على الرغم من قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الانسحاب من سوريا، إلا أن بعض وكالات الأنباء الدولية مثل قناة روسيا اليوم و قناة العالم الإيرانية و وكالة سانا الحكومية السورية، كشفت عن تحضيرات لبناء قواعد عسكرية أمريكية جديدة، ومشتركة مع قوات التحالف الدولي، حيث أن الولايات المتحدة تسعى لإنشاء ثلاث قواعد عسكرية في القامشلي وريف دير الزور في شمال شرق سوريا.
نشاط أمريكي
إن إنشاء القواعد الأمريكية الجديدة في سوريا هذه المرة بعيدا عن المعارك وعن القضاء على تنظيم داعش، أو مساندة قوات سوريا الديمقراطية في حربها مع الأتراك، بل تعمّدت واشنطن إنشاء القواعد على مقربة من أكبر الحقول النفطية السورية، التي يبدو أنها محل إهتمام الولايات المتحدة، فبحسب تقارير إعلامية، أرسلت أمريكا تعزيزات وجنود وآليات عسكرية إلى المواقع الغنية بالنفط، في محافظتي الحسكة ودير الزور في الشرق السوري، فعلى الرغم من أن الانسحاب الأمريكي قد بدأ فعليا وتم إنسحاب 1000 جندي أمريكي، إلا أن الرئيس ترامب إحتفظ ببعض القوات وأرسل إلى المواقع المذكورة ما قوامه 250 جندي أمريكي، معللا ذلك بأن تلك القوات ستحمي الحقول النفطية.
موقف خجول
أما الموقف الروسي رغم تأكيده على أن واشنطن تسعى إلى سرقة النفط السوري، بحجة حمايته، حيث يتم إستخراج النفط تحت حماية أمريكية ويتم نقله في صهاريج تحميها المروحيات الأمريكية، الأمر الذي من شأنه أن يعيق إيجاد حلول سريعة للملف السوري، في ظل تجدد العثرات، والسيطرة على الموارد الاقتصادية السورية التي تشكل الحيز الأكبر من الدخل القومي السوري، إلى جانب الحصار الخانق، والعقوبات الاقتصادية التي لحقت بسوريا مع بداية الحرب في العام 2011 إلى الآن. يبقى هذا الموقف خجولا بعض الشيء نظرا لضخامة الحدث، إلا إذا إعتبرت موسكو أنه تقاسم نفوذ من نوع ما، فروسيا تملك قواعد في المدن الساحلية السورية، الأمر الذي رأته طبيعيا في أن تأخذ واشنطن قواعد لها في مناطق أخرى من البلاد.
تمركز القوات الأمريكية
لقد تمركزت القوات الأمريكية أثناء دعمها للقوات الكردية في شمال شرق سوريا، في كل من قاعدة تل أبيض الواقعة على الحدود السورية – التركية، والتي تضم ما قوامه 200 جندي أمريكي، وقاعدة عين العرب بعديد 300 جندي أمريكي، أما في قاعدة عين عيسى فكان عدد الجنود الأمريكيين 100 جندي، إلى جانب قاعدة جوية في منطقة هيمو في الرميلان على الحدود العراقية – السورية شرق مدينة القامشلي، إلا أن القاعدة الأكبر هي قاعدة التنف الواقعة على الحدود السورية – العراقية – الأردنية أو ما يعرف بـ “مثلث الموت”، والتي فيها أكبر مخيم للنازحين وهو مخيم الركبان.
فبعد أن إنسحبت القوات الأمريكية من بعض النقاط، ما لبثت أن أرسلت تعزيزات مجددا إليها، كقاعدة سبته جنوب مدينة عين العرب في ريف حلب، وقاعدة أخرى تقع بين مدينة القامشلي ومنطقة تل تمر، يأتي ذلك بالتزامن مع الانسحاب من كل من منبج وعين عيسى وعين العرب وتل أبيض.
نوايا واشنطن
إن ما ذكره الرئيس الأمريكي ترامب حول نيته الإبتعاد بقواته عن مناطق النزاع والتوتر ما هو إلا حلقة أولى للإستحواذ على ما هو أهم من حربٍ دائرة أو خسارة حلفاء كتركيا أو الأكراد، في مقابل السيطرة على أكبر الحقول النفطية في سوريا، إذ عززت أمريكا تواجدها في منقطة الشدادي التابعة لريف الحسكة والتي كانت معقلا لتنظيم داعش فيما سبق، وعلى مقربة من حقل العمر النفطي، وقاعدة في اللواء 113 شمال غرب دير الزور، إلى جانب تمركزها في منطقية هجين شرق دير الزور، وفي المواقع القريبة من مدينة سوسا على الحدود المشتركة مع العراق، هذا التواجد يؤكد أن واشنطن لن تخرج في الوقت الحالي وأن إرسال الآليات والجنود يدلل على أنه تمركز طويل الأجل، حتى تسترد نفقات دفعتها لقلب النظام وتغييره في سوريا من خلال دعمها لحركات إنفصالية وتنسيقها مع الأتراك لفتح الحدود ودخول كل أصناف الإرهاب العابر للقارات، إلى جانب دعمها اللامتناهي للأكراد، وكل ما سبق لن يستطيع إيفاء ذممه لواشنطن في ضوء فشل إسقاط الحكم في سوريا، فلابد من إيجاد مصادر أخرى للتعويض ولا أفضل من الحقول النفطية، إضافة إلى أن تلك المنطقة غنية أيضا بثروات معدنية أخرى كالفوسفات والغاز فضلا عن الثروة المائية والقمح، التي ستستحوذ عليها أمريكا طيلة تواجدها في تلك القواعد.
من هنا، يبدو أن الصراع في سوريا، هو صراع لتقاسم النفوذ الدولي، فالولايات المتحدة تنشئ قواعد جديدة للسيطرة على النفط والثروات الأخرى، وتركيا تريد ما يفوق الـ 40 كلم من سوريا على طول حدود تبلغ 900 كلم، وقسد تريد إقتطاع الشرق فيما لو لقيت إستمرار الدعم من واشنطن، فضلا عن تواجد القوات الروسية في قاعدة حميميم في ريف اللاذقية، وتواجد الإيرانيين، في أماكن غير معروفة، فالجميع يبحث عن مصلحته أولا وبعد 9 سنوات من الحرب الدائرة نستطيع أن نؤكد أن مصالحهم هي أولا وأخيرا، وأن لا حلول تلوح في الأفق، على الرغم من السعي السوري لذلك، إذ يبدو أن سوريا قطعت المرحلة الأولى من الحرب الدائرة مع الإرهاب، لتكون مع مواجهة دولية من نوعٍ أكبر في قادم الأيام.
فريق عمل “رياليست”