موسكو – (رياليست عربي): عندما بدأت روسيا عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، في 24 فبراير/ شباط الماضي، كانت على دراية تامة بكتيب الإرشادات الغربي المتبع لإعادة رسم الحقائق في أذهان المجتمع الدولي، طبقاً لوكالة “سبوتنيك” الروسية.
موسكو التي أشهرت سلاح الإعلام كوسيلة إضافية لمواجهة الأكاذيب والأخبار الغربية المضللة، اتبعت سياسة المكاشفة والإفصاح عن المعلومات الميدانية والاستخبارية، لا سيما تلك التي ترتبط بخطط كييف وأعوانها لترتيب عمليات استفزازية أو أحداث مفبركة تفتقر إلى أدنى معايير المنطقية، لإثارة العالم ضد روسيا؛ والأهم من ذلك، استجداء الغرب، مع الإشارة إلى أن موسكو لديها المعلومات الكاملة والخبرة الكبيرة من خلال مشاركتها في الحرب السورية العام 2015 واكتشافها لمئات المسرحيات المفبركة والتمثيليات التي انتهجها الغرب لشيطنة سوريا وحلفائها، وهذا تماماً ما يحدث اليوم في الحرب الروسية – الأوكرانية.
في الوقت الذي واصلت فيه الأجهزة الغربية ادعاءاتها المرسلة، استقبلت روسيا نحو مليون لاجئ فروا من مناطق النزاع في دونباس والمدن الخاضعة لسيطرة كييف، وأشرفت قواتها على إجلاء آمن لعشرات آلاف المدنيين، إلى جانب تقديم المساعدات الإنسانية للسكان في المدن التي سيطرت عليها القوات الروسية وضمان سلامتهم وأمنهم، ولعل أبرز مثال على ذلك، هو محطة الطاقة النووية تشيرنوبيل التي تبادل الموظفون الأوكرانيون العمل فيها بكل سلاسة وانتظام بعد سيطرة الجيش الروسي عليها، وهو أمر تشهد عليه مؤسسات دولية مستقلة.
الانتهاكات الأوكرانية والتي ربما لا تصل إلى مسامع الغرب هي كثيرة جداً، خاصة وأن الهدف هو تزييف الحقائق لتشويه غرض العملية العسكرية الروسية بالمقام الأول، والنيل من سمعة روسيا في المحافل الدولية، وبتفس الوقت تغطي السلطات الأوكرانية على الانتهاكات التي يرتكبها النازيون المتطرفون على غرار ما فعلوه بأهلهم وإخوانهم وأبناء شعبهم في “مأساة أوديسا” قبل 8 سنوات، عندما أحرقوا معارضي الانقلاب وقتلوهم بدم بارد، ولا يوجد أدلة أوثق وأكبر من شهادات شهود عيان من السكان المحليين، توثق هذه الانتهاكات والجرائم.
في مدينة في ماريوبول التي كانت مسرحاً رئيسياً للمواجهة مع القوات النازية، لا سيما جماعة “آزوف” القومية المتطرفة، يروي عجوز حقائق صادمة ويقول: “لقد قصفونا بكل بساطة، وأطلقوا علينا النيران. لقد استهدفونا نحن وليس حتى القوات الروسية”، وأضاف العجوز، الذي تحدث بين مجموعة من كبار السن الذين تجمعوا خارج المنازل المتضررة بشدة من جراء القصف: “ببساطة؛ قصفونا في الليل وأضرموا النيران في المنزل، القوميون المتطرفون- من آزوف”.
ومن المعروف أن أي حرب لا بد من خسائر بين الطرفين المتحاربين، لكن عندما يكون المدنيين هدفاُ مشروعاً من قبل دولتهم التي من المفروض أنها دخلت الحرب للدفاع عنهم فهذه حرب ضدهم بالمقام الأول، ومع تقدم القوات الروسية لم تقتصر جرائم المتطرفين على القصف العشوائي، حيث داهم عناصر “آزوف” المنازل وأخرجوا المتحدثين باللغة الروسية الذين احتموا من القصف داخل بيوتهم وصادروا مفاتيحها، فيما كانت “صرخات التعذيب” بين المعتقلين مسموعة للكثير من سكان المدينة، وفقاً لشاهدة عيان.
شاهد آخر من مدينة ماريوبول أكد هذا الأمر، وقال: إن القوات الأوكرانية بمساعدة المتطرفين طردت السكان، واقتادت البعض إلى الأقبية قبل أن تسيطر على منازلهم، وتستخدمهم “كدروع بشرية” لضمان ألا يستهدف أحد البيوت التي تحصنوا بها.
وهنا يتبادر سؤال مهم، هل يُعقل أن يهرب السكان المحليين من جنودهم الذين من المفروض أنهم أقسموا على حماية بلادهم وشعبهم؟ في أوكرانيا تخلى المقاتلون عن هذا القَسَم، واحتجزوا المدنيين من النساء والأطفال وكبار السن كدروع بشرية، ولم يستطيعوا المغادرة إلا بعد مجيء القوات الروسية، فلو تأخر الجيش الروسي لكان العالم أمام كارثة إنسانية كبيرة في ظل الظروف التي كانوا محتجزين بها إذ لا كهرباء ولا ماء ولا حتى أي وسيلة من وسائل التدفئة.
يقول أولينيك ألكسندر فلاديميروفيتش، الذي غادر ماريوبول في العاشر من أبريل/ نيسان بمساعدة قوات دونيتسك الشعبية، قال إنه الجنود الأوكرانيين ضمن نقطة تفتيش عسكرية بجوار منزله أطلقوا النار على المدنيين، وقتلوا 3 شباب في 27 مارس/ آذار، وقتلوا رجلين وامرأتين في الأول والخامس من أبريل، بالإضافة إلى شابين في اليوم السادس.
حتى مع تراجع القوات الأوكرانية والمتطرفين في إقليم دونباس، لم تكف يدهم عن ترويع البسطاء وتدمير مقومات الحياة والبنية التحتية، وشوهدت أعمدة الدخان تتصاعد من أماكن سيطرتهم السابقة بعد انسحابهم نحو الغرب.
هذا ما يؤكده نيكولاي نيكولايفيتش، هو أحد كبار السن من السكان المحليين في ستاروبلسك، الذي لم تختلف أوضاعه عن مواطنيه في ماريوبول لكن معاناته كانت عميقة أيضاً، وازدادت عمقاً عندما اعتقلت القوات الأوكرانية نجله واقتادته إلى سجن مؤقت “الحفرة”، حيث لم يعلم عنه شيئاً بعد ذلك.
أما في مدينة خيرسون، وخلال توزيع المساعدات الإنسانية من الجانب الروسي، شكت أم أوكرانية من القصف المتكرر وإطلاق النار على السكان المحليين الذين لا يستطيعون مغادرة مناطق الصراع.
بالتالي هذا غيض من فيض، لجرائم يندى لها الجبين، وللأسف المدافع والقاتل هو شخص واحد، كيف سيثق الشعب الأوكراني مجدداً بحكومة بلاده وجيشها، وهو الذي تعرض لأبشع أنواع الغدر ممن اعتقد أنهم حُماة دياره؟