طهران – (رياليست عربي): أعلنت الحكومة الإيرانية عن استعدادها لاستئناف المفاوضات بشأن برنامجها النووي، في خطوة قد تشكل منعطفاً مهماً في هذا الملف الشائك الذي يشغل المجتمع الدولي منذ سنوات طويلة.
هذا التطور المفاجئ يأتي بعد أشهر طويلة من الجمود في المحادثات النووية، وتصاعد حاد في التوترات الإقليمية، خاصة في ظل استمرار الخلافات العميقة بين إيران والوكالة الدولية للطاقة الذرية حول العديد من الملفات العالقة والمواقع النووية المشبوهة. تشير مصادر دبلوماسية مطلعة إلى أن هذه الخطوة الإيرانية قد تكون محاولة استراتيجية من طهران لتخفيف الضغوط الدولية المتزايدة عليها، والتي تشمل حزمة عقوبات اقتصادية صارمة أثرت بشكل كبير على الاقتصاد الإيراني وأدت إلى تدهور العملة المحلية وارتفاع معدلات التضخم إلى مستويات قياسية.
في هذا السياق، يطرح المحللون السياسيون والخبراء الاستراتيجيون عدة تفسيرات وتحليلات لهذا التحول المفاجئ في الموقف الإيراني. أول هذه التفسيرات يتمثل في الضغوط الاقتصادية الداخلية المتصاعدة التي تواجهها إيران بسبب العقوبات الدولية المشددة، والتي بدأت تظهر آثارها المدمرة على المواطن الإيراني العادي من خلال نقص حاد في السلع الأساسية وارتفاع جنوني في الأسعار. التفسير الثاني يرتبط بالسياق السياسي الداخلي، حيث تبدو طهران حريصة على تحسين صورتها الدولية قبل الانتخابات الرئاسية المقبلة التي قد تشهد منافسة حادة بين التيارات السياسية المختلفة. أما التفسير الثالث فيكمن في المحاولة الإيرانية لاستغلال الانقسامات والخلافات بين القوى الكبرى، وخاصة بين الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين، حول كيفية التعامل مع الملف النووي الإيراني والضغوط المطلوبة لدفع طهران للامتثال لالتزاماتها الدولية.
من جهة أخرى، أعربت الولايات المتحدة عن موقف حذر جداً من هذه الخطوة الإيرانية، معربة عن شكوك عميقة في “جدية النوايا الإيرانية” و”مدى التزام طهران الحقيقي بأي اتفاق مستقبلي”. وقد أكد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية ماثيو ميلر أن بلاده “ستدرس بعناية فائقة أي مقترح إيراني”، مشدداً في الوقت نفسه على أن واشنطن ستستمر في سياسة “الضغط القصوى” والعقوبات المشددة حتى تثبت طهران عملياً التزامها الحقيقي بالتوصل إلى اتفاق شامل وطويل الأمد.
على الجانب الأوروبي، رحبت كل من فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة (المعروفة بمجموعة E3) بالإعلان الإيراني، معتبرة إياه “فرصة دبلوماسية مهمة يجب استغلالها”، لكنها حذرت في بيان مشترك من أن “الكلام وحده لا يكفي”، ودعت طهران بشكل واضح إلى “اتخاذ خطوات ملموسة وفورية” لاستعادة الثقة الدولية في نواياها السلمية وشفافية برنامجها النووي. ومن المتوقع أن تبدأ اتصالات مكثفة بين جميع الأطراف المعنية في الأيام والأسابيع المقبلة لتحديد الإطار الزمني والمكاني لأي جولة مفاوضات جديدة، وكذلك لبحث نطاق وشروط أي اتفاق محتمل.
تجدر الإشارة إلى أن هذه التطورات الدبلوماسية تأتي في وقت تشهد فيه المنطقة تصاعداً خطيراً في التوترات الإقليمية، مع استمرار الخلافات العميقة حول البرنامج الصاروخي الإيراني المتطور، ودور طهران الإقليمي المتنامي في عدة دول عربية، ودعمها للجماعات المسلحة في المنطقة. ويحذر العديد من المراقبين والخبراء الاستراتيجيين من أن أي مفاوضات جديدة يجب أن تكون شاملة وتغطي جميع الجوانب الخلافية، بما في ذلك قضايا الرقابة الدولية والالتزامات المالية والتكنولوجية، وإلا فإنها ستكون مجرد جولة أخرى في سلسلة المفاوضات الطويلة والعقيمة التي لم تحقق أي تقدم حقيقي نحو حل دائم وشامل لهذا الملف الشائك.