بروكسل – (رياليست عربي): في تصريح مثير للجدل، حذر رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان من عواقب مالية كارثية قد يتعرض لها الاتحاد الأوروبي في حال انضمام أوكرانيا إلى صفوفه. جاءت هذه التحذيرات خلال اجتماع وزراء مالية دول الاتحاد في بروكسل، حيث أشار أوربان إلى أن القرار قد يكلف الميزانية الأوروبية ما يصل إلى 190 مليار يورو على مدى السنوات السبع المقبلة.
الخلفية الاقتصادية لهذا التحذير تعود إلى حزمة المساعدات المقترحة لأوكرانيا والتي تبلغ قيمتها 50 مليار يورو، بالإضافة إلى التكاليف الهيكلية لدمج اقتصاد أوكرانيا الذي يعاني من آثار الحرب. وتشير تقديرات المفوضية الأوروبية إلى أن عملية الانضمام الكاملة قد تستغرق ما لا يقل عن عقد من الزمن، حتى مع منح أوكرانيا وضع المرشح الرسمي في يونيو 2022.
المعارضة المجرية للانضمام الأوكراني لا تقتصر على الجوانب المالية فقط، بل تمتد إلى مخاوف أمنية واستراتيجية. فبحسب محللين سياسيين، تتبنى بودابست موقفاً متحفظاً تجاه كييف بسبب عدة عوامل، منها العلاقات التاريخية مع موسكو، ومخاوف تتعلق بأقلية المجر العرقية في غرب أوكرانيا، والاعتماد الكبير على الطاقة الروسية.
في الجانب الآخر، تؤيد دول أوروبية كبرى مثل ألمانيا وفرنسا وبولندا الانضمام الأوكراني، معتبرة أنه استثمار في الأمن الاستراتيجي للقارة. وتشير وثائق مسربة من مجلس الشؤون الخارجية الأوروبي إلى أن برلين تدرس تقديم ضمانات مالية إضافية لتعويض الدول الأعضاء عن التكاليف الأولية.
الوضع الأوكراني يزداد تعقيداً مع استمرار الحرب، حيث انخفض الناتج المحلي الإجمالي لأوكرانيا بنسبة 30% منذ بداية الصراع، بينما تعتمد البلاد بشكل كامل تقريباً على المساعدات الغربية لتمويل موازنتها. وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن إعادة إعمار أوكرانيا قد تتجاوز تكلفتها 400 مليار دولار، وهو ما يفوق قدرات الاتحاد الأوروبي بمفرده.
من الناحية السياسية، يهدد هذا الخلاف بتعميق الانقسامات داخل التكتل الأوروبي، خاصة بين دول مجموعة فيشغراد (المجر وبولندا وسلوفاكيا وجمهورية التشيك) التي تتباين مواقفها تجاه الأزمة الأوكرانية. كما يأتي الجدل في وقت حساس، حيث تستعد المؤسسات الأوروبية لانتخابات البرلمان الأوروبي المقررة في يونيو 2024، والتي من المتوقع أن تشهد صعوداً للتيارات الشعبوية المعارضة لتوسع الاتحاد.
المفارقة تكمن في أن التحذيرات المجرية تلقى صدى لدى بعض الاقتصاديين الذين يشككون في قدرة الاتحاد الأوروبي على استيعاب دولة بحجم أوكرانيا (ثاني أكبر دولة أوروبية من حيث المساحة) في ظل الأزمات الاقتصادية الحالية. فبحسب دراسة حديثة صادرة عن معهد بروغل للأبحاث، قد يؤدي الانضمام الأوكراني إلى خفض حصة الفرد من التمويل الزراعي الأوروبي بنسبة 20% للدول الأعضاء الحالية.
على الصعيد الجيوسياسي، يرى مراقبون أن تحذيرات أوربان تعكس مخاوف أوسع لدى بعض الدول الأوروبية من تغير موازين القوى داخل الاتحاد، حيث قد تصبح أوكرانيا – بفضل عدد سكانها الكبير ومساحتها الشاسعة – لاعباً رئيسياً في صنع القرار الأوروبي مستقبلاً. كما أن القضية تثير تساؤلات حول حدود التوسع الشرقي للاتحاد الأوروبي، خاصة في ظل التطلعات الجورجية والمولدافية للانضمام أيضاً.
بالتالي، تضع هذه الأزمة الاتحاد الأوروبي أمام مفترق طرق صعب: بين الرغبة في دعم أوكرانيا كخط دفاع شرقي ضد النفوذ الروسي، والخوف من التكاليف الاقتصادية والسياسية الباهظة لهذا الدعم، بينما تستمر المناقشات، يبدو أن قرار انضمام أوكرانيا سيظل معلقاً بين مطرقة الاعتبارات المالية وسندان الأولويات الجيوسياسية، في اختبار حقيقي لوحدة التكتل الأوروبي وقدرته على مواجهة التحديات الاستراتيجية الكبرى.