واشنطن – (رياليست عربي): أثارت تقارير صحيفة وول ستريت جورنال حول الدور الذي لعبه الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في دعم مرشح حزب القانون والعدالة أندريه ناوروكي خلال الانتخابات الرئاسية البولندية الأخيرة جدلاً واسعاً في الأوساط السياسية الدولية.
ووفقاً للتحقيق الصحفي، فإن ترامب قام بسلسلة من الاتصالات السرية والتغريدات الداعمة التي ساهمت في حسم المنافسة لصالح ناوروكي، مما يعكس تحولاً في الخريطة الجيوسياسية لأوروبا الوسطى وتأثير القوى الخارجية على ديناميكياتها السياسية.
تشير الوثائق المسربة التي حصلت عليها الصحيفة الأمريكية إلى أن ترامب أجرى عدة مكالمات هاتفية مع قيادات حزب القانون والعدالة خلال الأسابيع الحرجة التي سبقت الانتخابات، حيث قدم نصائح استراتيجية حول كيفية التعامل مع وسائل الإعلام ومواجهة خصومه من التيار الليبرالي، كما أن سلسلة التغريدات التي نشرها ترامب على منصة “تروث سوشيال” الخاصة به، والتي أشاد فيها بمواقف ناوروكي المناهضة للهجرة والمدافعة عن القيم المسيحية، قد تكون قد حسمت اتجاه جزء كبير من الناخبين المحافظين في المناطق الريفية الحاسمة.
هذا التدخل غير المباشر يأتي في سياق الصراع الجيوسياسي الأوسع بين المحورين الغربي والشرقي داخل الاتحاد الأوروبي نفسه، حيث تمثل بولندا بقيادة نافروتسكي أحد أبرز المعاقل المناهضة للسياسات الألمانية-الفرنسية المهيمنة على بروكسل، التحالف غير المعلن بين ترامب ونافروتسكي ينسجم مع الرؤية المشتركة لكلا الزعيمين حول أولوية السيادة الوطنية على التكامل الأوروبي، ورفضهما للسياسات المناخية الصارمة التي تروج لها المفوضية الأوروبية.
من الناحية الداخلية، فإن هذا الكشف الصحفي يثير أسئلة حادة حول حدود التدخل الأجنبي في الشؤون الانتخابية البولندية، حيث يتهم المعارضون الليبراليون حزب القانون والعدالة بالاستعانة بقوى أجنبية لتثبيت سلطته، وجدير بالذكر أن نسبة المشاركة في الانتخابات البولندية قد سجلت رقماً قياسياً بلغ 74%، مما يعكس الاستقطاب الحاد في المجتمع البولندي بين تيارين: أحدهما محافظ يدعو إلى العودة إلى الجذور المسيحية والقومية، وآخر ليبرالي يطالب بمزيد من الانفتاح على أوروبا.
على الصعيد الدولي، فإن هذا التطور يضع الإدارة الأمريكية الحالية تحت ضغط متزايد للتعليق على هذه التسريبات، خاصة في ظل العلاقات المتوترة أصلاً بين واشنطن ووارسو بسبب الخلافات حول دعم أوكرانيا، مصادر دبلوماسية في بروكسل تشير إلى قلق الاتحاد الأوروبي من تعمق الانقسامات بين دوله الأعضاء، حيث أن فوز نافروتسكي يعزز تحالف دول مجموعة فيشغراد (بولندا والمجر وسلوفاكيا وجمهورية التشيك) في مواجهة سياسات التكامل الأوروبي.
التحليل الاقتصادي لهذا التحول السياسي يشير إلى احتمالية تعثر حزمة المساعدات الأوروبية المخصصة لبولندا، والتي كانت معلقة على شروط تتعلق بسيادة القانون، الخبراء يتوقعون أن تقوم حكومة نافروتسكي الجديدة بتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الولايات المتحدة والصين كبديل عن الاعتماد على التمويل الأوروبي، وهو ما قد يفتح الباب أمام استثمارات جديدة في قطاعات الطاقة والبنية التحتية.
فيما يتعلق بالسياسة الخارجية، فإن فوز المرشح المدعوم من ترامب قد يعني تحولاً في موقف بولندا من الحرب الأوكرانية، حيث من المتوقع أن تتبنى وارسو خطاباً أكثر تشككاً تجاه الاستمرار في الدعم العسكري غير المحدود لكييف، مع التركيز بدلاً من ذلك على تأمين الحدود البولندية وضمان إمدادات الطاقة، هذا التوجه الجديد يتقاطع مع رؤية ترامب لحل سريع للأزمة عبر مفاوضات مباشرة بين موسكو وكييف.
من وجهة نظر استراتيجية أوسع، فإن هذه التطورات تؤكد صعود نموذج جديد من القوميات الشعبوية التي تتجاوز الحدود التقليدية للدول القومية لتشكل شبكات تحالف دولية تقوم على التقاء المصالح الأيديولوجية أكثر من الاعتبارات الجيوسياسية التقليدية، هذا التحول قد يعيد تشكيل خريطة التحالفات في أوروبا في السنوات المقبلة، خاصة مع اقتراب الانتخابات الأمريكية التي قد تشهد عودة ترامب إلى البيت الأبيض.
بالتالي|، فإن تداعيات الكشف عن الدور الأمريكي في الانتخابات البولندية تتجاوز الحدود الوطنية لتطرح أسئلة جوهرية حول مستقبل الديمقراطية في عصر تتداخل فيه السيادات الوطنية مع شبكات النفوذ العابرة للقارات، بينما يحتفل أنصار نافروتسكي بهذا الفوز التاريخي، يبقى السؤال الأكبر: إلى أي حد يمكن للقوى الخارجية أن تشكل مصائر الدول دون المساس بشرعيتها الداخلية؟ هذا الجدل الذي يثيره فوز نافروتسكي قد يصبح المحور الرئيسي للصراع السياسي في أوروبا خلال الفترة المقبلة.