدث فيها عن ذكريات طفولته في غابات جيلان وطبيعتها الخلَّابة. ظلت هذه القصيدة تُدَرَّس في الكُتب الدراسية الخاصة بالمرحلة الابتدائية فترةً طويلةً من الوقت، كما أنشدها العديد من المطربين مصحوبة بالموسيقى أو دونها عبر مراحلٍ مختلفةٍ من التاريخ الإيراني. وقد قام شكيبايي بأداء الأغنية والقصيدة بصوته في الفيلم.
حصلت بايجان عن دورها في فيلم “الشقيقتان الغريبتان” على جائزة “الدبلومة الفخرية” كأفضل ممثلة دور أول من مهرجان فجر السينمائي الدولي في دورته الـ 15 عام 1997؛ وهي ثاني دبلومة فخرية تحصل عليها من مهرجان فجر بعد حصولها على الدبلومة الأولى عن دورها في فيلم “فيلمان بتذكرة واحدة” عام 1991.
كما استطاع هذا الفيلم اقتناص جائزتين مرموقتين من جوائز مهرجان فجر السينمائي، فحصد “كيومرث پور أحمد” جائزة “السيمرغ البلورية” كأفضل مخرج، وحصد “جمشید آهنجراني (جمشید آهنگرانى)” جائزة “السيمرغ البلورية” كأفضل مصمم ديكور وملابس.
ما بين عامي 1997 و1998، وقفت بايجان أمام الكاميرا في 9 أفلام، كان من أهمها: نابخشوده “لا مجال للغفران” من تأليف “محمد حسين لطيفي” وإخراج “إيرج قادري”.. مَرد عوضى “استبدال رجل” من تأليف “فرهاد توحيدي” وإخراج “محمد رِزا هُنرمند (محمد رِضا هُنرمند)”.. جهان پهلوان تختی “تختي بطل العالم” من تأليف وإخراج “بِهروز أفخمي”، وكان المخرج الكبير “عليِّ حاتمي” قد صوَّر جزءًا كبيرًا من الفيلم لكن نظرًا لوفاته، استكمال أفخمي تصوير المشاهد المتبقية.
الفيلم الأخير يتناول السيرة الذاتية للمصارع الإيراني الشهير “غُلام رضا تختي”، ويلقي الضوء على السبب الأساسي وراء موته؛ هل قُتل أم انتحر؟!.. شارك في بطولة الفيلم عدد كبير من النجوم الإيرانيين إلى جانب ممثلين كبار ظهروا كضيوف شرف كان من بينهم: أفسانة بايجان، وفاطمة معتمد آريا، وزري خوشكام (زهراء حاتمي)، وعزت الله اِنتظامي، وسعيد پور صميمي، وغيرهم.
عودة قوية في مقهى “نجيب محفوظ“
على الرغم من حضور أفسانة بايجان المكثف على شاشة السينما الإيرانية طيلة السنوات السابقة، لم تظهر في أي فيلم لمدة 6 سنوات اعتبارًا من عام 1999 حتى عام 2005، وانحسرت عنها الأضواء، حيث تقول عن هذه الفترة: “إن النسيان أفضل عندي من البقاء بأي ثمن”. ومع ذلك كان دور “فَريبا” في “مقهى النجمة (كافه ستاره)” عام 2006، عودة بايجان القوية على شاشة السينما.
فيلم “مقهى النجمة” من إخراج “سامان مُقدم”، وسيناريو وحوار السيناريست والممثل الإيراني اللامع حاليًا “پيمان مَعادي” الحائز على جائزة “الدُب الذهبي” كأفضل ممثل دور أول من مهرجان برلين السينمائي الدولي عام 2011، عن دوره في الفيلم الأيقوني “انفصال نادر عن سيمين (جدایى نادر از سیمین)” من تأليف وإخراج صائد الجوائز “أصغر فرهادي”، وهو أول فيلم إيراني يحصد جائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي عام 2012. والحديث عن پیمان وفرهادي يحتاج إلى صفحاتٍ عديدةٍ، فكلاهما وجهان مضيئان للسينما الإيرانية حاليًا، واسمان متداولان في المحافل السينمائية العالمية خلال السنوات الأخيرة.

الفيلم مقتبس عن رواية “زُقاق المدق” للأديب المصري العالمي “نجيب محفوظ” الصادرة عام 1947، ويروي في 3 فصول منفصلة متصلة حكايات 3 نساء يعشن في إحدى الأحياء القديمة بالعاصمة الإيرانية “طهران”، وكل فصل من فصول الفيلم مسمى باسم بطلته.
لعبت “أفسانة بايجان” بطولة الفصل الأول “فَريبا”، وهي امرأة في منتصف العمر عالقةً مع زوجها المدمن العاطل فِريدون “شاهرُخ فروتنیان” الذي يعاملها معاملةً سيئةً. تدير فريبا مقهى صغير ومتواضع يُسمى “مقهى النجمة”، وتعيل عن طريقه أمها العجوز “نيكو خِردمَند” وأخيها الشاب خُسرو “حامد بِهداد”.
ولعبت “هانية تفاسولي (هانيه توسلى)” بطولة الفصل الثاني “سالومة”، وهي فتاة جميلة تهوى الرسم، وترعى أباها الكفيف “مسعود ریجان (مسعود ريگان)”، وتساعد فريبا في المقهى. سالومة مخطوبة إلى إبي “بيجمان بازيغي (پِژمان بازِغی)” الذي يهيم بها عشقًا، ويمتلك ورشة تصليح سيارات. كل ما يشغل بال سالومة وتتمناه في هذه الدنيا الزواج بإبي، لكن بسبب الفقير وضيق الحال لا يتسنى لهما هذا الأمر. تتوالى المفاجآت على سالومة مما يجعلها تنجرف في طريق لا رجعة فيه.
أما الفصل الثالث “مُلوك” فلعبت بطولته “رؤيا تيموريان”. مُلوك امرأة في منتصف العمر، ثرية، تمتلك العقار القاطن به جميع أبطال الحكايات. تعاني من وحدةٍ قاتلةٍ، وتود الزواج، فيتعلق قلبها بشقيق فريبا الشاب خسرو غير مبالية بفارق السن بينهما.

على الرغم من أن فيلم “مقهى النجمة” مقسمٌ إلى 3 فصولٍ يحكي كل فصل منها حكاية ما، إلا أن الحكايات الـثلاث تتداخل معًا بشكل أو بآخر، فالشخصيات تتشارك الأحداث نفسها في كل حكاية، لكن يُسلط الضوء في كل حكاية على شخصٍ بعينه هو بطل هذه الحكاية. كما أن الحكايات تكمل بعضها بعضًا، فهناك أحداث في كل حكاية لا نعلم خاتمتها إلا في حكاية أخرى. هذا التكنيك الفني في السرد الدرامي يخلق نوعًا من التشويق، ويجعل المشاهد متلهفًا لمتابعة الأحداث الباقية حتى يعلم ماذا حل بهذه الشخصية؟، وما آل إليه هذا الحدث؟..
حقق فيلم “مقهى النجمة” نجاحًا كبيرًا وقت عرضه، ويعتبره عدد كبير من النقاد الإيرانيين، كالناقد المعروف “مسعود فراستي”، رئيس تحرير الفصلية المتخصصة في السينما والمسرح والفنون المرئية “فرم و نقد (الشكل والنقد)”، واحدًا من أفضل الأفلام الإيرانية في الألفية الثالثة، ويشيدون به كثيرًا نظرًا لجرأته وتطرقه إلى موضوعات شائكة في المجتمع الإيراني، قلما تُطرح على شاشة السينما أو يُسمح بطرحها في الأساس. كما يُعد الفيلم حلقة وصل بين جيلين من الممثلين الإيرانيين؛ جيل الكبار ممثلًا في أفسانة بايجان ورؤيا تيموريان وشاهرخ فروتنیان، وجيل الشباب ممثلًا في هانية تفاسولي وحامد بهداد وبيجمان بازيغي.
والحقيقة أن “مقهى النجمة” يُعد فيلمًا نسويًا خالصًا يطرح من خلال حكاياته الـثلاث عددًا من القضايا الخاصة بالمرأة الإيرانية لا تزال قائمة حتى الآن. “فريبا” المرأة المعيلة التي تلقى معاملةً سيئةً من زوج عاطل ومدمن. “سالومة” الفتاة البريئة التي تحلم بالزواج بمن تحب لكن الفقر يحول بينهما. “ملوك” المرأة العانس التي تمل من وحدتها وتريد الزواج برجل حتى إن كان يصغرها في السن.
هذه النماذج الثلاثة من النساء الإيرانيات لا يزلن موجودات حتى الآن، كما لا يزال طرح قضاياهن على شاشة السينما أمرًا غير مستحب من قبل النظام المتشدد في إيران.
وعلى الرغم من أن السيناريست “پيمان معادي” قد اهتم في فيلمه بالبُعد الإنساني – الاجتماعي من خلال طرح قضايا المرأة الإيرانية كما أسلفتُ القول، إلا أن هذا البُعد قد انتحى منحىً سياسيًا غير مباشر، حيث إن النساء الثلاث مجتمعات معًا يمثَّلن إيران الأرض والوطن والشعب، فإيران وليدة الثورة كانت تتمنى أن يأخذ بيدها آباؤها الشرعيون، فعششت طيور الظلام في ربوعها، والآن تتحسس خُطاها بحثًا عن يد تُخرِجها من الظلمات إلى النور. إيران هي “سالومة” الحالمة، و”فَريبا” المقهورة، و”مُلوك” الباحثة عن السعادة.

والمعالجة الدرامية التي قدمها “پیمان معادي” في “مقهى النجمة” تتشابه إلى حدٍ كبيرٍ مع المعالجة الدرامية التي قدمها السيناريست والكاتب المكسيكي “فيسينتي لينيرو” Vicente Leñero عام 1995 في الفيلم الإسباني الشهير “زقاق المعجزات” El callejón de los Milagros، والمعروف على نطاق التسويق التجاري عالميًا باسم “زقاق المدق” Midaq Alley، المقتبس هو الآخر عن رواية أديبنا العالمي “نجيب محفوظ”.
فيلم “زقاق المعجزات” من إخراج “خورخي فونز” Jorge Fons، ويمثل انطلاقة النجمة المكسيكية المحبوبة ذات الأصول اللُبنانية “سلمى حايك” Salma Hayek في السينما الإسبانية وانتشارها على الصعيد العالمي.
وتجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن السينما المصرية كانت سبَّاقةً إلى تقديم رواية “زقاق المدق” على شاشتها العريقة قبل سنوات طويلة من إقدام السينما المكسيكية والإيرانية على تقديم هذه رواية في عملٍ فنيٍ.
ظهر أفيش الفيلم المصري باسم “حميدة”، لكن تتراته حملت اسمي “حميدة” و”زقاق المدق”. تم إنتاج الفيلم عام 1963، وصاغ له السيناريو والحوار الكاتب الكبير “سعد الدين وهبة”، وأخرجه مخرج الروائع وصانع النجوم “حسن الإمام”، ولعبت بطولته نُخبة من ألمع النجوم المصريين في ذاك الزمان كان من بينهم: شادية، سامية جمال، صلاح قابيل، يوسف شعبان، حسن يوسف، وغيرهم. ويعد هذا الفيلم واحدًا من أروع أفلام السينما المصرية في عصرها الذهبي.
فيلم “زقاق المدق” في نسخته المصرية يتسق مع الرواية من حيث تسلسل الأحداث وتطور الشخصيات، فقد دون “نجيب محفوظ” روايته في ثوب سردي واحد وليست في فصول منفصلة معنونة بأسماء أبطالها مثلما جاء في الفيلمين المكسيكي والإيراني، ومن المؤكد أن السيناريست “پيمان معادي” شكل رؤيته الدرامية بناءً على الفيلم المكسيكي، ولم يطلع على الرواية الأصلية بقلم محفوظ.
رواية “زُقاق المدق” واحدةٌ من أروع أعمال “نجيب محفوظ” ومؤلفاته البكر النابضة بقلب الحارة المصرية، وتدور أحداثها في أوائل الأربعينيات إبان الحرب العالمية الثانية (1939: 1945) وتأثيرها على الشعب المصري الممثل في أهل “زقاق المدق” الطيبين المنعزلين عن العالم الخارجي بعالمهم الداخلي. وقد أفرد محفوظ جزءًا كبيرًا من روايته لشخصية “حميدة” الفتاة الجميلة المتمردة على واقعها الفقير والطامحة إلى حياة مرفهة.
و”المدق” زقاقٌ ينحدر إلى عطفة “الصنادِقيَّة” الواقعة في منطقة قاهرة المُعز الفاطمية، وقد سُمي بهذا الاسم لأنه يضم بين جنباته وكالات العطارة الكُبرى، حيث تُطحن وتُدق وتُباع وتُشرى بها صنوف البُهارات والتوابل المتنوعة.

كنعان والسنوات الأخيرة قبل الاعتزال
من الأدوار الرائعة التي لعبتها أفسانة بايجان في حِقبة الألفية الثالثة، دورها في فيلم “كنعان” عام 2008. “كنعان” من تأليف وإخراج “ماني حغيغي (مانى حقيقى)”، وشارك في كتابته “أصغر فرهادي”. لعبت بايجان في هذا فيلم دور “آذر” الشقيقة الكُبرى لمينا التي لعبت دورها الممثلة الإيرانية الجميلة والمحبوبة “ترانة عليّ دوستي”. آذر امرأة في منتصف العمر، وتعاني من مشكلات نفسية عديدة، تعود إلى إيران بعد سنوات من العيش في أوروبا، وتسعى إلى إصلاح علاقتها المتوترة مع أختها. في تلك الأثناء تقرر مينا الانفصال عن مرتضى “محمد رِزا فروتن (محمد رضا فروتن)” بعد 10 سنوات من الزواج، والذهاب إلى كندا لاستكمال دراستها، لكن مرتضى يسعى بشتى الطرق إلى إثنائها عن هذا القرار. وصول آذر من الخارج، وظهور صديق مينا ومرتضى القديم عليّ “بَهرام رادان”، واكتشاف مينا أنها حامل يُحدِث العديد من المفاجآت.

مع أن حضور بايجان السينمائي من بعد عام 2008 كان في أدوارٍ ثانويةٍ إلا أنه ظل مستمرًا، لكن بداية من عام 2015 وفيما بعد، وقفت بايجان أمام الكاميرا في 6 أفلام؛ كان أهمها: “نِگار” من تأليف “إحسان جودرزي (احسان گودرزى)” وإخراج “رامبد جوان” عام 2017، و”سياه باز (المحتال)” من تأليف وإخراج “حميد همتي” عام 2021، وهو أخر أفلامها على شاشة السينما.
لم تُبعِد السينما أفسانة بايجان عن الأعمال التليفزيونية، فمثلما بدأت أول أدوارها في مجال التمثيل في مسلسل “السربداريون”، حرصت على مشاركتها في أعمال تليفزيونية من حين لآخر. بلغ عدد المسلسلات التي شاركت فيها بايجان حتى العام الحالي ما يقرب من 20 مسلسلًا كان أشهرها: سرِنَخ “لعبة الكلودو” من تأليف وإخراج “کیومرث پور أحمد” عام 1996.. أيام الحياة “روزهاى زندگی” من تأليف وإخراج “سيروش مقدم”.. “نرجس” من تأليف “جابر قاسم عليّ” وإخراج “شاپور غريب (شاپور قريب)” عام 1998.. اِبقَ معي “با من بمان” من تأليف وإخراج “حميد لبخندِه”، وشارك في كتابته “بابك إعطا” عن فكرة لـ “ليلا مير هادي” عام 2003.. القلب “دل” من تأليف “بابك وميثم كايدان”، وإخراج “مانوتشهر هادي (منوچهر هادى)” عام 2019.. متاعب شيرين “دردسرهاى شيرين” من تأليف “مهدي طاهر” و”ياسين پور عزيزي”، وإخراج “سُهِيل موفغ (سُهِیل موفق)” عام 2021.. العفريت وجبين القمر “دیو و ماه پیشونی” من تأليف “مِهرداد کُورُوش نیا”، وإخراج “حُسين غناعت (حُسين قناعت)”؛ وهو أخر أعمال بايجان الدرامية على شاشة التليفزيون، وكان قد بدأ عرضه في 7 مارس الماضي على منصتي “فيلم نت” و”فيليمو”.

أما عن حياة أفسانة بايجان الشخصية، فقد تزوجت من المنتج والمخرج الإيراني الكبير “مصطفى شايستِه”، وأنجبت منه ابنها الوحيد “أمير عليّ” المقيم حاليًا في ولاية “ميتشغان” الأمريكية. يمتلك “شايسته” شركة إنتاج وتوزيع سينمائي تُعرف باسم “هدايت فيلم”، وهي الشركة التي أنتجت فيلمين من أجمل أفلام بايجان؛ “مقهى النجمة” عام 2006، و”كنعان” عام 2008.
تلك هي رحلة الممثلة الإيرانية الكبيرة “أفسانة بايجان” في عالم الفن؛ مسيرة حافلة من الأعمال السينمائية والتليفزيونية ناهزت نصف قرن من الزمان، لقبها الكثيرون من النقاد بنجمة السينما الإيرانية بعد الثورة والممثلة الأكثر ظهورًا على شاشة السينما، فقد دخلت بايجان عالم الفن ملكةً، وخرجت منه ناشطةً حقوقيةً تناهض الحجاب الإجباري وتعنيف المرأة في إيران، وما بين الدخول والخروج حظيت بحب الإيرانيين واحترامهم لموهبتها الكبيرة التي أدخلتها عالم الفن من أوسع أبوابه، وموقفها الجريء الذي اتخذته وتحملت عواقبه بشجاعة بالغة. اعتزلت بايجان عالم الفن لكنها ستبقى خالدة في ذاكرة الشعب الإيراني بأدوار ومواقف لن تُنسى، فإن كان كل إنسان له نصيبًا من اسمه، فمسيرة “أفسانة” الفنية كانت “قصة” ماتعة وشائقة.

خاص وكالة رياليست – د. محمد سيف الدين – دكتوراه في الأدب الشعبي الفارسي، وخبير في التاريخ والأدب الإيراني – مصر.