موسكو – (رياليست عربي): بعد أن فشلت كافة المقترحات الدولية في منع تفاقم آليات الصراع في أفغانستان بدأت تقارير أجهزة المخابرات العالمية، خاصةً أجهزة المخابرات في دول آسيا الوسطى ودول رابطة الدول المستقلة ودول منظمة شنغهاي للتعاون تؤكد بأن أفغانستان وبسبب الفشل الأمريكي الذريع في إدارة ذلك البلد طوال عقدين من الزمن باتت مرتعاً لأكثر من 23 جماعة إرهابية متطرفة بعضها يعمل بشكل مباشر مع تنظيم (القاعدة) الإرهابي وبعضها الآخر يقوم بالتنسيق بشكل سري مع قادة حركة (طالبان) وهو الأمر الذي بات يدق ناقوس الخطر من الناحيتين الأمنية والعسكرية لدى العديد من دول العالم وعلى رأسها روسيا التي تحاول مساعدة أفغانستان كي يتخلص ذلك البلد من الإرهاب الذي يضرب بداخله و يهدد بالإنتقال إلى غيره من دول الجوار في منطقة آسيا الوسطى
- ذكرت بعض التقارير الأمنية، ومنها تقارير وصلت إلى منظمة الأمم المتحدة مؤخراً أن 23 جماعة إرهابية كبرى تعمل بحرية في داخل أفغانستان، مما يهدد مصالح دول المنطقة، ولهذا السبب قدم المجلس الأطلسي مقترح آلية لمنع تفاقم الصراعات في ذلك البلد إلى الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، حيث يسلط الإقتراح الأطلسي الضوء على انتشار العنف عبر الحدود ويقترح تعيين مبعوث خاص للأمم المتحدة لمنع الصراعات وينتقد عدم فعالية الجهود التي تبذلها الدول والمنظمات الإقليمية.
- وتتضمن الآلية المقترحة لمنع الصراعات تعيين مبعوث خاص لمنظمة لأمم المتحدة في أفغانستان، وإنشاء مركز للأمم المتحدة للدبلوماسية الوقائية لمنطقة أفغانستان وما حولها بشكل عام، فضلاً عن إنشاء منتدى إستشاري إقليمي يضم الدول المجاورة لأفغانستان.
- ومنذ سيطرة حركة طالبان على أفغانستان، أثيرت مخاوف محلية ودولية واسعة النطاق بشأن وجود الجماعات الإرهابية في البلاد، وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية تقريباً، طلبت معظم الدول في جميع أنحاء العالم إلى جانب مجلس الأمن التابع لمنظمة الأمم المتحدة من حركة طالبان مراراً وتكراراً قطع علاقاتها مع تنظيم القاعدة، وغيره من الجماعات الإرهابية الإقليمية والعالمية الفاعلة، ومع ذلك، واصلت حركة طالبان استضافة مختلف الجماعات الإرهابية بما في ذلك تنظيم القاعدة، دون الإمتثال للمطالب العالمية والأممية، وهو الأمر الذي تسبب في تعطيل إعادة فتح علاقات سياسية أو دبلوماسية مع حركة (طالبان)، على الأقل لإيجاد لغة أو صيغة مشتركة معها لمنع تأزم الأوضاع بشكل أكبر، سواءً في أفغانستان، أو في غيرها من دول الإقليم، ودول آسيا الوسطى المحاذية لأفغانستان.
- وقد ذكرت التقارير التي حصلت عليها (رياليست) أن 23 جماعة إرهابية تعمل بحرية في أفغانستان، وبحسب ما أفادت به التقارير فإن هذه الجماعات الإرهابية تنشط في أفغانستان وتقوم بعمليات ضد مصالح الدول الأخرى. كما تذكر التقارير عدة جماعات، بما في ذلك حركة طالبان باكستان (TTP)، وتنظيم الدولة الإسلامية في خراسان (IS-K)، وتنظيم القاعدة، وحركة تركستان الشرقية الإسلامية (ETIM)، والحركة الإسلامية في أوزبكستان (IMU)، وحركة طالبان الباكستانية (IMU) وكذلك حركة طالبان في طاجيكستان (TTT)، وحركة البلوش راجي آاجوي سانجار (BRAS) حيث تضم كل مجموعة من هذه المجموعات فروعاً مختلفة لمنظمات إرهابية أخرى تعمل معها.
- وبحسب أحد التقارير الإستخباراتية فإن الزعيم الرئيسي لتنظيم القاعدة موجود في أفغانستان ويقوم بحشد قدراته العملياتية، حيث يوضح التقرير أن تنظيم القاعدة وحركة طالبان الأفغانية في أفغانستان يسيطران على الطرق التي يتم من خلالها تهريب المخدرات، مما يدر مليارات الدولارات.
- وذكر التقرير أيضاً أن حركة (تركستان) الشرقية الإسلامية تستخدم الأراضي الأفغانية لشن هجمات عبر الحدود ضد الصين، كما تدعم حركة طالبان جماعة الأويغور الإنفصالية، التي تتحدى مصالح الصين في (شينجيانغ)، ويشير التقرير إلى أن حركة (تركستان) الشرقية الإسلامية نقلت قاعدتها من (بدخشان) إلى مقاطعة (بجلان)، كما وسعت نطاق عملياتها، فضلاً عن أن حركة طالبان طاجيكستان باتت تابعة لتنظيم القاعدة، وموالية لحركة طالبان في أفغانستان في الوثت نفسه، حيث يشير التقرير إلى أن هذه القوى تخطط للإطاحة بحكومة طاجيكستان.
- هذا ويواصل المجلس الأطلسي مثلاً، اقتراح آلية لمنع الصراعات على الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، لأنه ووفقاً لهذا الإقتراح، فقد زاد خطر نشوب صراع بين أفغانستان وجيرانها بعد سيطرة حركة طالبان على البلاد، حيث بات هذا الخطر في مرحلة حرجة. ووفقاً للمجلس الأطلسي فقد قامت حركة طالبان بتصعيد التوترات ومفاقمة القضايا الأمنية والعسكرية القائمة منذ فترة طويلة مثل الصراعات على استخدام المياه في جميع أنحاء المنطقة شبه القاحلة، إذ يشير التقرير إلى أن الجهود الحالية لمنع الصراع في المنطقة التي مزقتها الحرب، والتي هي عبارة عملياً عن ردةِ فعلٍ، وهي غير فعالة.
- ولهذا السبب، يقترح المجلس الأطلسي أن تقوم منظمة الأمم المتحدة على الفور بإنشاء آلية دائمة لمنع الصراع في المنطقة المحيطة بأفغانستان، حيث يشير الإقتراح إلى أنه من الضروري للآلية المقترحة من قبل المبعوث الخاص لمنظمة الأمم المتحدة، أن تمنع التصعيد العنيف للنزاعات الحدودية والإقليمية، وأن تسهم في تخفيف التوتر في حالة وقوع أعمال عنف من أجل إستعادة الإستقرار في المنطقة.
- وتشير تقارير (رياليست) إلى أن المنطقة غير آمنة، وغير مستقرة وتشهد أعمال عنف عبر الحدود، نظراً لأن التجارب المستمدة من أجزاء أخرى من العالم، تشير إلى أن آليات منع نشوب الصراعات كانت أكثر فعالية في منع الأزمات الإقليمية من الإستجابات المؤقتة والمتفرقة. ولهذا السبب تقترح خطة المجلس الأطلسي المقترحة أن تشمل آلية منع الصراع في أفغانستان مبعوثاً خاصاً لمنظمة الأمم المتحدة، ومركزاً للأمم المتحدة يكون مركزاً للدبلوماسية الوقائية لمنطقة أفغانستان، ومنتدى استشارياً إقليمياً يتكون من باكستان وإيران والصين وطاجيكستان وأوزبكستان وتركمانستان.
- كما تؤكد التقارير أن الإقتراحات السابقة المطروحة تستند إلى (تقرير التقييم المستقل) الذي قدمه الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة بشأن أفغانستان، حيث يلزم هذا التقييم المستقل الأمم المتحدة، وبموجب القرار رقم 2679، أن تبتنى منظمة الأمم المتحدة نهجاً منسقاً وشاملاً تجاه أفغانستان، لأنه ووفقاً للإقتراح، واستناداً إلى التقرير السنوي للأمم المتحدة خلال العام الماضي (2023)، فقد اكتسبت مجموعة من الجماعات الإرهابية قدرة أكبر على المناورة في ظل حكم طالبان. وهناك دلائل تشير إلى أن تنظيم القاعدة يعيد بناء قدراته العملياتية، وأن حركة طالبان باكستان تنفذ هجمات في باكستان بدعم من حركة طالبان.
- ولهذا السبب، تنصُّ الخطة المقترحة حالياً للمجلس الأطلسي، نقلاً عن معلومات أمنية وصلت في وقت سابقٍ من روسيا الإتحادية، أن سيطرة طالبان في أفغانستان عززت المنظمات الإرهابية في منطقة دول آسيا الوسطى، ولهذا السبب فقد حذرت موسكو من أن التهديدات الإرهابية المتزايدة من أفغانستان تعرض للخطر آسيا الوسطى، حيث تتمركز القوات الروسية.
- ولذلك يحذر تقرير التقييم المستقل بشأن أفغانستان، الذي طلبه مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، من أن أفغانستان، وباعتبارها مصدراً للإتجار غير المشروع بالمخدرات، وباعتبارها قاعدة للإرهاب العابر للحدود الوطنية، والأيديولوجيات المتطرفة، فإن لديها القدرة على خلق آثار مزعزعة للإستقرار بحيث باتت طالبان، بمثابة مصدر محتمل لتعزيز (الهجرة والنزوح على نطاق واسع) من أفغانستان إلى بقية دول منطقة آسيا الوسطى برمتها، وهو الأمر الذي يتفاقم يوماً بعد يوم، نظراً لعدم وجود إستجابة دولية فعالة للتحديات الأمنية في المنطقة وأفغانستان.
- كما أشار الإقتراح على أن رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (SAARC) ومنظمة شنغهاي للتعاون (SCO) هما هيئتان إقليميتان متعددتا الأطراف تغطيان أفغانستان. ومع ذلك، وبسبب انعدام الثقة بين الدول الأعضاء، فقد ثبت وجود آليات غير فعالة للأمن الإقليمي، مما يجعل الأمور معلقة أمنياً.
آراء المراقبين و المحللين و الخبراء في مراكز الدراسات السياسية و الإستراتيجية الروسية والعالمية:
- يرى العديد من المراقبين والمحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المختصين بملف الوضع الأمني في دول آسيا الوسطى مثل أفغانستان، وتأثير الوضع الأمني والعسكري في أفغانستان على بقية دول الجوار الإقليمي، مثل الخبير العالمي (فريدون سينيرلي أوغلو)، وهو المسؤول عن دراسة التقييم المقدم إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن أفغانستان طيلة العام 2023، أن هذه المخاوف الأمنية لدى جيران أفغانستان، ومنها روسيا الإتحادية وكازاخستان وأوزبكستان وطاجكستان، قد نشأت بعد أن صرح كلاً من زعيمي إيران وباكستان في بيانٍ مشتركٍ لهما مؤخراً، أنه وعلى الرغم من التواصل المكثف مع حركة (طالبان)، إلا أن وجود الجماعات الإرهابية في داخل أفغانستان تحت إدارة طالبان بات يشكل تهديداً خطيراً للأمن الإقليمي والعالمي.
- ولهذا السبب، فإن الخطة المقترحة من جانب بعض المنظمات مثل المجلس الأطلسي تؤكد أن أغلب الإجتماعات الإقليمية كانت عرضية وفشلت في معالجة الأزمات والتوترات الأساسية في أفغانستان مع جيرانها بشكل عميق. بل وعلاوةً على ذلك، لم تكن هناك خطة محددة لمعالجة القضايا الجماعية، مثل أزمة المياه، والنزاعات على الأراضي، والصراعات على الهوية، وترويج وتجارة المخدرات المتزايدة بشكل مرعب في المنطقة والإقليم برمته، حيث تشير التقارير الأمنية أن بعض دول المنطقة ضعيفة اقتصادياً وعسكرياً، مما يدفعها مكرهةً للإعتماد على الدول الأقوى وتقليل استقلاليتها للمشاركة بشكلٍ هادفٍ في هذا الشكل من (التعاون الإقليمي غير القانوني)، وهو الأمر الذي يجعل هذه الشبكة المعقدة من حركات التمرد ذات الإنتماءات العابرة للحدود الوطنية تشكل تحدياً خطيراً للأمن الإقليمي والدولي.
- ويشير التقرير إلى أن بعض الحكومات تتحالف سراً أو علناً مع جهات مسلحة من هذه الجماعات غير الحكومية، مما يؤدي إلى عدم الإستقرار وإضعاف الجهود الجماعية في التعاون الإقليمي والدولي، حيث تؤكد المعلومات الواردة من مختلف أجهزة المخابرات العالمية، أن جيران أفغانستان يعتقدون أن هناك حاجة واضحة وقوية لمعالجة قضايا الأمن الإقليمي المتعلقة بأفغانستان، بعد أن فشلوا في معالجتها بشكل جماعي، ولهذا السبب يؤكد المجلس الأطلسي على أن المنظمات المتعددة الأطراف مثل رابطة دول جنوب شرق آسيا (ASEAN)، وكذلك منظمة الإتحاد الأفريقي (AU)، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا (OSCE)، ومعهم منظمة شنغهاي للتعاون (SCO) فشلت جميعها في تسخير قدرات الحكومات والجهات الفاعلة غير الحكومية بشكل فعال من أجل إيجاد الحلول المناسبة للوضع الأمني والعسكري الحالي في أفغانستان، وهو الأمر الذي بات يدق ناقوس الخطر خلال الفترة المقبلة.
حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.