برلين – (رياليست عربي): في خطوة أثارت جدلاً واسعاً في الأوساط الأكاديمية والسياسية، أعلنت ولاية بافاريا الألمانية عن خطة شاملة لتوسيع نطاق التعاون بين جامعاتها والجيش الألماني (البوندسفير). يأتي هذا القرار في إطار توجه أوسع لتعزيز الروابط بين المؤسسات الأكاديمية والمؤسسة العسكرية، مما أثار نقاشاً حاداً حول مدى تأثير هذه الخطوة على استقلالية الجامعات وحرية البحث العلمي.
تفاصيل المبادرة الجديدة تشمل عدة محاور رئيسية تتراوح بين زيادة المنح الدراسية للضباط العسكريين وإنشاء برامج بحثية مشتركة في مجالات التكنولوجيا العسكرية المتقدمة. ووفقاً للوثائق الرسمية، سيركز هذا التعاون بشكل خاص على تطبيقات الذكاء الاصطناعي في المجال العسكري، وتطوير أنظمة الدفاع السيبراني، وأبحاث الفضاء ذات الاستخدامات الدفاعية. كما تتضمن الخطة إدخال مناهج دراسية جديدة تتناول القضايا الأمنية والاستراتيجية في مختلف التخصصات العلمية والإنسانية.
أثار هذا الإعلان ردود فعل متباينة بين مختلف الأطراف. من جهة، عبرت اتحادات الطلاب والأكاديميين عن قلقهم البالغ من تداعيات هذه الخطوة، محذرين من مخاطر “التسليح الفكري” الذي قد يهدد القيم الأكاديمية التقليدية. ومن جهة أخرى، دافع المسؤولون الحكوميون بقوة عن هذه المبادرة، مؤكدين أنها تمثل جزءاً من المسؤولية الوطنية للجامعات وتسهم في تعزيز الأمن القومي في ظل التحديات الجيوسياسية الراهنة.
يأتي هذا التوسع في التعاون بين الجامعات والجيش في سياق تحول أعمق تشهده السياسة الألمانية تجاه المؤسسة العسكرية. فبعد عقود من “ثقافة التحفظ العسكري” التي سادت نتيجة إرث الحرب العالمية الثانية، تشهد ألمانيا اليوم نقاشاً واسعاً حول ضرورة تحديث قواتها المسلحة وزيادة الإنفاق الدفاعي، خاصة في ظل المتغيرات الأمنية في أوروبا بعد الأزمة الأوكرانية.
تحليل الخبراء يشير إلى أن هذه الخطوة تمثل جزءاً من استراتيجية أوسع تهدف إلى تعزيز القدرات التكنولوجية العسكرية الألمانية في مواجهة المنافسة العالمية المتزايدة في هذا المجال. كما تعكس محاولة لـ”تطبيع” دور الجيش في المجتمع الألماني، بعد سنوات طويلة من العلاقة المعقدة بين المؤسسة العسكرية والمجتمع المدني.
رغم التأكيدات الرسمية على أن هذا التعاون سيكون ضمن أطر أخلاقية واضحة، إلا أن العديد من الأسئلة تبقى معلقة حول آليات الرقابة على المشاريع البحثية المشتركة وضمانات حماية حرية البحث العلمي. كما يطرح التساؤل حول مدى تأثير التمويل العسكري على توجهات البحث العلمي وأولوياته في الجامعات الألمانية، خاصة في ظل الحساسيات التاريخية المرتبطة بدور الأكاديميا في الحقب المظلمة من التاريخ الألماني.