موسكو – (رياليست عربي): تشهد الساحة الدولية تطوراً بالغ الخطورة مع تصريحات مسؤولين روس عن قرب انتهاء الحظر الطوعي الذي تفرضه موسكو على نشر صواريخ RSMD (نظام الصواريخ المتوسطة والقصيرة المدى).
هذا القرار المتوقع يأتي في وقت تشهد فيه العلاقات الدولية توتراً غير مسبوق، خاصة في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا والتوسع المستمر لحلف الناتو شرقاً. تعود جذور هذه الأزمة إلى انهيار اتفاقية INF التاريخية عام 2019، عندما انسحبت الولايات المتحدة متهمة روسيا بانتهاكها، لترد موسكو بالانسحاب أيضاً، ومنذ ذلك الحين، ظلت روسيا تلتزم بحظر طوعي على نشر هذه الصواريخ، لكن التصريحات الأخيرة تشير إلى نهاية وشيكة لهذا الوضع.
تتعدد الأسباب التي تدفع روسيا نحو هذه الخطوة الجريئة، يأتي في مقدمتها التوسع المتسارع لحلف الناتو الذي شهد مؤخراً انضمام فنلندا ويستعد لانضمام السويد، ناهيك عن التهديدات المستمرة بانضمام أوكرانيا، كما أن نشر الولايات المتحدة لأنظمة صواريخ متطورة في أوروبا وآسيا يمنح موسكو المبرر الكافي للرد بالمثل، ولا يمكن إغفال التطور التكنولوجي الهائل في مجال الصواريخ، خاصة مع نجاح روسيا في تطوير أنظمة هايبرسونيك متقدمة تجعل من الصواريخ المتوسطة المدى أداة استراتيجية بالغة الفعالية.
ستكون لخطوة روسيا هذه تداعيات بالغة الخطورة على الأمن الدولي، خاصة في القارة الأوروبية. فبإمكان هذه الصواريخ أن تصل إلى عمق الأراضي الأوروبية في دقائق معدودة، مما يزيد بشكل كبير من خطر المواجهة المباشرة بين روسيا وحلف الناتو. وقد تتحول دول مثل بولندا ورومانيا، التي تستضيف أنظمة الدفاع الصاروخي الأمريكية، إلى أهداف استراتيجية محتملة. كما أن هذا التطور قد يدفع العديد من الدول الأوروبية إلى المطالب بنشر المزيد من الأسلحة النووية الأمريكية على أراضيها، مما سيسرع من وتيرة سباق التسلح في المنطقة.
على الصعيد الدولي، من المتوقع أن تندد الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيون بهذه الخطوة الروسية، وربما يردون بتعزيز ترسانتهم الصاروخية في أوروبا، كما ستشهد أروقة الأمم المتحدة جولات جديدة من المواجهات الدبلوماسية الحادة بين القوى الكبرى، ومن المرجح أن تقف الصين، التي تمتلك بدورها ترسانة كبيرة من الصواريخ المتوسطة المدى، إلى جانب الموقف الروسي بشكل غير مباشر، مما سيعمق الانقسام في الساحة الدولية بين المعسكرين الغربي والشرقي.
في ظل هذه التطورات، تبرز عدة سيناريوهات محتملة للمستقبل القريب. قد تشهد الفترة المقبلة أزمة دبلوماسية حادة تليها مفاوضات جديدة للحد من التسلح، أو ربما ندخل في سباق تسلح جديد يشبه حقبة الحرب الباردة، لكن الأسوأ هو احتمال حدوث تصعيد عسكري غير متعمد في ظل الظروف المتوترة بالفعل بسبب الحرب في أوكرانيا، مما قد يؤدي إلى مواجهة مباشرة بين القوى النووية الكبرى.
بالتالي، تمثل نهاية الحظر الروسي على صواريخ RSMD نقطة تحول خطيرة في المشهد الاستراتيجي العالمي. فبينما ترى موسكو في هذه الخطوة ضرورة لحماية أمنها القومي في مواجهة التوسع الغربي، فإنها قد تدفع العالم نحو مرحلة جديدة من التنافس الاستراتيجي المشحون بالمخاطر.
يبقى السؤال الأكبر: هل ستنجح الدبلوماسية الدولية في احتواء هذا التصعيد، أم أننا نقف على أعتاب عصر جديد من سباق التسلح الذي قد يعيدنا إلى أجواء الحرب الباردة بمخاطرها المعروفة؟ الإجابة على هذا السؤال ستحدد ملامح النظام العالمي في السنوات القادمة، حيث تزداد المؤشرات على أننا نعيش مرحلة انتقالية كبرى في موازين القوى العالمية.