واشنطن – (رياليست عربي): أعلن البيت الأبيض عن نيته زيادة استيراد المعادن من الصين، وذلك خلال بيان رسمي صدر يوم 9 يونيو 2025، يأتي هذا الإعلان في إطار مراجعة شاملة للسياسة التجارية الأمريكية تجاه الصين، خاصة في مجال المواد الخام والصناعات الاستراتيجية.
هذا القرار يمثل تحولاً لافتاً في الموقف الأمريكي الذي ظل لسنوات يفرض قيوداً مشددة على استيراد المعادن الصينية، بدعوى حماية الصناعة المحلية والأمن القومي.
تشير البيانات الاقتصادية إلى أن الصين تتحكم بأكثر من 60% من سوق المعادن النادرة عالمياً، وهي معادن تدخل في صناعات حيوية مثل الإلكترونيات المتطورة وأنظمة الدفاع والطاقات المتجددة، على مدى السنوات السبع الماضية، فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية عالية على هذه الواردات ضمن الحرب التجارية بين البلدين، لكن الضغوط الاقتصادية والتحديات الصناعية دفعت واشنطن لإعادة النظر في سياستها.
يأتي هذا القرار في وقت تشهد فيه الأسواق العالمية اضطرابات متتالية في سلاسل التوريد، مع ارتفاع غير مسبوق في أسعار المواد الخام. المصادر الرسمية ذكرت أن الإدارة الأمريكية تهدف من خلال هذه الخطوة إلى تخفيف الضغوط على الصناعات المحلية التي تعاني من نقص حاد في الإمدادات، خاصة في قطاعات السيارات الكهربائية والبنية التحتية للطاقة النظيفة، كما أن التضخم المستمر دفع صناع القرار إلى البحث عن حلول سريعة لخفض التكاليف على الشركات الأمريكية.
ردود الفعل على هذا القرار كانت متباينة. من جهة، رحبت الدوائر الصناعية الأمريكية بالخطوة باعتبارها حلاً عملياً للأزمة الحالية، بينما انتقدها خبراء الأمن القومي الذين يحذرون من مخاطر الاعتماد المفرط على الصين في المواد الاستراتيجية، على الجانب الصيني، عبر المسؤولون عن ترحيبهم بهذا التطور، مع تأكيدهم على استعداد بكين لتعزيز التعاون التجاري مع واشنطن في هذا المجال.
الخبراء الاقتصاديون يرون أن لهذا القرار تداعيات كبيرة تتجاوز العلاقات الثنائية بين البلدين. فمن المتوقع أن يؤدي إلى استقرار نسبي في أسعار المعادن العالمية، بعد أشهر من التقلبات الحادة، كما قد يشكل دفعة قوية لصناعات التكنولوجيا الفائقة التي تعتمد بشكل كبير على هذه المواد، لكن في المقابل، يحذر بعض المحللين من أن هذه الخطوة قد تبطئ جهود تنويع مصادر التوريد التي تقودها الولايات المتحدة منذ سنوات.
في الخلفية، تواصل الإدارة الأمريكية استثماراتها الكبيرة في مشاريع التعدين خارج الصين، خاصة في أفريقيا وأمريكا الجنوبية، كما تعمل على تطوير تقنيات متقدمة لإعادة تدوير المعادن، هذه الجهود تشير إلى أن القرار الحالي قد يكون حلّاً مؤقتاً أكثر منه تغييراً جذرياً في الاستراتيجية الطويلة الأمد.
على المدى القريب، من المتوقع أن تخفف هذه الخطوة من حدة التوترات التجارية بين العملاقين الاقتصاديين، وقد تفتح الباب أمام مزيد من التيسيرات في مجالات أخرى، لكن الأسئلة الكبيرة تبقى حول مدى استدامة هذا التقارب، خاصة في ظل التنافس الجيوسياسي المستمر بين واشنطن وبكين في مجالات التكنولوجيا والأمن والنفوذ العالمي.
هذا التطور يؤكد مرة أخرى مدى تعقيد العلاقات الاقتصادية بين القوى الكبرى في عالم اليوم، حيث تتصارع الاعتبارات السياسية مع الضرورات الاقتصادية، كما يسلط الضوء على التحديات التي تواجهها الدول في تحقيق التوازن بين الأمن الاقتصادي والأمن القومي، في ظل سلاسل إمداد عالمية معقدة ومتشابكة.