واشنطن – (رياليست عربي): كشف السناتور الأمريكي البارز ماركو روبيو عن مفاوضات جادة بين الولايات المتحدة وحلفائها في حلف شمال الأطلسي (الناتو) حول إمكانية نقل أنظمة الدفاع الجوي المتطورة “باتريوت” إلى القوات الأوكرانية.
ويأتي هذا الإعلان في وقت حرج تشهد فيه الحرب الأوكرانية تطورات خطيرة، مع تصاعد الضربات الجوية الروسية على البنية التحتية المدنية في مختلف أنحاء أوكرانيا.
أنظمة “باتريوت” الأمريكية الصنع تعتبر من بين أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطوراً في العالم، حيث تتميز بقدرات متكاملة لاعتراض الصواريخ الباليستية، والطائرات الحربية، والطائرات المسيرة، وحتى بعض أنواع الصواريخ الفرط صوتية. وتشير مصادر عسكرية إلى أن نشر هذه الأنظمة في أوكرانيا قد يشكل نقطة تحول في موازين القوى الجوية، خاصة في حماية المدن والمنشآت الاستراتيجية من الضربات الروسية المتكررة.
من الناحية التقنية، يتطلب نشر أنظمة “باتريوت” في أوكرانيا عدة تحديات لوجستية وعملية. أولاً، يحتاج الأمر إلى تدريب مكثف للقوات الأوكرانية قد يستغرق عدة أشهر، حيث تعتبر هذه الأنظمة معقدة التشغيل وتتطلب كوادر مدربة تدريباً عالياً. ثانياً، تبرز مشكلة الصيانة والإمداد، حيث تحتاج هذه الأنظمة إلى قطع غيار خاصة ودعم فني مستمر. ثالثاً، هناك تحديات تتعلق بحماية هذه الأنظمة نفسها من الهجمات الروسية، حيث من المتوقع أن تكون أولوية استهداف للقوات الروسية.
وعلى الصعيد السياسي، يثير هذا المقترح انقساماً واضحاً داخل تحالف الناتو. بينما تؤيد دول مثل بريطانيا وبولندا ودول البلطيق التوجه نحو تزويد أوكرانيا بأسلحة أكثر تقدماً، تبدي دول أخرى مثل ألمانيا وفرنسا تحفظاتها خشية تصعيد المواجهة مع روسيا إلى مستوى خطير، كما أن هناك مخاوف من أن يؤدي نقل هذه الأنظمة المتطورة إلى أوكرانيا لتجاوز بعض الخطوط الحمراء الروسية، مما قد يدفع موسكو إلى ردود فعل غير متوقعة.
من جهة أخرى، يرى محللون استراتيجيون أن هذا التحرك قد يكون جزءاً من استراتيجية غربية أوسع لتعزيز القدرات الدفاعية الأوكرانية على المدى الطويل، وليس مجرد رد فعل على التصعيد الروسي الأخير، فبالإضافة إلى أنظمة “باتريوت”، تدرس واشنطن وحلفاؤها إمكانية تزويد أوكرانيا بأنظمة دفاع جوي أخرى متوسطة المدى، وكذلك زيادة المساعدات في مجال الاستخبارات العسكرية وتقنيات الحرب الإلكترونية.
رد الفعل الروسي المتوقع لا يبدو إيجابياً بالطبع. فقد حذرت موسكو مراراً من أن تزويد أوكرانيا بأسلحة متطورة سيعتبر “تجاوزاً للخطوط الحمراء”، وهددت باتخاذ “إجراءات ردية غير مسبوقة”، بعض الخبراء العسكريين يتوقعون أن ترد روسيا على هذا التحرك عبر زيادة هجماتها على مراكز القيادة والتحكم الأوكرانية، أو حتى استهداف شحنات الأسلحة الغربية قبل وصولها إلى الخطوط الأمامية.
في السياق الأوكراني، يأتي هذا النقاش في وقت تشتد فيه الحاجة لأنظمة دفاع جوي فعالة. فخلال الأسابيع الأخيرة، تسببت الضربات الجوية الروسية في دمار كبير في البنية التحتية للطاقة، مع انقطاع التيار الكهربائي عن ملايين المدنيين مع اقتراب فصل الشتاء، كما أن الهجمات على المنشآت الصناعية والاتصالات أثرت سلباً على الاقتصاد الأوكراني الذي يعاني أصلاً من تبعات الحرب.
التداعيات الإقليمية والدولية لهذا القرار المحتمل تبدو بالغة الأهمية. فمن ناحية، قد يشجع نقل أنظمة “باتريوت” دولاً أخرى على زيادة دعمها العسكري لأوكرانيا، مما قد يغير بشكل جذري من معادلة القوى في ساحة المعركة، ومن ناحية أخرى، قد يدفع هذا التصعيد روسيا إلى البحث عن حلفاء جدد أو إلى تسريع برامجها لتطوير أسلحة أكثر تطوراً، بما في ذلك الصواريخ الفرط صوتية التي يصعب على أنظمة “باتريوت” الحالية التعامل معها.
ختاماً، يبدو أن قرار نقل أنظمة “باتريوت” لأوكرانيا ليس قراراً عسكرياً فحسب، بل هو بالدرجة الأولى قرار سياسي يستدعي موازنة دقيقة بين الرغبة في دعم أوكرانيا، وخطر تصعيد المواجهة مع روسيا إلى مستويات غير مسبوقة، كما أن نجاح هذه الخطوة – في حال تنفيذها – سيعتمد بشكل كبير على القدرة الأوكرانية على استيعاب هذه الأنظمة المعقدة وتشغيلها بشكل فعال في ساحة المعركة، وهو تحدٍ كبير بحد ذاته.
