نيودلهي – (رياليست عربي). مع مطلع عام 2025 بدت العلاقات بين الهند والولايات المتحدة على أعتاب اختراق كبير. فقد كان رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي من أوائل القادة الأجانب الذين التقوا الرئيس الأميركي المنتخب آنذاك دونالد ترامب في واشنطن، بعد ساعات فقط من توقيع ترامب خطة تنفيذية لفرض ما سماه «رسوماً جمركية متبادلة».
الرسائل الرمزية كانت قوية. قادة أكبر وأقدم ديمقراطيتين في العالم تعهدوا بمضاعفة حجم التبادل التجاري إلى $500 млрд بحلول 2030، فيما أكد مودي علناً التزامه بإبرام «اتفاق تجاري متوازن ومفيد للطرفين» في المستقبل القريب.
لكن بعد أقل من عام، تلاشت تلك التوقعات. فبحلول ديسمبر، أصبحت الهند من بين أكثر الشركاء التجاريين تعرضاً للرسوم الأميركية، مع تعريفات جمركية تجاوزت في بعض الحالات تلك المفروضة على الصين، رغم أن بكين كانت الهدف الرئيسي لخطاب ترامب الانتخابي.
ويرى اقتصاديون أن الأسس الموضوعية لاتفاق لا تزال قائمة. فالولايات المتحدة تبحث عن شركاء موثوقين لسلاسل التوريد خارج الصين، بينما توفر الهند حجماً إنتاجياً وقدرات تصنيعية متنامية. في المقابل، تحتاج نيودلهي إلى نفاذ مستقر إلى السوق الأميركية لدعم نموذجها القائم على نمو الصادرات. غير أن جولات التفاوض المتكررة فشلت حتى الآن في تحقيق اختراق.
وفد تجاري أميركي أنهى الأسبوع الماضي جولة جديدة من المحادثات في نيودلهي دون نتائج ملموسة. ورغم النبرة الإيجابية العلنية — إذ وصف السفير الأميركي اتصالاً حديثاً بين مودي وترامب بأنه «جيد جداً» — يعترف المفاوضون في الكواليس بأن المباحثات لا تزال عالقة.
مسؤولون تجاريون أميركيون سابقون يعزون الجمود إلى السياسة الداخلية. فالرسوم الجمركية والزراعة تحديداً تبقى ملفات شديدة الحساسية. واشنطن تطالب بنفاذ أوسع للمنتجات الزراعية والطاقة الأميركية، بينما ترفض الهند فتح قطاعها الزراعي، محذرة من كلفة سياسية داخلية مرتفعة. كما أن التنازلات المحدودة في مجال الطاقة لم تُقابل بالتزامات أوسع، خاصة فيما يتعلق بالمحاصيل المعدلة وراثياً ومنتجات الألبان، التي تواجه معارضة قوية من لوبي المزارعين في الهند.
وتزيد الجغرافيا السياسية المشهد تعقيداً. فالولايات المتحدة تضغط على الهند لتقليص وارداتها من النفط الروسي، معتبرة أن تلك المشتريات تُضعف تأثير العقوبات الغربية على موسكو. وفي أغسطس، فرضت واشنطن رسوماً إضافية بنسبة 25% على السلع الهندية، لترتفع التعريفات الإجمالية إلى ما يصل إلى 50%، جزئياً بهدف ردع تلك الواردات. غير أن نيودلهي رفضت علناً ربط سياساتها في مجال الطاقة بالمطالب الأميركية، مشددة على ضرورة تأمين إمدادات ميسورة التكلفة لسكانها.
خبراء الأسواق يحذرون من أن استمرار الجمود له كلفة اقتصادية حقيقية. فالرسوم المرتفعة تضغط على تدفقات رؤوس الأموال، وتزيد تقلبات العملة، وتضعف ثقة المستثمرين. ويقدّر محللون أن استمرار تعريفات بنسبة 50% قد يخفض نمو الناتج المحلي الإجمالي للهند بنحو نصف نقطة مئوية، مع أثر ملموس على الصادرات.
ورغم الضغوط، تمكنت الهند حتى الآن من امتصاص الصدمة بشكل أفضل من المتوقع. فقد تراجعت الصادرات بشكل حاد في أكتوبر لكنها بقيت إجمالاً متماسكة، فيما تواصل الولايات المتحدة كونها سوقاً رئيسية للسلع الهندية. إلا أن اقتصاديين يحذرون من أن غياب الاتفاق سيُبقي حالة عدم اليقين قائمة، وأن أي تسوية مستقبلية ستتطلب قرارات سياسية محفوفة بالمخاطر من الجانبين.
ومن الجانب الأميركي، تواجه الرسوم أيضاً انتقادات متزايدة. إذ يحذر اقتصاديون من أن ارتفاع التعريفات على الواردات الهندية يغذي التضخم ويرفع الكلفة على المستهلكين والشركات الأميركية، خصوصاً في قطاعات الأدوية والآلات والسلع الاستهلاكية.
ومع اقتراب نهاية عام 2025، حلّت الواقعية محل التفاؤل. فالهند، التي كانت تُعد المرشح الأبرز لإبرام اتفاق مبكر مع إدارة ترامب، لا تزال من دونه — في مؤشر على أن التقارب الاستراتيجي والمنطق الاقتصادي لم ينجحا بعد في تجاوز حسابات السياسة الداخلية والخلافات التجارية العالقة لدى الطرفين.






