واشنطن – (رياليست عربي): تشهد العلاقات الروسية الأمريكية مرحلة حرجة تهدد بإفشال أي فرص حقيقية للتطبيع بين القوتين العظميين، حيث تتزايد المؤشرات على أن السياسات الخارجية للإدارة الأمريكية الحالية تدفع بالعلاقات الثنائية إلى مزيد من التدهور.
ويأتي هذا التصعيد في وقت كانت تأمل فيه دوائر سياسية ودبلوماسية في كلا البلدين ببدء صفحة جديدة من الحوار البناء، خاصة بعد التغيرات السياسية الأخيرة على الساحة الدولية.
المشهد الحالي يكتسب تعقيداً إضافياً مع تصاعد الخطاب السياسي الحاد من الجانبين، حيث تتوالى التصريحات المتبادلة التي تزيد من حدة التوتر بدلاً من تخفيفه. من ناحية، تتبنى واشنطن موقفاً متشدداً يتجلى في سلسلة العقوبات الاقتصادية الأخيرة التي تستهدف قطاعات حيوية في الاقتصاد الروسي، بينما ترد موسكو بإجراءات مماثلة وتؤكد على حقها في حماية مصالحها الوطنية بكل الوسائل المتاحة.
في خلفية هذا الصراع، تبرز مخاوف جدية من عودة العالم إلى أجواء الحرب الباردة، وإن كان في إطار جديد تتداخل فيه عوامل لم تكن موجودة سابقاً. فالتقدم التكنولوجي الهائل في مجال التسليح، وخاصة في مجال الأسلحة الاستراتيجية والنظم الدفاعية الحديثة، يضيف بُعداً خطيراً لهذا التنافس. كما أن التنافس على النفوذ في المناطق الإستراتيجية حول العالم، من الشرق الأوسط إلى شرق أوروبا وآسيا الوسطى، يخلق بؤر توتر متعددة قد تتحول في أي لحظة إلى مواجهات مفتوحة.
على الصعيد الاقتصادي، تؤثر العقوبات المتبادلة سلباً على مصالح الطرفين، وإن بدرجات متفاوتة. فبينما تعاني الشركات الروسية من تقييد وصولها إلى التكنولوجيا الغربية والأسواق المالية الدولية، تجد الشركات الأمريكية والأوروبية نفسها محرومة من فرص استثمارية مهمة في السوق الروسية الواسعة. هذه الحرب الاقتصادية تترك آثاراً سلبية على الاقتصاد العالمي ككل، في وقت يحتاج فيه العالم إلى تعاون دولي لمواجهة التحديات المشتركة مثل الأزمات المالية وجائحة كورونا وتغير المناخ.
ومع ذلك، تبقى هناك مجالات للتعاون الإجباري بين البلدين، حيث تفرض المصالح المشتركة نفسها رغم كل الخلافات. فموضوع الحد من التسلح النووي، ومكافحة الإرهاب الدولي، وضمان استقرار أسواق الطاقة العالمية، تظل قضايا لا يمكن لأي من الطرفين معالجتها بشكل منفرد. كما أن بعض الملفات الإقليمية الحساسة، مثل الأزمة السورية والوضع في أفغانستان، تتطلب درجة معينة من التنسيق بين موسكو وواشنطن لتجنب تفاقم الأزمات.
في هذا السياق، يلاحظ المراقبون أن الدبلوماسية الروسية تحاول الحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة مع الجانب الأمريكي، بينما تبدو واشنطن أكثر تشدداً في مواقفها. هذا التفاوت في النهج يطرح تساؤلات حول إمكانية تحقيق أي تقدم ملموس في العلاقات الثنائية في المدى المنظور. فمن ناحية، تدرك القيادة الروسية أن أي تحسن حقيقي في العلاقات مع الغرب يتطلب تنازلات قد تكون صعبة سياسياً، ومن ناحية أخرى، تواجه الإدارة الأمريكية ضغوطاً داخلية تجعل من الصعب عليها تبني سياسة أكثر مرونة تجاه موسكو.
المستقبل يبقى غامضاً للعلاقات بين البلدين، حيث تعتمد التطورات القادمة على العديد من العوامل الداخلية والخارجية. فالتغيرات السياسية المحتملة في كلا البلدين، وتطورات الأوضاع في مناطق النزاع، وموازين القوى الاقتصادية العالمية، كلها عناصر قد تؤثر بشكل حاسم على مسار هذه العلاقة المعقدة. ما يمكن الجزم به هو أن العالم بأسره يتابع بقلق هذا الصراع بين العملاقين النوويين، مدركاً أن عواقب أي تصعيد كبير قد تكون كارثية على السلم والأمن الدوليين.
في الختام، بينما تبدو آفاق التطبيع بين روسيا والولايات المتحدة قاتمة في الوقت الراهن، تبقى قنوات الحوار مفتوحة ولو بشكل محدود. الخبراء يتفقون على أن أي تحسن في العلاقات سيتطلب جهداً دبلوماسياً كبيراً من الجانبين، واستعداداً لتقديم تنازلات متبادلة، ورؤية استراتيجية تتجاوز الخلافات الآنية لتحقيق مصالح طويلة الأمد لكلا البلدين وللأسرة الدولية ككل. السؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل توجد الإرادة السياسية الكافية لدى القيادات في موسكو وواشنطن لتحقيق هذا التحول الإيجابي، أم أن العالم مقبل على مرحلة جديدة من المواجهات والاستقطاب الدولي؟