موسكو – (رياليست عربي): أيام قليلة وتُطوى صفحة عام آخر حمل معه الكثير من الأحداث حول العالم، خاصة على روسيا والتي استمرّت كمركز لاهتمام العالم حتى 3 شهور مضت- الحرب في غزة.
وعلى الرغم من أن هذا العام يعد أفضل بعض الشيء عن العام الماضي (2022) بسبب على ما يبدو أن موسكو استطاعت فيه كسر عزلتها من خلال تقوية علاقاتها مع كل من الصين، الهند، المملكة العربية السعودية، الإمارات العربية المتحدة ومصر. وتكيفت إلى حدٍّ ما مع العقوبات، وكذلك تحول جنودها في العملية العسكرية الخاصة من الدفاع إلى الهجوم مسيطرة على مناطق حيوية لم تكن متوفرة العام الماضي الذي شهد انسحابات من بعض المناطق، “خاركوف” على سبيل المثال. كما شهد هذا العام فشل كامل للعملية العسكرية الاوكرانية المضادة.
فبعد الانعطافات الكبيرة ما بعد 22 فبراير 2022، أعادت روسيا بناء تحالفاتٍ جديدة، وجعلت من الشرق مقصداً لها، إن كان سياسياً أو اقتصادياً، وشكلت مع الصين قوة مقاومة لكل التأثيرات الجانبية التي لحقت بها، فقد كان مخطط الغرب يرمي إلى عزلها وإبعادها عن مركز القرار العالمي وقوتها المعهودة، لكن لم ينجح الغرب كما هو ظاهر لنا في الحصول على كافة النتائج كاملة، في حين استطاع الغرب التأثير بشكل جزئي على علاقات روسيا بكل من أرمينيا التي بدأت تأخذ خطوات أبعد من روسيا في اتجاه الغرب، وأيضا صربيا التي تعيش حاليا حالة شغب بعد الانتخابات والتي ان نجحت عمليات الشغب هذه سيكون على روسيا انتظار جورجيا اخرى في البلقان .
ومن أحداث العام أيضاً تمرد فاغنر وموت بريغوزين الأمر الذي تناوله الغرب بسيناريوهات انقلابية، حولته روسيا إلى فرصة وفتحت باب التطوع إلى هياكل الحرس الوطني الروسي وبعض الفيالق الأخرى، ولعل النقطة المهمة هي وبكلمات اخرى تخلص القيادة الروسية من صداع قائد فاغنر وتحويل كل مراكز القوة في يد القيادة العسكرية الروسية والتي بدورها أخذت أدوار فاغنر في كل من سوريا، ليبيا، افريقيا الوسطى، بوركينا فاسو ومالي من خلال نائب وزير الدفاع يونس بك ايفيكوروف.
خلال هذا العام أيضاً استمرّت روسيا في بيع المواد الخام المختلفة إلى الخارج دون مشاكل معرقلة وبتنسيق كامل مع أصدقائها الكبار في أوبك ( السعودية والإمارات)
بالتالي، هذا العام، هو عام الإنجازات وإن لم تكن كبيرة بالنظر إلى حجم روسيا كقوة عظمى، لكن الحفاظ على وحدة الداخل، صدت الكثير من المشاريع الغربية تجاه روسيا، وبنفس الوقت لا يمكن القول إن هذا العام كان وردياً، فقد حدثت نكبات أخرى كانت عاملاً مزعزعاً للاستقرار الروسي، على سبيل المثال، استهداف الكرملين، والعاصمة موسكو والأراضي الحدودية الروسية إلى جانب ضرب المنشآت الحيوية الروسية كمطارات عسكرية وموانئ وغير ذلك من قبل الجانب الأوكراني، وهذا الأمر تحديداً كان من أكثر العوامل خطورة خلال العام، وأمر يجب التعايش معه طالما أن ما من مبادرة سلام حقيقية تم تقديمها حتى الان.
بالنسبة للانتخابات أو التحضير لها هذا العام خاصة في المناطق الجديدة من روسيا، هو أمر غاية في الأهمية، فلا تزال روسيا قوية لجهة إدارة أمورها واتباع برامجها المعتادة، وتقيم المؤتمرات والندوات ولا يزال الكرملين يستقبل الرؤساء والضيوف من الدول الحليفة والصديقة، فكانت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى موسكو دلالة واضحة على هذا الأمر، وكذلك زيارة رئيس كوريا الشمالية كيم جونغ أون، وفي كلا الزيارتين، هناك معالم تحالفات تشكلت.
أما بالنسبة لمستقبل الحرب في أوكرانيا، من المستبعد أن يرسم العام الجديد ملامح وضع نهاية لها، لأن القرار النهائي سيخرج من الولايات المتحدة، وهذا مرتبط بطبيعة الحال بالانتخابات الرئاسية الأمريكية، ومرتبط بشخص الرئيس الجديد بصرف النظر إن كان جمهورياً أو ديمقراطياً، فاستمرار الحرب من عدمها مرهون بقرار أميركي، لذا سيستمر الوضع على حاله إلى أن يقرر اللاعبون الكبار وضع نهاية لها، بالتالي، أي مقاومة أو دعم عسكري لأوكرانيا في ظل الأوضاع الأخيرة لن يغير من خارطة الميدان وستبقى روسيا متحكمة في منطقة العملية الخاصة، مع التأكيد أن أي أحلام باستعادة الأراضي المفقودة من أوكرانيا تلاشت بشكل كبير، واهم سبب لهذا الطرح ان الغرب وشعوبه بدأوا بالفعل في التعبير عن الضجر من المطالبات المالية والعسكرية الاوكرانية .
بالإضافة إلى ذلك يبدو ان الدعم الغربي سيتوجه إلى جبهة اخرى والتي يمكن ان تنفجر في أي لحظة ، الا وهي جبهة الشمال مع فنلندا والسويد والدنمارك وهذه الدول مؤخراً وقعت اتفاقيات مع كل من بريطانيا و الولايات المتحدة على المستوى العسكري وينتظر ان تبدأ الدول الأنجلوسكسونية في نقل اسلحة ومعدات بكميات كبيرة في هذا الاتجاه، الأمر الذي سترد عليه روسيا بأي حال.
بشكل عام 2023 لم يكن سوى عام بدأت فيه روسيا رسم ملامح مستقبلها في الداخل من خلال الانتخابات البرلمانية السابقة والتحضير لانتخابات الرئاسة الروسية في مارس القادم، وتثبيت موقفها العسكري على الجبهة الاوكرانية، في حين ان عام 2024 سيكون بلا شك عام للنتائج لعملية سياسية وعسكرية وأيدولوجية بدأتها روسيا في عام 2022.
د. عمرو الديب – رئيس مركز خبراء رياليست.
المصدر: موقع قناة المشهد.