بوغوتا – (رياليست عربي). تُسرّع الصين من وتيرة توسعها السياسي والاقتصادي في كولومبيا، مع ازدياد التوتر بين بوغوتا وواشنطن في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وبحسب مصادر متعددة، كثّفت بكين اتصالاتها قبيل انتخابات الرئاسة والكونغرس في 2025، حيث وجهت دعوات لمرشحين ومسؤولين كولومبيين للمشاركة في رحلات مجانية تستعرض التقدم التكنولوجي والبنية التحتية الصينية.
وشملت الزيارات هذا العام ثلاثة مرشحين رئاسيين، وأربعة أعضاء في مجلس الشيوخ، ووزيراً في الحكومة، إلى جانب رجال أعمال وإعلاميين. ويحصل الضيوف على جولات حصرية في مصانع كبرى، وفرص تصوير في مقار حكومية فاخرة، ولقاءات مع مرشدين يتحدثون الإسبانية بطلاقة ويظهرون معرفة دقيقة بالسياسة والمجتمع الكولومبي.
المرشح الرئاسي خوان مانويل غالان قال إنه فوجئ بمستوى التحضير: “المرشدون، ومعظمهم دبلوماسيون سابقون، يتمتعون بمعرفة عميقة للغاية.” وتأتي هذه المبادرة في وقت يتدهور فيه التحالف التاريخي بين كولومبيا والولايات المتحدة.
توتر متصاعد بين بوغوتا وواشنطن
ترامب وصف الرئيس الكولومبي غوستافو بيترو بأنه “بلطجي”، وفرض عقوبات عليه وعلى أفراد من دائرته المقربة، كما ألغى اعتماد كولومبيا كشريك في الحرب الأمريكية على المخدرات. وانخفضت المساعدات الأمريكية بشكل حاد هذا العام، فيما ألمحت واشنطن إلى إمكان اتخاذ إجراءات عسكرية داخل الأراضي الكولومبية.
وبحسب البروفيسورة فينيتا أندونوفا من جامعة الأنديز: “المسألة ليست كراهية ترامب وبيترو لبعضهما، بل أن الولايات المتحدة لم تعد مستعدة لدفع الفاتورة — بينما الصين مستعدة.”
السفير الصيني تشو جينغيانغ أكد الأسبوع الماضي أن هدف بلاده “تعزيز علاقة متبادلة المنفعة، بغض النظر عمّن سيسكن القصر الرئاسي بعد الانتخابات.”
وتُظهر البيانات أن التغيير قائم بالفعل: ففي دورة الكونغرس 2023–2024، زار 28 نائباً كولومبياً الصين، مقابل 24 زاروا الولايات المتحدة.
جزء من استراتيجية صينية أوسع في أمريكا اللاتينية
تأتي هذه الدعوات ضمن تعهد أطلقه الرئيس شي جين بينغ باستضافة 300 سياسي من أمريكا اللاتينية سنوياً على مدى السنوات الثلاث المقبلة. ويرى محللون أن مثل هذه الرحلات تمثل أدوات القوة الناعمة الصينية، وتسهم في بناء علاقات سياسية تُضعف النفوذ الأمريكي.
الاستثمارات الصينية في المنطقة باتت تركز على مشاريع استراتيجية وتقنية بدلاً من القروض الضخمة كما كان الحال في العقد الأول من الألفية. وفي كولومبيا، يظهر هذا التحول منذ سنوات.
انضمت كولومبيا إلى مبادرة الحزام والطريق عام 2024، وبلغ حجم التجارة الثنائية 20.8 مليار دولار العام الماضي بزيادة 13%، لكن العجز التجاري الكولومبي مع الصين اتسع إلى 12.4 مليار دولار.
كما أصبحت الشركات الصينية لاعباً محورياً في مشاريع البنية التحتية: ففي 2019 فازت شركة CHEC بعقد مترو بوغوتا بقيمة 4.5 مليارات دولار، إضافة إلى حيازتها حصة الأغلبية في مشروع طريق “هايواي تو ذي سيز 2”.
وتعمل بوغوتا أيضاً مع شركة سينوفاك لإنشاء “بوغوتا بيو”، وهو مركز بحث وإنتاج لقاحات بقيمة استثمارية قد تصل إلى 100 مليون دولار.
صراع تكنولوجي على عقود حكومية ضخمة
تستعد حكومة بيترو لمنح عقد حوسبة سحابية بقيمة 1.3 تريليون بيزو يشمل نحو 200 مؤسسة عامة. وقد أبدت شركات أمريكية مثل أمازون ومايكروسوفت وغوغل وIBM وأوراكل اهتماماً، بينما تخشى واشنطن من دخول شركات صينية مثل هواوي وعلي بابا المنافسة.
السفير الصيني رفض الادعاءات بأن الشركات الصينية تشكل خطراً أمنياً، واصفاً هذه المخاوف بأنها “سردية مضللة”.
تأثير متزايد على الخطاب السياسي الكولومبي
عاد السيناتور والمرشح الرئاسي روي باريراس من زيارته للصين مشيداً بنجاحها الاقتصادي، متسائلاً: “هل الصين خطر أم فرصة؟ الخطر الحقيقي هو الابتعاد عنها.”
ويرى محللون أن الصين لا تفعل شيئاً جديداً بحد ذاته، لكن السياق الذي خلّقه ترامب — توتر دبلوماسي، تقليص للمساعدات، وتهديدات — جعل العرض الصيني أكثر جاذبية من أي وقت مضى.
وتقول مارغريت مايرز من معهد الحوار بين الأمريكيتين: “العرض الصيني يأتي في لحظة تراجع أمريكي واضح… وهذا ما يجعل نفوذ بكين أكثر قوة في كولومبيا.”






