تعيش سوريا في هذا الأسبوع أجواءً من الهدوء الذي اخترقته الغارات الإسرائيلية الأخيرة، بالتزامن مع زيارة المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف إلى دمشق، في مشهد لا يخلو من إرسال رسائل إسرائيلية لأكثر من طرف، بعضها محرج بالنسبة لروسيا الرافضة لهذا الأمر، لكنها إلى الآن لم تعمل على وقفه.
رسائل العدوان الإسرائيلي
لم تتوقف إسرائيل عن غاراتها المستمرة على الأراضي السورية، والتي تصدت لها الدفاعات السورية في غالبيتها، وأخرجتها عن تحقيق أهدافها، وهذا ما يؤكد بأن تل أبيب لو حققت هدفاً من أهدافها ومنذ المرة الأولى لتوقفت عن هذه الممارسات، لكن المتابع لهذا الأمر، يجد أن هناك رسائل داخلية وخارجية تناور بها حكومة إسرائيل من خلال اعتداءاتها المتكررة على دمشق.
أولاً، الرسائل الداخلية: تحاول حكومة تل أبيب تحريف البوصلة الداخلية من خلال التوجه خارج حدودها، في ضوء فشل تشكيل الحكومة للمرة الخامسة، والواقع الداخلي وانتشار المظاهرات رغم تفشي فيروس “كورونا”، فضلاً عن ملفات الفساد التي تثقل كاهل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي قد يخضع للمسائلة القانونية ويفقد الحصانة التي يتمتع بها إذا لم تتشكل تلك الحكومة، وبالتالي، يتجهون إلى المسرح السوري، على اعتبار أن هناك أعداء على مقربة منهم يريدون حماية أمنهم القومي من خلال الاعتداءات المتكررة لكسب الشارع الإسرائيلي.
ثانياً، الرسائل الخارجية: الاعتداء الإسرائيلي الأخير جاء قبل ساعات قليلة من زيارة المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف، ولقائه الرئيس السوري بشار الأسد، حيث استهدفت الصواريخ الإسرائيلية منطقة بالقرب من مطار دمشق الدولي تحت زعم أن هناك مستودعات عائدة للجيش السوري تحوي أسلحة نوعية للقوات الإيرانية، أيضاً تزامن الاعتداء مع زيارة وزير الخارجية الإسرائيلي غابي أشكنازي إلى موسكو، والتي تزامنت مع وجود وفد حزب الله اللبناني في العاصمة الروسية أيضاً.
وحتى تمنع روسيا هذه الاعتداءات، تعلم أن إسرائيل وضعت شروطاً هي مرفوضة بالنسبة لدمشق، وهي ابتعاد القوات الإيرانية وعناصر حزب الله اللبناني مسافة 80 كلم من الجنوب السوري، هذا أمر لن توافق عليه سوريا بأي شكل من الأشكال، فكما روسيا هي حليف استراتيجي لدمشق، كذلك لعبت إيران وحزب الله دوراً مهماً في مكافحة الإرهاب طوال فترة الحرب وهي حليف لا يقل أهمية لدمشق عن موسكو، ما يعني أن العملية متداخلة ومن الصعب أن تذعن تل أبيب للطلب الروسي بتوقف الاعتداءات رغم مطالبتها دليلاً على ذرائع الحكومة الإسرائيلية من تواجد للقوات الإيرانية أو نقل شحنات أسلحة إلى حزب الله عبر سوريا، وإلى الآن هذا الدليل لم يُقدم من جانب تل أبيب.
يضاف إلى ما سبق، أن لإسرائيل هدفاً أساسياً وهو أنها تريد اختبار قدرات الدفاعات الجوية السورية، والتي حققت نجاحات باهرة حيث صدت أغلب الصواريخ الإسرائيلية ومنعتها عن إصابة هدفها، هذا يعيدنا إلى العدوان الثلاثي (الأمريكي – البريطاني – الفرنسي) العام 2018، في ولاية الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عندما صدت الدفاعات الجوية السورية، صواريخ العدوان من نوع “توماهوك” ما يعني أن إسرائيل لم تعد ذاك اللاعب المخيف في المنطقة رغم ما تملك من أدوات ودعم استراتيجيين.
ما سر العلاقة بين الولايات المتحدة وجبهة النصرة؟
تكرر اللقاء الأمريكي مع زعيم تنظيم هيئة تحرير الشام “جبهة النصرة سابقاً” أبو محمد الجولاني، بعد خلعه للزي العسكري وإلباسه اللباس المدني، لتصديره إلى الرأي العام العالمي، على أنه وجه مقبول وغير دموي، وتحويله وفصيله إلى منظومة “المعارضة المعتدلة”، هكذا هي النية، إلا أن كشف روسيا لمخطط دخول هذه الهيئة على خط التوتر الروسي – الأوكراني، غيّر من واقع هذه الصورة مباشرةً، سواء عبر تركيا أو أوكرانيا اللتين كانتا نقطتي عبور للإرهاب إن كان في سوريا أو في ناغورنو قره باغ، وغيرهما من المناطق، هذا الأمر سيجعل من الجولاني وفصيله المطلوب الأول لدى روسيا، ما يعني أن قواعد الاشتباك ستتغير بالمطلق في ادلب، بعد أن صرح الجولاني في مقابلته الأخيرة أن العلاقة مع الولايات المتحدة علاقة استراتيجية وأن الجبهة لا تشكل تهديداً لها.
هذا الأمر بدوره ينذر بدخول تركيا على خط الأزمة الروسية – الأوكرانية من خلال إرسال مرتزقة سوريين إلى المنطقة المتنازع عليها في منطقة دونباس على غرار ليبيا، وبالتالي، إن تلميع صورة الجولاني بهذا التوقيت سيفتح دائرة صراع، في سوريا وأوكرانيا معاً، خاصة أن الوضع الأرميني – الأذري رغم أهميته لكنه ليس بأهمية البلدين المذكورين بالنسبة لروسيا، لتكون هيئة تحرير الشام وكل الفصائل الإرهابية تحت مرمى غارات الطيران الروسي في سوريا، مع الإشارة إلى أن منطقة ادلب التي يتواجدون فيها محاصرة من جميع الجهات باستثناء الحدود المشتركة مع تركيا التي لم تلتزم بمعاهدتها أبداً مع روسيا لكن الماضي شيء والوقت الحاضر يشي بالكثير من التحولات، ومن مصلحة الجميع أن تغرق تركيا أكثر فأكثر في المستنقعات ذات الطابع الإرهابي الذي سينقلها مستقبلاً نحو عزلة دولية ستدفع نتيجتها جراء سياساتها الخارجية المدمرة للداخل التركي.
أخيراً، إن امتداد الأزمات خارج حدود الدولة السورية، وإن كان خطيراً، لكنه يصب في صالح سوريا بطريقة أو بأخرى، ما يكشف أكثر فأكثر الدور الأمريكي خصوصاً بعد خروج أصوات أمريكية داخلية كثيرة مثل بعض السيناتورات وبعض الباحثين السياسيين الذين كشفوا دور الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي يُعتبر امتداداً لحقبة الرئيس الأسبق باراك أوباما، والإدارات السابقة بأكملها، التي تحاول إرضاء إسرائيل بشتى الطرق، في حين أن سوريا اتجهت نحو حسم الكثير من الملفات منها عدم التعاون مع منظمة حظر الأسلحة الكيميائية التي تخضع لإملاءات دولية، بعيدة عن الحقائق.
إضافة إلى تأجيل الجولة السادسة من اجتماع اللجنة الدستورية رغم التعويل عليها، من قبل المبعوث الدولي إلى سوريا غير بيدرسون ووزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، لأن إملاءات الخارج أصبحت واضحة اليوم، على الرغم من أن التأجيل كان تحت زعم حلول شهر رمضان المبارك، لتكون سوريا أمام مرحلة مفصلية خاصة مع بدء التنقيب عن الغاز والبدء في تنفيذ مشاريع حيوية ستجعل من الغرب يعيد التفكير ويعيد حساباته لأن القوة الاقتصادية المقبلة على سوريا ستحدد طبيعة التحالفات المستقبلية والرابح من يستدرك الوقت قبل فوات الأوان.
فريق عمل “رياليست”.