القاهرة – (رياليست عربي): مذيع بالتلفزيون الرسمي المصري يحرض المشاهدين لعدم تشجيع فريق الأهلي أحد قطبي كرة القدم في بلده، آخر في قناة خاصة يفبرك مداخلة لـ جراح القلب الشهير الدكتور مجدي يعقوب، 24 ساعة عاشها الإعلام المصري توجت حالة الفشل الذريع وفسّرت لحد كبير سبب عزوف المواطنين عن المشاهدة وفقدان الثقة في نخبة الفضائيات.
ويمكن تلخيص المشهد الإعلامي في مصر، بنظرة ثاقبة خلف الكواليس تعود إلى ما قبل 2011، وقت تولي الرئيس الراحل حسني مبارك، عندما تعمد الاعتماد على نخبة إعلامية مقربة بهدف الترويج لملف التوريث وقتها، وتجميل صورة الحزب الوطني “الحاكم” آنذاك، وبعد الاحتجاجات التي شهدتها القاهرة في 25 يناير من العام ذاته، دفعت أمواج الخلافات السياسية المتلاطمة عدد من الرموز المعروفة في هذه النخبة القفز من المركب الغارق، بينما ظل آخرون على متنها على أمل الوصول لبر جديد والجلوس مجدداً أمام الكاميرات.
أفرز المشهد الإعلامي حينها رموزاً معروفة بالمهنية على غرار، مذيع الجزيرة السابق يسري فودة، وكذلك الإعلامي الشهير حافظ الميرازي، إلى جانب الراحل وائل الإبراشي وعدد آخر من الرموز الإعلامية، عرف عنهم الانحياز لقضايا المواطن ونقاش جميع القضايا من جميع جوانبها، وعلى لسان خبراء بهدف تقديم حلول استرشادية للحكومة لمعالجة المشكلات التي تهم المواطن في الدرجة الأولى.
مع مرور الوقت وتولي جماعة الإخوان مقاليد الحكم (المصنفة إرهابية في روسيا)، ارتبك الوسط الإعلامي بشكل كبير، وسط تحفز الجماعة لتصفية رموزه كإجراء انتقامي على سنوات الماضي، ومن جهة المقابلة بات الانفعال والغياب عن المهنية وسيلة معتمدة وظهر على السطح الإعلامي توفيق عكاشة والذي خلق لنفسه مدرسة إعلامية تخالف الشقين الأكاديمي والمهني، واعتمد سياسة الصوت العالي والحديث الشعبوي للتأثير على مواطني القرى البسطاء.
وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي، إلى حكم البلاد فى 2014 على خلفية ثورة 30 يونيو التي أنهت حكم الجماعة، بعدها ظلت الهوة قائمة بين النظام والإعلام، لدرجة دفعت الرئيس المصري بالتندر على حال الإعلام وتنمية امتلاكه آلة إعلامية على غرار التي رافقت الرئيس الأسبق للبلاد، جمال عبدالناصر، مبرراً ذلك بغياب فشل نخب الفضائيات في مساندة الدولة والترويج للمشاريع الكبرى.
هجين مبارك و الإخوان وثورة 30 يونيو، انتهى به المطاف لعودة وجوه اعتادت تصدر المشهد لعقود، صحيح أن توفيق عكاشة خرج من الكادر، لكنه ترك ما يسميه أهل الوسط بـ”المدرسة العكاشية” القائمة على الصوت العالي وسيطرت هذه المدرسة على جميع القنوات، ودخل عليها مناهج مطورة متعلقة بالفبركة والاعتماد على إعلام التسلية “الترفيه” بهدف ضمان الاحتفاظ بالمكتسبات المالية بدون انشغال بقضايا الدولة الرسمية داخلياً وخارجياً، وفقدت القاهرة التي أسست أول تلفزيون رسمي “ماسبيرو” أذرعه الإعلامية، تقف عاجزة عن مواجهات إعلام معادي يدس لشعبها سموماً في قوالب العسل الفضائية، وتخلت داخلياً عن المواطن البسيط الذي كان يعتبر القنوات ممره الآمن في وصول صوته إلى الحاكم.
في النهاية لجأ الحاكم التواصل شخصياً مع المواطنين في الشارع، في صور باتت معتادة للرئيس عبدالفتاح السيسي الذي يتوقف موكبه بشكل مفاجئ لسماع شكاوى المواطنين، وانصرف المواطن عن مشاهدتهم بعد فقدان الثقة في المحتوى المقدم وقناعته بظهورهم الدائم بهدف الحفاظ على مصالحهم المالية دون الإنشغال بهمومه خاصة أن بعضهم انتهج سلوك مهني غريب من خلال توجيه الانتقادات للشعب، جفت الأقلام وطويت الصحف وأصبح المصريين يترقبون متابعة أخبار بلادهم من صحف خارجية أو مشاهدة فضائيات عربية، في ظل غياب رموز مهنية وتصدر ظواهر صوتية.
خاص وكالة رياليست.