مع تطور العالم و انهيار الاتحاد السوفيتي، يقول قسطنطين كوريليف: “أصبح هناك عوامل جديدة لها تأثير سلبي على دول معاهدة الأمن الجماعي، ففي14 أكتوبر/ تشرين الثاني 2016 وأثناء انعقاد قمة معاهدة الأمن الجماعي في العاصمة الأرمينية، يريفان، تم تحديد الاستراتيجية المتبعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي حتى عام 2025، إذ اتفق قادة الدول المجتمعة حول الخطر الجديد المحدق بهم والتهديدات، من خلال سعي الغرب إلى اتباع تكتيك حول تطبيق أسلوب الثورات الملونة والحروب الهجينة، فدور الثورات الملونة يعمل على تدمير الدولة من الداخل عبر زعزعة الوضع السياسي والاستقرار من أجل تغير النظام السياسي الحاكم، لذلك وضعوا استراتيجيات تواجه هذه الثورات.
أوكرانيا “نموذجا”
منذ بداية اندلاع الأزمة في أوكرانيا، في ديسمبر/ كانون الأول 2013 اجتمعت دول معاهدة الأمن الجماعي، إذ كانوا مدركين أن ما يحدث في أوكرانيا هو دليل على خطر الثورات الملونة فسارعوا إلى مناقشة التهديدات والمخاطر والتحديات التي من الممكن أن تهدد دول الأمن الجماعي.
في هذا السياق، يقول قسطنطين كوريليف: “إن الثورات الملونة تعني نموذجًا خاصًا لتنفيذ انقلاب باستخدام الأساليب السياسية والإعلامية والنفسية بهدف التأثير على المجتمع، وهدفها النهائي هو تفكيك تام للدولة وتغيير السلطة، وإخضاع قرار البلاد وإدارته السياسية لجهة خارجية.
خلل أمني كبير
بالفعل إن هذا ما حدث في أوكرانيا بعد رفض الرئيس فيكتور يانوكوفيتش، توقيع أوكرانيا إتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي حدثت مواجهة عنيفة بين الثوار أصحاب السترات الملونة، والقوات الأوكرانية، وأدى ذلك للإستيلاء على مبانٍ إدارية، فنجح الإنقلاب في 21 فبراير/ شباط 2014 وإستولى المتطرفون القوميين على السلطة جراء ذلك.
لقد تحولت الأزمة الأوكرانية إلى مشكلة كبيرة لجهة تأثيرها بشكل مباشر على الأمن الأوروبي والنظام الدولي الكامل للعلاقات الدولية، إذ كشفت الأحداث في أوكرانيا عن الخلل الأمني في النظام الأوروبي بعد نهاية الحرب الباردة وحلف شمال الأطلسي “الناتو” ذو السياسة المعادية لروسيا.
بعد أحداث نهاية 2013 وبداية 2014 أصبح عاما حاسما لأوكرانيا حيث خرجت من التأثير التراكمي لانهيار للاتحاد السوفياتي وما الأحداث التي وقعت في أوكرانيا إلا بداية لتغيير سياستها بالكامل، ففي السابق كانت أوكرانيا تتبع سياسة متوازنة بين روسيا والاتحاد الأوروبي، أما حاليا أصبحت سياستها معادية تماما لروسيا ما أدى إلى نشوء حرب أهلية، من هنا، لم تبقَ الأحداث محصورة في أوكرانيا بل امتددت أيضا إلى رابطة الدول المستقلة.
لقد كان هذا الأمر صدمة كبيرة لرابطة الدول المستقلة، لأن أزمة العلاقات الأوكرانية – الروسية اصابت رابطة الدول المستقلة بالعجز التام حيث لم يتمكنوا من اتخاذ الإجراءات اللازمة لحل الازمة أو على الأقل المحاولة لعودة العلاقات بين البلدين الى طبيعتها.
تحديات
يرى قسطنطين كوريليف أن الأزمة الأوكرانية وضعت رابطة الدول المستقلة أمام تحدين:
الأول: يجب على أعضاء هذه الدول النظر بشكل جدي إلى الثورات الملونة ومدى إمكانية تطبيقها في أراضيهم، كي لا تتكرر أحداث أوكرانيا، إذ يكمن الخوف من آسيا الوسطى وسياستها ضد روسيا.
الثاني: إن بعض الدول لديها مشاكل حدودية مع روسيا خصوصا أستونيا وابخازيا منذ العام 2008 وأصبحت هذه المشكلة واضحة بعد استرجاع روسيا لشبه جزيرة القرم، إذ أن هناك خلافات حادة بين الجمهوريات السوفياتية السابقة في مشكلة الحدود.
ماذا بعد أوكرانيا؟
بعد الأزمة الأوكرانية تم تقسيم بلدان الدول المستقلة إلى ثلاث فئات، فئة تؤيد روسيا وأخرى تعارضها والفئة الأخيرة تنتظر بصمت إلى ما ستؤول إليه الأحداث.
من هنا يؤكد الكاتب أن فكرة انقسام رابطة الدول المستقلة وسياستها الخارجية تجاه روسيا يكون من خلال تصويتها في الأمم المتحدة حيث التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة هو نوع من “لحظة الحقيقة” والوفاء للصداقة بين الدول وتأكيد الحلفاء على سياستهم الخارجية.
فلقد إعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها رقم 68/262 بشأن السلامة (الإقليمية لأوكرانيا) بتاريخ 27 مارس عام 2014، لإجراء استفتاء حول موضوع شبه جزيرة القرم وسيفاستوبول.
ووفقا للتصويت، كانت أرمينيا وبيلاروسيا وروسيا من بين الأعضاء الـ 11 في الجمعية العامة للأمم المتحدة الذين صوتوا، أما كازاخستان وأوزبكستان فلقد إمتنعتا عن التصويت، لكن قرغيزستان وطاجيكستان وتركمانستان لم يصوتوا، وصوتت كل من أذربيجان ومولدوفا وجورجيا وأوكرانيا فقط لصالح القرار فقط، من بين الدول الأعضاء والقريبة من روسيا والتي صوتت لصالح روسيا أرمينيا وبيلاروسيا.
وتوصل الكاتب إلى نتيجة مفادها، ينبغي الاعتراف بأنه مع انهيار الاتحاد السوفياتي، ضاقت بشكل كبير دائرة البلدان في رابطة الدول المستقلة التي أنشئت للتفاعل والعلاقات مع روسيا. وهذا ما يؤدي إلى عدم وجود حلفاء ذو ثقة في معاهدة الأمن الجماعي مع روسيا حيث تواجه روسيا ظروف الحرب مع الغرب والحرب على الإرهاب الدولي والأزمة في أوكرانيا أيضا أدت الى إضعاف الثقة بين روسيا والدول المستقلة. فلم تضف الأزمة في أوكرانيا الثقة ، ولكن على العكس من ذلك ، زاد شعور عدم الثقة.
أخيرا، و من أجل عدم إنهاء مقالي بنظرة تشاؤمية، فمع بداية الأزمة الأوكرانية، اتخذت رابطة الدول المستقلة عددا من الخطوات نحو التكامل السياسي و العسكري في منظمة معاهدة الأمن الجماعي. ففي عام 2014، قررت قمة منظمة معاهدة الأمن الجماعي إنشاء قوة جوية جماعية. وفي عام 2015، تم إجراء فحص مفاجئ لاستعداد الوحدات العسكرية لقوات الرد السريع الجماعية التابعة لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي. وفي 2016 أنشئت منظمة معاهدة الأمن الجماعي مركزا لإدارة الأزمات من أجل مكافحة الثورات الملونة.
و هنا لا يسع المرء إلا أن يأمل في أن تتحقق النية الواردة في الاستراتيجية التي تم إقرارها حتى عام 2025 لمكافحة الثورات الملونة.
قسطنطين كوريليف- بروفيسور في التاريخ، جامعة الصداقة بين الشعوب، خاص لوكالة “رياليست” الروسية.