موسكو – (رياليست عربي): شهدت الساحة الدولية مؤخراً محادثة هاتفية مهمة جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الأمريكي دونالد ترامب، حيث تم خلالها بحث عدد من الملفات الساخنة التي تشكل نقاط توتر رئيسية في العلاقات الثنائية بين البلدين.
هذه المحادثة التي استمرت لفترة طويلة، كما وصفها المصدر الروسي، تأتي في إطار سلسلة من الاتصالات بين الزعيمين التي تهدف إلى إدارة الخلافات العميقة بين موسكو وواشنطن، مع الحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة لمنع أي تصعيد غير محسوب في ظل الأجواء المشحونة التي تميز العلاقات بين القوتين العظميين.
وفي سياق الأزمة الأوكرانية، التي تشكل أحد أكثر الملفات إثارة للخلاف بين الجانبين، تناول الزعيمان مستجدات الوضع في المنطقة والجهود المبذولة لإيجاد حلول سياسية للأزمة المستمرة منذ عام 2014. الجدير بالذكر أن الموقف الروسي ظل ثابتاً فيما يخص ضرورة احترام حقوق السكان الناطقين بالروسية في شرق أوكرانيا، بينما حافظ الجانب الأمريكي على موقفه الداعم لكييف والمطالب بانسحاب القوات الروسية من الأراضي الأوكرانية. وتكمن تعقيدات هذا الملف في التداخل بين الاعتبارات الجيوسياسية والأمنية من جهة، وحقوق الأقليات والمصالح الاقتصادية من جهة أخرى، مما يجعل أي حل شامل أمراً بالغ الصعوبة دون وجود إرادة سياسية حقيقية لدى جميع الأطراف المعنية.
أما فيما يتعلق بملف الشرق الأوسط، فقد شهدت المحادثة نقاشاً معمقاً حول التطورات في المنطقة التي تشهد تنافساً واضحاً بين النفوذ الروسي والأمريكي. في سوريا على وجه الخصوص، حيث تدعم موسكو نظام الرئيس بشار الأسد بشكل كامل، بينما تواصل واشنطن دعمها لبعض فصائل المعارضة، يبرز التناقض الصارخ في الرؤى بين البلدين. ومع ذلك، فإن هناك بعض نقاط التلاقي المحتملة، خاصة في ما يتعلق بمكافحة الإرهاب واستعادة الاستقرار إلى المنطقة، والتي قد تشكل أساساً للتعاون المحدود بين الطرفين رغم خلافاتهما الاستراتيجية.
وفي إطار الأزمة الليبية، التي تشهد هي الأخرى تنافساً بين القوى الدولية، ناقش الزعيمان التطورات الميدانية والمبادرات السياسية الجارية. الوضع في ليبيا يكتسب أهمية خاصة نظراً لكونه تحول إلى ساحة صراع بالوكالة بين عدة أطراف دولية، مع ما يرافق ذلك من تداعيات خطيرة على أمن المنطقة ككل. كما تطرق النقاش إلى الوضع في اليمن، حيث تختلف الرؤى الروسية والأمريكية حول طريقة معالجة الأزمة الإنسانية والسياسية التي تعصف بالبلاد منذ سنوات.
على صعيد العلاقات الثنائية، تبقى العقوبات الاقتصادية الأمريكية المفروضة على روسيا أحد العوائق الرئيسية أمام أي تحسن ملموس في العلاقات بين البلدين. هذه العقوبات التي تم تمديدها وتوسيع نطاقها بشكل متكرر في السنوات الأخيرة، تشكل ضغطاً كبيراً على الاقتصاد الروسي وتحد من قدرة موسكو على المناورة على الساحة الدولية. من جهة أخرى، تظل قضية التدخل في الانتخابات الأمريكية اتهاماً مستمراً يلوح به الجانب الأمريكي ضد روسيا، مما يزيد من تعقيد المشهد السياسي بين البلدين.
فيما يخص ملف الحد من التسلح النووي، الذي يشكل أحد أهم مجالات التعاون المحتملة بين البلدين، تبقى التوقعات متحفظة بسبب التباين في المواقف حول كيفية معالجة هذه القضية الحيوية. انسحاب الولايات المتحدة من معاهدة القوات النووية متوسطة المدى (INF) في عام 2019 شكل ضربة قاسية لهذا المجال من التعاون الثنائي، مع ما يحمله ذلك من مخاطر حقيقية على الأمن الدولي بشكل عام.
النظرة المستقبلية للعلاقات الروسية الأمريكية تبقى محكومة بمجموعة من العوامل المعقدة والمتشابكة. مع اقتراب الانتخابات الرئاسية الأمريكية، من المتوقع أن تشهد هذه العلاقات مزيداً من التوتر، خاصة في ظل استخدام القضية الروسية كورقة سياسية في الحملات الانتخابية. ومع ذلك، فإن المصالح المشتركة في بعض الملفات الدولية، بالإضافة إلى الحاجة المتبادلة لتجنب المواجهة المباشرة، قد تدفع الطرفين إلى الحفاظ على قنوات اتصال مفتوحة، وإن على مستوى محدود.
ختاماً، يمكن القول إن العلاقات الروسية الأمريكية تمر بمرحلة بالغة الحساسية والتعقيد، حيث تختلط فيها عناصر التنافس الاستراتيجي مع محاولات إدارة الأزمات المشتركة. المحادثة الهاتفية الأخيرة بين بوتين وترامب تعكس هذا التناقض الجوهري في العلاقة بين القوتين النوويتين. في حين أن احتمالات التحسن الكبير في هذه العلاقات تبقى ضئيلة في المدى المنظور، فإن أهمية الحوار بينهما تظل ضرورية لمنع أي انزلاق نحو مواجهة قد تكون عواقبها كارثية على السلم والأمن الدوليين.