بروكسل – (رياليست عربي). لا تزال مراجعة التموضع العالمي للقوات الأمريكية — الوثيقة التي تحدد توزيع القوات الأمريكية في العالم — معلّقة منذ أشهر، رغم توقع صدورها في بداية العام. هذا التأخير ترافق مع تسريبات تفيد بأن البنتاغون يدرس تقليص الوجود العسكري الأمريكي في أوروبا، ما أثار قلقاً عميقاً لدى مشرعين وحلفاء واشنطن.
وفي مؤشر عملي على هذا الاتجاه، أكدت وزارة الدفاع الشهر الماضي أن نحو 1000 جندي أمريكي متمركزين بشكلٍ دوراني في رومانيا لن تُستبدل وحداتهم بعد عودتهم، وهو قرار أثار غضباً في الكونغرس، وطرح تساؤلات حول احتمال خفض وجود مشابه في مناطق أكثر حساسية، وتحديداً دول البلطيق.
دول البلطيق في دائرة الخطر
تحافظ الولايات المتحدة حالياً على وجود دوري محدود لكنه مهم في ليتوانيا ولاتفيا وإستونيا، دعماً لمجموعات الناتو القتالية التي تقودها:
ألمانيا في ليتوانيا،
بريطانيا في إستونيا،
كندا في لاتفيا.
وتعهدت برلين بنشر لواء مدرع دائم قوامه 5 آلاف جندي في ليتوانيا بحلول 2027. ويعتبر هذا التواجد أساسياً في الدفاع عن الجناح الشمالي الشرقي للناتو، وهو أحد أكثر المناطق هشاشة بسبب تعقيدات الجغرافيا العسكرية — من جيْب كالينينغراد الروسي إلى الحدود المشتركة مع بيلاروسيا وممر سوالكي الضيق الذي يربط ليتوانيا ببقية أعضاء الحلف.
محللون يؤكدون أن أي انسحاب أمريكي — ولو محدود — «سيبعث برسالة خاطئة» في مرحلة تتسم بتصعيد روسي واضح.
لماذا تُعد ليتوانيا موقعاً محورياً لواشنطن؟
ينتشر نحو 1000 جندي أمريكي في ليتوانيا ضمن دورات تبديل تمتد تسعة أشهر. خبراء الأمن يحددون ثلاثة أسباب رئيسية لبقاء هذا الوجود:
- موقع استراتيجي حساس
ليتوانيا تقع عند تقاطع رئيسي بين شمال وشرق أوروبا، وتلاصق نقاط اشتعال في كل محاكاة حرب للناتو مع روسيا. - توافق سياسي قوي مع واشنطن
فيلنيوس تُعد من أقرب الحلفاء الأوروبيين للولايات المتحدة. فقد:
كسرت اعتمادها على الغاز الروسي عبر محطة الغاز المسال في كلايبيدا (2015)،
كانت أول دولة أوروبية تصنف الصين «تهديداً أمنياً»،
انسحبت من صيغة «17+1» الصينية،
استضافت مكتب تمثيل تايواني رغم العقوبات الصينية.
- تقاسم أعباء الدفاع
تنفق ليتوانيا 3% من الناتج المحلي على الدفاع، وسترفع الإنفاق إلى ما يتجاوز 5% بدءاً من 2026، كما أنها من أكبر الداعمين لأوكرانيا قياساً بحجم اقتصادها.
شراكة ممتدة لعقود
وقفت ليتوانيا إلى جانب واشنطن في أكثر من محطة. فقد شارك 5000 جندي ليتواني في أفغانستان بين 2002 و2021، إضافة إلى 930 جندياً في العراق منذ 2003، في وقت امتنعت فيه دول أوروبية غربية عن المشاركة.
إشارات مقلقة من البنتاغون
وبينما يقترب انتهاء مراجعة التموضع العالمي، يحذر مسؤولون أمريكيون سابقون من أن أي خفض جديد سيقوّض ثقة الحلفاء ويشجع الخصوم.
وقال مصدر دفاعي: «خفض القوات الأمريكية في ليتوانيا أو أي منطقة أخرى على الجبهة الشرقية سيكون رسالة في الاتجاه الخطأ تماماً».
وتترقب العواصم الأوروبية نتائج المراجعة باهتمام شديد، إدراكاً منها أن الخطوات المقبلة لواشنطن قد تعيد تشكيل المنظومة الأمنية للقارة لسنوات طويلة.






