موسكو – (رياليست عربي): إن حقيقة الوضع الأمني والعسكري على الحدود بين جمهورية بيلاروس وجارتها بولندا يأتي بسبب عسكرة المناطق الحدودية في معظم دول الإتحاد الأوروبي بالتزامن مع التطورات العسكرية الأخيرة التي تشهدها الحرب (الروسية – الأوكرانية) والتي دفعت حكومة وارسو للتعامل بحذر أكثر مع الحدود (البولندية – البيلاروسية) والتي شهدت نشاطات كبيرة لخبراء منظمة الوكالة الأوروبية لحماية الحدود والسواحل والمعروفة اختصاراً بإسم (فرونتكس) حيث يعتقد الخبراء بأن السياج البولندي الذي أقامته وارسو لا يهدف فقط لمنع وصول اللاجئين إلى داخل أراضي بولندا بقدر ما يمكن أن يكون خطاً عسكرياً أول للدفاع والإخطار عن أي اقتحام عسكري بيلاروسي مدعوم روسياً.
بعد أن حذر رئيس لجنة حدود الدولة في جمهورية بيلاروس (كونستانتين مولوستوف) مجدداً، من خطورة الوضع على الحدود البيلاروسية الغربية بسبب عسكرة المناطق الحدودية في معظم دول الإتحاد الأوروبي المجاورة لجمهورية بيلاروس، وذلك بالتزامن مع التطورات العسكرية الأخيرة التي تشهدها جبهات القتال بين القوات الروسية و الأوكرانية:
- أكد وزير الخارجية البولندي (رادوسلاف سيكورسكي) أن بلاده ستعيد النظر مرة أخرى، وستدرس طلب المساعدة المقدم من (قبل منظمة الوكالة الأوروبية لحماية الحدود والسواحل) المعروفة اختصاراً بإسم (فرونتكس)، وذلك بسبب تصاعد التوترات على الحدود البولندية البيلاروسية، حيث يعتقد الوزير البولندي المعروف بعدائه لروسيا الإتحادية وجمهورية بيلاروس، أن وجود ضباط من حرس الحدود لدول أخرى في الإتحاد الأوروبي سيكون مفيداً لبولندا ولجمهورية بيلاروس حتى.
- وكان الوزير البولندي قد أعلن سابقاً في تصريح سياسي له، أثار غضب حكومتي موسكو و مينسك معاً، أنه سيكون من مصلحة بولندا أن تظهر للرئيس الروسي فلاديمير بوتين ولحليفه الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو أنهم يهاجمون، ليس فقط الحدود البولندية، ولكنهم يهاجمون أيضاً حدود الإتحاد الأوروبي، ولهذا السبب بدأت بولندا منذ شهر يناير 2022، بعملية بناء السياج الفولاذي الذي بلغ ارتفاعه 5.5 متر (18 قدماً) تعلوه أسلاك شائكة على طول الحدود مع جمهورية بيلاروس التي يبلغ طولها 187 كيلومتراً (116 ميلًا)، والذي اكتمل بنائه في نهاية شهر يونيو 2022.
- وقد اعتبر الخبراء الأمنيون والعسكريون الروس والبيلاروس، على حد سواء، بأن حكومة وارسو قد بنت هذا السياج، ليس فقط للتخفيف من نزوح اللاجئين، وإنما ليكون السياج خطاً أولياً للإخطار عن أي تقدم عسكري قد يحدث من قبل القوات البيلاروسية المدعومة من قبل روسيا الإتحادية.
- وعلى الرغم من أن وكالة (فرونتكس) هي وكالة تابعة للإتحاد الأوروبي، وهي تساعد دول الإتحاد الأوروبي ومنطقة (شنغن) في إدارة حدودها الخارجية ومكافحة الجريمة عبر الحدود، خاصةً تلك الجرائم التي بدأت منذ منتصف 2021، وزادت سوءاً بسبب أزمة فيروس (كورونا) الوبائي، فقد بدأت الحكومة البولندية بقبول عروض المساعدة التي قدمتها (فرونتكس)، بعد أن زعمت حكومة وارسو أن السلطات البيلاروسية دفعت آلاف المهاجرين عبر حدود الإتحاد الأوروبي إلى بولندا، حيث تمَّ صدُّ العديد منهم لاحقاً عبر الحدود من قبل حرس الحدود البولنديين، معلنةً بأن هذه الحوادث قد وقعت في ظل تصاعد الخطاب الأمني من جانب الحكومة البولندية الجديدة بقيادة رئيس الوزراء (دونالد فرانسيسك توسك) والذي أعلن بأن بولندا لن توافق على قواعد جديدة تسمح بنقل المهاجرين داخل الإتحاد الأوروبي.
- بعد ذلك، أماط رئيس الوزراء البولندي نفسه (دونالد فرانسيسك توسك) اللثام عن حقيقة ما يجري على الحدود (البيلاروسية – البولندية)، حيث أكد بتاريخ 18 مايو 2024 أنه يعتزم زيادة الإنفاق للدفاع الأمني عن الحدود الشرقية لبولندا، مشيراً إلى أن تكلفة (الدرع الشرقي) ستبلغ قيمتها تقريباً عشرة مليارات زلوتي بولندي، (حوالي 248.6 مليون دولار أمريكي) حيث سيتألف هذا الدرع من عدة مئات من الكيلو مترات من الأسوار والحواجز والعوائق على طول الحدود (البيلاروسية- البولندية).
آراء المراقبين و المحللين و الخبراء في مراكز الدراسات السياسية و الإستراتيجية الروسية و العالمية:
- يرى العديد من المراقبين و المحللين والخبراء في مجال العلاقات الدولية من المطلعين على تطورات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، مثل الخبير العالمي (ستيفين براين) المتخصص في تأثير الحرب (الروسية – الأوكرانية) على دول الجوار لكل من موسكو و كييف، أن هذا الصراع قد ينتقل لدول من حلف (الناتو) مثل بولندا بسبب التصعيد الأخير، حيث يؤكد الخبير أن تحركات حلف (الناتو) الأخيرة قد تؤدي بالفعل إلى توسيع الحرب لتشمل بعض دول الحلف مثل بولندا، فيما يتزايد خطر انتقال حرب أوكرانيا إلى أوروبا، لأنه لم يكن هناك خطر لإندلاع حرب أوروبية إلى هذا الحد من قبل، كما هو الحال حالياً، ويبدو أن جمهورية بيلاروس ومناطق الحدود (البيلاروسية – البولندية) مهددة أكثر من غيرها لحدوث أي صدام عسكري بين القوات البيلاروسية المدعومة بالعتاد والذخيرة من قبل الكرملين الروسي، وخصمها من القوات البولندية المدعومة من قبل قوات حلف (الناتو)، والذي يحاول أن يقوي جبهته المحاذية لروسيا الإتحادية بوضع صواريخ متطورة في ألمانيا وتقوية حدوده البرية مع بولندا.
- وما يرجح هذه الخيارات هو أن الخبراء والعسكريين الغربيين يؤكدون بأن أوكرانيا تخسر الحرب ضد روسيا الإتحادية ببطء، ولكن بلا هوادة، لأن أوكرانيا لا تمتلك العدد الكافي من الجنود لمواصلة قتال الروس لفترة أطول،إذ وصل معدل خسائر القوات الأوكرانية خلال الأشهر الثلاثة إلى الآلاف يومياً، خلافاً لروسيا الإتحادية التي ما زال لديها إحتياطي كبير من الجنود يتجاوز عددهم 500 ألف جندي تقريباً، أي أكثر من نصف مليون من الرجال الروس المقاتلين والمدربين، فيما لا تمتلك أوكرانيا أي إحتياطيات إضافية لنشرها، وهو الأمر الذي يجعل من هذه التطورات العسكرية المتسارعة في الحرب، سبباً مباشراً قد يجبر القيادة العسكرية لحلف (الناتو) ليقوم باستخدام أوراقه في بلدان الجوار الروسي مثل جمهورية بيلاروس، والتي تعتبر بدورها جسراً لمرور قوات حلف (الناتو) من بولندا أو ألمانيا.
- هذا الوضع العسكري الذي تعيشه الحدود (البيلاروسية-البولندية) هو الذي يبرر قيام حلف (الناتو) الآن بإدخال طائرات من طراز (إف-16) إلى أوكرانيا، والتي يقال إنها ستقلع من المطارات الرومانية حيث سيتم تجهيزها بصواريخ كروز طويلة المدى من طراز JASSM وصواريخ جو-جو من طراز (AIM-120)، مما سيطرح تساؤلاً إن كانت روسيا الإتحادية تحتاج إلى تدمير القواعد الجوية الرومانية مثلاً، والتي ستنطلق منها هذه الطائرات، أم أن حلف (الناتو) سيتراجع عن فكرة استخدامها للقيام بطلعات جوية بطائرات (إف-16)، والتي يتوقع البعض أنها ستستهدف ضرب مواقع في شبه جزيرة القرم بالذات.
- كل هذه الوقائع العسكرية والأمنية، تؤكد بأن حلف الناتو، يحاول إقناع دوله مثل ألمانيا وبولندا بأنهم سيدفعون ثمناً باهظاً للغاية بهزيمة أوكرانيا، ولهذا السبب فإن القيادات السياسية في بولندا ورومانيا وألمانيا، وحتى على الجانب الآخر في الدول الحليفة لروسيا مثل جمهورية بيلاروس وصربيا وغيرهما باتت مستعدة لتطور الأحداث العسكرية على الجبهة (الروسية – الأوكرانية)، والتي لا يوجد أمامها سوى خيارين إثنين لا ثالث لهما:
- 1- إما أن تتوقف الحرب ويتم إجبار الرئيس الأوكراني الحالي (فولوديمير زيلنسكي) على الإستسلام.
- أو أن يتم التصعيد في الحرب الحالية من قبل القوات الأوكرانية بمساعدة من قبل قوات دول حلف (الناتو) وهو الأمر الذي سيجبر دولاً أخرى مثل ألمانيا ورومانيا وبولندا ودول البلطيق الثلاثة المعادية لجمهورية بيلاروس ولروسيا، أي (إستونيا ولاتفيا وليتوانيا)، لكي تنجر جميعها إلى أي تصعيد عسكري قد يحدث في حال لم تتوقف الحرب (الروسية – الأوكرانية).
حسام الدين سلوم – دكتوراه في تاريخ العلاقات الدولية – خبير في العلاقات الدولية الروسية.
