كما كان الحال عليه ابان الحرب العالمية الاولى والتي انتهت الى ماانتهت اليه اي بالقضاء على السلطنة العثمانية ودخول العالم في تحالفات دولية جديدة ادت في نهاية المطاف الى ظهور دول جديدة على انقاض الدولة العثمانية وابقاء ماتم الاتفاق عليه من جغرافية هذه الدولة تحت اسم تركيا .
وهنا لابد من الاشارة الى امر مهم للغاية ساعد على قيام الدولة العثمانية وهو العامل الديني الذي امتدت على اساسه هذه الدولة وغزت لعدة قرون مساحات واسعة سواء في القارة الاوربية او في اسيا وعلى رأس تلك الدول بالتأكيد الدول العربية التي سرعان مالبست الطربوش العثماني وسلمت نفسها وبشكل مطلق للباب الاعلى تحت اسم الدين الاسلامي، وبانتهاء الحرب العالمية الاولى والقضاء على هذا السرطان العثماني ظهرت من ضمن ماظهر اتفاقية سايكس بيكو والتي وضعت الحدود الوهمية للدول العربية والتي تمت المحافظة عليها الى يومنا هذا ، لتأتي الحرب العالمية الثانية وتعيد رسم خريطة اوروبا بالتحديد بشقيها الغربي والشرقي بما في ذلك الاتحاد السوفياتي .
ويمكن القول بانه وبعد انتهاء مايسمى بالحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي والتي ادت الى تفكيك الاتحاد السوفيتي السابق واعادة رسم الخرائط الجغرافية ليس فقط لدول الاتحاد السوفيتي وانما ايضاً لجميع دول المعسكر الشرقي وبدون استثناء لتبدأ في هذه اللحظة التحضير للحرب العالمية الثالثة ” الفصل الاول ” والتي اخذت شكلاً مختلفاً من حيث الشكل والمضمون ومن حيث خوض تلك الحرب باساليب يمكن اختصارها بالاقل تكلفة من الناحية المادية والبشرية فأخذت شكل ثورات ملونة وانقلابات سريعة استطاعت دول الناتو مجتمعة ان تعلن الانتصار في هذا الفصل من الحرب العالمية الثالثة فحققت بالدرجة الاولى اهدافها الطامحة الى حصار روسيا والتقرب اكثر فاكثر من حدودها الجغرافية بانتظار الاعلان عن فصل جديد الهادف الى السيطرة على روسيا وتقسيمها وتقاسم خيراتها ونلاحظ ان هذا الفصل من الحرب العالمية الثالثة قام على اساس رفع شعارات الحرية والديموقراطية والدفاع عن حقوق الانسان دون اي استخدام للدين الا باستثناء تقسيم يوغوسلافيا ، ولينطلق الجزء الثاني من الفصل الاول والمتمثل بمشروع الربيع العربي الذي قام على هدف ايصال الاسلاميين الى سدة الحكم في جميع البلاد التي لامسها الربيع العربي وقاد هذا الجزء تركيا بشكل اساسي نظراً لما لها خبرة واسعة وتأثير وهيمنة معينة وتاريخ حافل في السيطرة على عقول وقلوب الاسلاميين ” الاخوان المسلمين ” في تلك الدول والذين كانوا رأس الحربة في الربيع العربي الى جانب اخوانهم من التيار الوهابي وفي المحصلة النهائية كان كلا الطرفان يخدم المشاريع الغربية تحت شعار اسلمت الدول العربية.
وهنا لابد لنا من التذكير الى التنافس الحاد بين الوهابية والاخوان المسلمين في التغلغل داخل المجتمعات العربية وسباقهم في بناء المساجد وفتح المدارس ولابد من الاعتراف هنا على التفوق الذي حققته تركيا على دول الخليج فكان للجانب الاعلامي والثقافي والفني والتجاري والسياحي دوراً كبيراً في تسريع عملية التغلغل في مجتمعاتنا فاستطاع بذلك اردوغان زرع غدة سرطانية قوية ومهمة داخل هذه المجتمعات لاستخدامها في وقت لاحق كأداة لاعادة احياء السرطنة الاردوغانية وبسط الهيمنة الكاملة على قلوب وعقول جميع مكونات المجتمع العربي ، وفي نفس الوقت شعر اردوغان بان فشل الربيع العربي اصبح قاب قوسين او ادنى وان محاولاته لاعادة احياء السرطنة ” وليس السلطنة ” العثمانية في الوطن العربي لن يمر ولن تكتب لها الحياة لانه استند الى الدين بشكل اساسي كمدخل رئيس لهذا النفوذ.
وفي نفس الوقت كان يحاول زرع خلايا سرطنته الوهابية على اساس قومي وديني في الدول الناطقة باللغة التركية والتي كانت ايضاً يوماً ما تحت عباءة السرطنة العثمانية ، فاعاد احياء النعرة القومية والدينية في دول القوقاز واسيا الوسطى والتي نشاهد اليوم نتائجها من خلال بدء الفصل الثالث من الحرب العالمية الثالثة والتي ربما اذا لم يتم وضع حد وسد لطموحات اردوغان في اعادة احياء الدولة العثمانية، فستكون الشرارة الاولى لانطلاقة الحرب العالمية الثالثة الشاملة في دول اسيا الوسطى وفي ما وراء القوقاز ، وبكل تأكيد يشجعه على ذلك ويقف خلفه دول الناتو مجتمعة وبريطانيا منفردة والولايات المتحدة الامريكية على رأس دول الناتو اضافة الى دول الاتحاد الاوربي والتي لها هنا اهداف كثيرة اهمها درء شر اردوغان وخاصة بعدما استطاع زرع خلاياه الارهابية السرطانية النائمة على كافة اراضي الاتحاد الاوربي ومن جهة اخرى الطمع في السيطرة على خيرات اذربيجان وبحر قزوين ووضع حد لما يعتبرونه عودة روسيا القوية الى الساحة الدولية ومحاولة جميع دول العالم التقرب منها نظراً لمواقفها الثابيتة وقوتها العسكرية والاقتصادية ومد يد المساعدة لجميع دول العالم وخاصة التي اثقلها الفقر بسبب السياسات الغربية المهيمنة عليها .
وهنا لابد لنا من التذكير بان الدول الغربية مجتمعة اعطت الضوء الاخضر لحزب العدالة والتنمية بقيادة اردوغان وعناصره الارهابية بالتقدم باتجاه القوقاز لتحقيق هذه الاهداف واهمها اقحام روسيا بحرب مباشرة مع تركيا في جبهة ما وراء القوقاز مع تقديم جميع انواع الدعم الدبلوماسي والعسكري او على اقل تقدير غض الطرف عن تصرفاته الحمقاء الهادفة الى زعزعة استقرار القوقاز بشكل عام دون توجيه اية اتهامات له بذلك او حتى فرض عقوبات اقتصادية عليه والتي اصبحت مهمة شبه يومية من قبل الاتحاد الاوربي والولايات المتحدة في فرض العقوبات الاقتصادية على روسيا بسبب وبدون سبب .
وبمقابل ذلك نرى بان اردوغان نسي المطالبة بضم تركيا الى الاتحاد الاوربي وتوقف عن مطالبة الاتحاد الاوربية بالاموال مقابل منع تدفق اللاجئين الى اراضي الاتحاد الاوربي ولكنه لازال يذكرهم بامكانياته وبراعته في تحريك الخلايا الارهابية النائمة والتي زرعها في مختلف الدول الاوربية وامرها بافتعال احداث ارهابية واّخرها في فرنسا التي تم فيها ذبح مدرس .
اذاً الحرب العالمية الثالثة في فصلها الثالث يمكننا ان نقول بانها بدأت وبدأها اردوغان ولابد من اغلاق ملفها من قبل روسيا وبأسرع وقت ممكن وبأقل خسائر بشرية على اقل تقدير وهذا الامر يتم فقط عبر تلقين تركيا اردوغان درساً لن ينساه ليس فقط من خلال استهداف ارهابييه الذين جلبهم من سورية وليبيا الى منطقة القوقاز ” وهو امر يدخل ضمن عمليات القضاء على العصابات الارهابية والمصنفة على قائمة الارهاب الدولي ” ولكن ايضاً عن طريق طرده من سورية والقضاء على الارهابيين الذين يحميهم هناك عندها سنجد بان دول الناتو وفي مقدمتها دول الاتحاد الاوربي سيسارعون الى الانضمام لروسيا في هذا الفصل للقضاء على اردوغان وحكمه لان التخلص منه سيكون المدخل الحقيقي لاعادة الامن والاستقرار والحفاظ عليهما الى مختلف بقاع العالم وليس فقط الى منطقة القوقاز .
فالرئيس التركي اردوغان يمكن تصوير سياساته في مختلف بقاع العالم اليوم كالغدة السرطانية الخبيثة والتي لم تتجاوب للعلاج الروسي ” تفاهمات استانا واتفاقيات سوتشي وموسكو ” وكذلك وقاحاته السياسية مع دول الاتحاد الاوربي وعلى رأسهم فرنسا شريكته في حلف الناتو الى جانب دول الناتو الاخرى وحماقاته السياسية مع روسيا ايضا وبشكل خاص تصريحاته الاخيرة حول القرم الروسية ومغامراته الغازية في حوض شرق المتوسط وليبيا والعراق وحتى لبنان , كل هذه الحماقات والمغامرات تسمح لكل دولة من دول العالم والتي تريد الحفاظ على استقرارها الداخلي ومن ضمنها روسيا , ان تعتبر بان التخلص من الغدة السرطانية الاردوغانية غاية وهدف وان تعمل على تحقيق شعاراتها المتمثلة بالدفاع عن حقوق الانسان وخاصة من ناحية اقامة دولة كردية مستقلة على اراضي تركيا تحديداً للدفاع عن حقوق اكثر من 20 مليون كردي فيها فتصبح بذلك نتيجة الحرب العالمية الثالثة والتي عندها ستنتهي في فصلها الثالث قبل ان تنتقل الى فصل جديد اكثر رعباً وخراباً ودماراً واراقة للدماء من الحرب العالمية الثانية مع الحفاظ على النتائج التقليدية لاية حرب عالمية سابقة متمثلة في ظهور دول جديدة وحدود جديدة وعلى رأسها اعادة رسم الخريطة الجغرافية لتركيا والمتمثلة باقامة دولة كردية هناك.
خاص وكالة “رياليست” – د. فائز حوالة – موسكو.