على الرغم من الهدوء الذي يسود معظم الجبهات السورية، إلا من خروقات الفصائل الإرهابية المسلحة في شمال غرب، وشمال شرق سوريا، من حينٍ لآخر، يتخلل ذلك إستقدام تعزيزات عسكرية جديدة سواء للقوات الأمريكية وللقوات التركية.
اللعب بالنار
بعد أن أمهلت العشائر السورية قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية مهلة مدتها شهر، أبرز ما جاء فيها إنسحاب قوات سوريا الديمقراطية – قسد من مناطقهم ووقف ممارساتها الجائرة ضدهم، مع إستمرار المظاهرات الشعبية الغاضبة والمنددة، قامت قسد بقطع مادة الغاز التي كانت تصل إلى الأراضي السورية، ما سبب أزمة كهرباء جديدة، وبالتالي أثرت على واقع الكهرباء وزيادة كبيرة في ساعات التقنين، في محاولة للضغط على الدولة السورية، لكي توقف المظاهرات ضدها.
إلا أن ذلك لم يوقف العشائر السورية وحراكها ضدهم، بل تطور الوضع إلى ما هو أكثر من ذلك، خاصة بعد مقتل عدد من مشايخ العشائر السورية على يد عناصر قسد، فلقد طردت عشيرة البكارة، عناصر التنظيم من قرية جديد بكارة بريف دير الزور الشرقي، وإستولت على مقارها ومواقعها وصادرت أسلحتها بعد إشتباك مع مسلحيها أفضى بقتل وجرح عددٍ منهم، وإعطاب آليتهم، ونصب حواجز في القرية تحسباً لأي هجوم مباغت عليهم.
كما سيطرت عشيرة العكيدات والبكارة أيضاً على قرية جديدة عكيدات بريف دير الزور، وطرد قسد منها، واللافت هنا هو تعاون العشائر بعضها مع بعض في مواجهة تنظيم قسد ومسلحيه، في وقت يطرح تساؤلاً أن القوات الأمريكية أو التحالف الدولي لم تتدخل والتي هي قادرة أن تحسم الوضع لصالح قسد، ما يعني أنها وبعد مفاوضاتها الأخيرة مع العشائر السورية وخاصة أنهم يشكلون الجزء الأكبر من المنطقة، فهي ترسم ملامح تحالف معهم لإستثمارهم كبديل عن قسد، التي أصبحت مكلفة بالنسبة للولايات المتحدة، إذ يبدو أن التخبط بادٍ على القوات الكردية، وبدأت تشعر بفقدان السيطرة.
لا إستقرار مرتقب
إن عموم الجبهات السورية مستقرة، إلا الشمال والشرق السوري، جراء خروقات التنظيمات الإرهابية المسلحة، فمع توقيع الولايات المتحدة وقسد شراكة الإتجار بالنفط وحرمان الشعب السوري منه، وفرض عقوبات تمنع الدولة السورية من إستيراده، إلى الإستفزازت التي تقوم بها الفصائل الإرهابية الموالية لتركيا، والتي وصلت إلى حد قتل أصحاب المنازل والسيطرة عليها وسرقة محتوياتها، وصولاً إلى إستهداف قاعدة حميميم الجوية الروسية بريف اللاذقية بين الحين والآخر، كل هذه العوامل ستدهور الأوضاع في تلك المناطق، بعد بروز نشاط الإرهابيين الملحوظ خاصة تنظيمي جبهة النصرة وداعش، اللذين يحاولون عرقلة أي هدوء وبالتالي زعزعة الاستقرار، الذي من الممكن أن يسرع عملية إستكمال معركة إدلب، خاصة وأن جبهة الشرق أتجهت أيضاً نحو تصعيد عشائري غير مسبوق، ما يعني ملاقاة الجيش السوري للعشائر مستقبلاً أصبح أمراً واقعاً.
هذا ما أكدته المتحدثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا في مؤتمرها الصحفي الأسبوعي، وتيقظ روسيا للحراك الإرهابي ونشاطه مؤخراً، الأمر الذي اعتبرته لم يعد مقبولاً وهي التي تعلم أن أنقرة تستطيع وقفه متى ما أرادت، من هنا جاء تعليق الدوريات الروسية حتى تفي تركيا بإلتزاماتها، وهذا لن يحدث على الإطلاق، فلقد أنشأت القوات العسكرية التركية نقطة مراقبة جديدة في ريف اللاذقية، لدعم مسلحيها في ريف اللاذقية الشمالي، وهذا يعتبر إستثماراً ناجحاً لها، مباشرةً بعد تعليق الدوريات الروسية، يضاف إلى ذلك ما قام به الجيش السوري مؤخراً عندما ألقى القبض على خلايا داعشية تسللت إلى منطقة الفرات ليس بقصد التفجيرات أو القتال، بل بعد إعترافهم أكدوا أنهم كانوا بصدد جمع معلومات إستخباراتية عن مواقع روسية وإيرانية وسورية في مدينة الرقة شمال شرق سوريا.
ثنايا الخطاب
في خطاب الرئيس السوري بشار الأسد أمام مجلس الشعب السوري في دورته الثالثة، مرر عدداً من الرسائل التي يجب التنبه لها، ما يعني أن سوريا تعي لكل صغيرة وكبيرة، وبعد كل ما أصابها لن تسمح بتمرير أي أجندات مشبوهة على حساب عشر سنوات من عمرها، وأهم نقطة هي بما يتعلق بالدستور السوري وأن أي تلاعب به ووضع دستور يتماشى وطموحات الغرب لن يتحقق، فما عجزوا عنه في الميدان لن يحققوه في السياسة، والنقطة الأخرى، أن قانون قيصر وإن كانت مفاعيله بحسب إعتقاد الكثيرين أنها تمت بعد إعلانه، بل الواقع أن الحصار الاقتصادي كان قبل ذلك بكثير، وهذا القانون هو تتمة للإرهاب الاقتصادي الأمريكي والغربي على سوريا، وهو من جملة أشكال الإرهاب التي تعاني منها البلاد، وعليه المواجهة الحقيقية تكمن بالتسلح بما هو متاح على الأرض والإعتماد على الذات المحلية من زراعة وصناعة وإنتاج حاجة الشعب دون الحاجة للإستيراد كما يظن البعض، فالتلاعب بأسعار الصرف والعقوبات ومنع الإستيراد مضرة حتماً، لكن يمكن الحد منها من خلال أداوت الداخل المتوفرة.
ولم يخلو الخطاب من التطرق لمسألة “إسرائيل” وما تقوم به من إعتداءات على سوريا، وأذرعها الممتدة شمالاً وجنوباً وشرقاً، هذا الأمر ما هو إلا رسالة تؤكد أن فلسطين حاضرة في كل الساحات السورية، وأن لا تنازل عن الأسرى في المعتقلات أو عن شبر من الجولان السوري المحتل، فعلى الرغم من تطبيع العرب مع هذا الكيان، إلا أنه يخشى هذا المحور مهما حاول التلطي خلف الولايات المتحدة، وهذا حقيقةً العثرة الوحيدة في وجه تل أبيب.
من هنا، إن نقطة المراقبة التركية في ريف اللاذقية لعلها الأبرز من بين كل الأحداث التي حصلت في هذا الأسبوع خاصة وان الإرهابيين الموجودين جلهم من الإيغور، خاصة وأنها رابطت في نقطة كاشفة للطريق الدولي “إم -4” ومراقبته، الأمر الذي ستستغله حتماً لهجمات محتملة لقرب على الأقل ثلاثة مواقع للجيش السوري منها، وهذا سبب إضافي ستعمل روسيا على دعم إستكمال عملية تحرير إدلب، كل هذه التطورات تشي بعدم الاستقرار في الوقت الحالي، ولكن بنفس الوقت هي إستراحة محارب، خاصة وأن أيام قليلة تفصل عن الموعد الذي طرحه المبعوث الدولي غير بيدرسون إلى سوريا بخصوص اجتماع اللجنة الدستورية، ونتائج هذا الاجتماع من شأنها تسخين الميدان أو تهدأته، وإلى موعد ذاك الاجتماع، سيبقى الهدوء الحذر حاضراً في الساحات السورية بإستثناء دور العشائر وما تقوم به.
فريق عمل “رياليست”.