تصدرت أعمال لجنة مناقشة الدستور في جنيف المشهد السوري لهذا الأسبوع، دون أن أية تطورات مفيدة في هذا الملف، يضاف إلى ذلك الدور التركي في تعزيز نقاط مراقبة جديدة له في جبل الزاوية بريف ادلب، وإستمرار تهريب النفط السوري شرقاً، بإتجاه العراق.
هل فشلت الجولة الرابعة لمناقشة الدستور في جنيف؟
إنتهت بالأمس الجولة الرابعة للجنة مناقشة الدستور السوري بين الوفد الوطني السوري برئاسة الدكتور أحمد الكزبري، وبين الوفد المعارض، والوفود الأخرى، إنتهت بتحديد موعد الجلسة المقبلة في الشهر القادم، أما على صعيد الإتفاق على الخطوط الأولى لهذا الملف، لم يتحقق منها شيء بسبب تعنّت موقف الوفد المعارض الذي يثير نقاط خلافية لا يمكن للدولة السورية أو الشعب السوري القبول بها.
كما أن إستعجال المبعوث الأممي غير بيدرسون الذي زار دمشق وإجتمع مع وزير الخارجية الراحل وليد المعلم، وإهتمامه بإنجاح الإجتماع الذي تأجل بسبب فيروس “كورونا”، يبين وكأن بيدرسون يملك عصا سحرية لإنجاح هذا الملف والذي يمس الدستور الذي هو عصب الحياة السياسية القائمة في سوريا، فلقد غادر الوفد الوطني البلاد، وفي جعبته ثوابت أساسية لا يمكن التخلي عنها، كالهوية السورية، وعدم النقاش نهائياً بأي مشروع إنفصالي، إضافة إلى إيجاد حلول سريعة تتعلق بالملف الإنساني وملف المهجرين السوريين، فإذا لم تكن هذه الثوابت أولوية بالنسبة للوفد المعارض فهذا يعني أن هذه الإجتماعات لن تحقق النتائج المرجوة منها، وبالتالي، الدوران في حلقة مفرغة إن بقيت المعارضة متمسكة بأجندات غربية مفضلة لديها على حساب المصلحة السورية، وبالتالي إنتهت الجولة الرابعة والتي إستمرت خمسة أيام كما الجولات السابقة دون إحراز أية تقدم ورغم الإنفتاح في النقاش لتذليل أي صعوبات، لكن نستطيع القول إن الأمور بقيت ذاتها “مكانك راوح”.
ما جديد الدور التركي في سوريا؟
بالنظر إلى التغييرات الميدانية في الشمال السوري بما يتعلق بنقاط المراقبة التركية، الجديدة منها والتي بلغت إلى الآن 15 نقطة في المنطقة الإستراتيجية بجبل الزاوية ومحيطه بريف إدلب شمال غرب البلاد، هذه الشرعة تأتي في سياق إستثمار المدة المتبقية من ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في حال حدوث أي طارئ، للتدخل ودعم حليفه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في ضوء عدم معرفة سياسة الرئيس المنتخب جو بايدن تجاه المنطقة.
بينما تتواصل المعارك بين القوات التركية والفصائل الإرهابية المنضوية تحت إمرتها شرق البلاد، ضد قوات سوريا الديمقراطية – قسد، ولها قرابة الأسبوع وإلى غاية كتابة هذا التقرير، وسط خطة تركية محكمة لعملية التغيير الديمغرافي وتهجيرهم من المنطقة وتوطين موالين لتركيا بدلاً منهم.
وفي سياقٍ متصل، ذكرت مصادر إعلامية أن تركيا التي تعتبر قسد منظمة إرهابية في العلن، شريكة لها من تحت الطاولة حيث تقوم الأخيرة بتهريب النفط السوري إلى الداخل التركي عن طريق مسؤولين في كردستان العراق، وهم شركاء في شركة “أصلان أوغلو” التركية، وإن صدقت المعلومات، هذا يعني أن هذه المعارك مجرد تعتيم على العلاقة الخفية التي تربط بين تركيا وتنظيم قسد المدعوم من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، وهو ما أدى بطبيعة الحال إلى معاناة الدولة السورية في نقص الموارد الأساسية من المحروقات والتي كانت تحصل عليها من التنظيم عبر شركة قاطرجي السورية، ما يفسر سبب الظلام الحالك والتقنين الجائر الذي يعاني منه الشعب السوري.
هل ستنسحب القوات الأمريكية من سوريا فعلاً؟
ذكرت وسائل إعلام عن إنسحاب القوات الأمريكية من الصومال، وهناك معلومات تتعلق بالعراق وأفغانستان حول الإنسحاب، الذي لم يتحقق بعد، لكن بما يخص الحالة السورية، فمع خروج عشرات الأرتال الأمريكية بإتجاه العراق، إعتقد البعض أن الإنسحاب محقق، لكن لم يمضِ الكثير من الوقت، حتى دخلت أرتال جديدة إلى مناطق سيطرة القوات الأمريكية في الشرق السوري، ما يضعف هذه الفرضية إلى حدٍّ كبير، وبالتالي، الإنسحاب من سوريا لن يتحقق، لأن الإستثمار قائم ومربح من بيع النفط السوري الخام، ولا تزال قاعدة التنف وسط البلاد تعج بالأمريكيين، ما يعني أن الوجود الأمريكي مرتبط بعوامل أخرى لا تتعلق بسوريا كأرض ودولة فقط، بل ترتبط بالوجود الإيراني في الداخل السوري، إضافة إلى إستمرار إستفزاز القوات الروسية العاملة في البلاد، فضلاً عن دعم القوات التركية، بينما قسد مجرد أداة للإستخدام تنتهي منها واشنطن مع إنقضاء المصلحة، وهذا كله في عهد ترامب، لكن عندما يستلم بايدن مقاليد الحكم، سيعمل على رأب الصدع الذي تسبب فيه سلفه، فمسألة الإنسحاب من عدمها غير واضحة المعالم، لكن القراءات الأولية تميل بإتجاه أن يكون بايدت ذي سياسة عقلانية ويجعل من الإنسحاب أمر واقع، مع الإبقاء على بعض القواعد الأمريكية لضرورات المرحلة والتي هي بطبيعة الحال غير شرعية، فالتحليل في هذا الإتجاه غير دقيق لضبابية المشهد بشكل عام، رغم أن السياسية الأمريكية لا تتبدل بتبدل الرؤساء.
أخيراً، إن التبدلات طفيفة في الوضع السوري، وكأنها هدنة مفتوحة الأمد ليس لأجل إعادة تموض أو ترتيب أوراق، بقدر ما هي جمود في هذا الملف، بإستثناء تركيا التي تحاول الإطباق شمالاً وشرقاً، لتثبيت وجودها وبالتالي المساومة مستقبلاً كالحالة الأرمينية – الأذرية، فإن لم تتحرك روسيا بالقريب العاجل سيكون من الصعب تلافي الخطر التركي مستقبلاً، في ضوء ما يعتري سوريا حكومة وشعب من أوضاع إقتصادية صعبة، يبدو أنها في إزدياد لا في تراجع، لأن وضع الأزمة السورية اليوم يحتاج إلى معجزة حقيقية للنهوض من الظروف التي سببتها كل القوى الأجنبية المسؤولة عنها.
فريق عمل “رياليست”.