القاهرة – (رياليست عربي): في بداية عام 1839 استطاعت البحرية البريطانية السيطرة على مدينة عدن بالرغم من استبسال المقاومة الشعبية بعدن التي حاولت بكل ما تملك من قوة منع احتلال المدينة وتم استعمار عدن نظراً لفارق الإمكانات الهائل بين المقاومة الشعبية التي حاولت الاحتفاظ بالمدينة وبين قوات الامبراطورية البريطانية “الشمس التي لا تغيب”.
أسباب استعمار عدن
تمكن الاستعمار البريطاني من عدن بسبب الانقسام في سلطنات وإمارات الجنوب التي بلغ عددها 21 إمارة وسلطنة ومشيخية، مستقلة عن بعضها، وكانت متناحرة فيما بينها، حتى أصبح الاستعمار هو الرابط الوحيد الذي يجمعها بدلاً عن الروابط الوطنية والدينية والثقافية .
هذا الواقع المزري مكّن الاستعمار من الهيمنة بنفوذهم في الجنوب بكل أريحية لما يزيد عن المائة والعشرون عام، إلى أن انبعثت حركات التحرر الوطني في آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا في أعقاب الحرب العالمية الثانية 1945 .
بدأت الإمبراطورية البريطانية تضعف وتنهار بالشرق الأوسط بعد أن تحررت مصر والعراق والأردن من الانتداب البريطاني، وبعد أن تمكن الهنود من إنجاز استقلالهم نهاية أربعينيات القرن، وترتب على ذلك أن عدن تحولت إلى قاعدة بريطانية رئيسية بعد أن كانت في البداية محطة لتزويد السفن التجارية البريطانية بالوقود ونقطة بحرية لحماية الطريق بين أوروبا والهند.
وبعد ذلك بدأ الاحتلال البريطاني في 1954 العمل على إنجاز مشروع ” اتحاد إمارات الجنوب العربي”، وهو كيان سياسي أرادت من خلاله بريطانيا أن تستمر في سيطرتها على الجنوب من خلاله حتى تستطيع القضاء على دعوات الاستقلال، لكن الخلافات بين السلاطين والشيوخ الموالين للاستعمار حول رئاسة الاتحاد أدت الى تأخر إعلانه حتى عام 1959 .
حركات القبائل الرافضة للاحتلال
بدأت حركات قبلية جنوبية رافضة لتواجد الاحتلال بالجنوب في ريف جنوب اليمن ضد البريطانيين خلال الخمسينات، وأراد الإمام “أحمد” في شمال اليمن أن يكون زعيماً قومياً مناهضاً للاحتلال فقام بتحريض بعض القبائل في الضالع ولحج عام 1954 وحث القبائل على استهداف الجنود والقيادات الانكليزية، ومن الجدير بالذكر أن الإمام أصبح هو أيضاً في مرمى الرفض الشعبي وهدفاً للتمردات العسكرية .
النضال المدني بعدن
بدأ الجنوبيين باستثمار حقوقهم الديمقراطية التي يوفرها الانكليز بمستعمرة عدن وقاموا بممارسة الديمقراطية التي منحها لهم الاحتلال وقاموا بتأسيس النقابات والاتحادات العمالية، ويعد تأسيس “المؤتمر العمالي” في عام 56 هو القفزة الأكبر في العمل النضالي المدني، حيث أخذ ” المؤتمر” على عاتقه تنظيم الاحتجاجات و الإضرابات والمظاهرات التي كان لها دوراً مؤثراً في عدن .
وكان “المؤتمر العمالي” بمثابة أيقونة المظاهرات التي رفضت قرار الاستعمار الذى أراد ضم مدينة عدن إلى “الاتحاد الفيدرالي” في عام 62، وقد شهدت تلك المظاهرات قمعاً عنيفاً من قبل قوات الاستعمار وزادت من التصعيد ضده.
انطلاق ثورات التحرير
كانت الثورة التي نفذها تنظيم الضباط الأحرار بمصر ضد الملك فاروق في 23 يوليو 1952 تأثيراً كبيراً في الشرق الأوسط واليمن العربية والجنوب بشكل خاص.
ومن هؤلاء الضباط الزعيم الخالد جمال عبد الناصر والقائد عبد اللطيف البغدادي والزعيم أنور السادات، وكانت الثورة المصرية بمثابة أيقونة لانطلاق ثورات التحرير في شمال اليمن وفى الجنوب العربي .
وبعد حرب اليمن ضد الإمام والتي نتج عنها ولادة الجمهورية اليمنية في الشمال في سبتمبر عام 1962 وتم ذلك بدعم مصري وكان هناك دوراً اخر لمصر وذلك بدعم الجنوب ضد الاستعمار البريطاني، حيث تأسست “جبهة تحرير الجنوب المحتل” وتفرعت منها أيضاً “الجبهة القومية” التي تبنت الكفاح المسلح لطرد الإنكليز.
خطاب الزعيم عبد الناصر
كان خطاب الزعيم جمال عبد الناصر هو المحرك الأكبر ، والذي كان يصل إلى اليمن عبر الراديو بشكل رئيسي، بمثابة الدافع الأكبر لنزع التحرر من الإنكليز رغماً عن أنف بريطانيا العظمي الشمس التي لا تغيب حيث كان الخطاب القومي يتم توجيهه للمدنيين في عدن والعسكريين في ريف الجنوب، ومع تشكل التنظيمات السياسية المناهضة للاستعمار أصبحت مصر هي الداعم الأول لها سياسياً، ثم عسكرياً في وقت لاحق عبر تزويد المقاومة بالسلاح بحسب فيديو وثائقي للرئيس جمال عبد الناصر.
الكفاح المسلح ضد الاحتلال البريطاني
بدأ الكفاح المسلح ضد الاحتلال البريطاني في الجنوب مع عودة الثوار الجنوبيين من صنعاء إلى لحج في أغسطس من العام 1963 وتم ذلك بعد مشاركتهم في حماية النظام الجمهوري اليمني وترسيخ قواعد الجمهورية الجديدة هناك .
أرات قوات الاستعمار البريطاني انتزاع السلاح من الثوار الجنوبيين العائدين من الشمال والذين كان يقودهم “راجح غالب لبوزة”، فأدى ذلك إلى الكفاح المسلح وقيام ثورة في 14 أكتوبر 1963.
قيام ثورة 14 أكتوبر
ثورة 14 أكتوبر هي ثورة اشتعلت شرارتها في 14 أكتوبر 1963، في الجزء الجنوبي من اليمن ضد الاحتلال البريطاني، وانطلقت من جبال ردفان، بقيادة راجح بن غالب لبوزة، الذي استشهد مع مغيب شمس يوم الثورة، وقد شنت السلطات الاستعمارية حملات عسكرية غاشمة استمرت ستة أشهر، ضربت خلالها القرى والسكان الآمنين بمختلف أنواع الأسلحة، تشرد على إثرها آلاف المدنيين العزل. واتّبعت القوات البريطانية في هجماتها وغاراتها على مناطق ردفان سياسة «الأرض المحروقة»، وخلفت كارثة إنسانية فظيعة جعلت أحد أعضاء مجلس العموم البريطاني يدين تلك الأعمال اللاإنسانية.
و توسع الكفاح المسلح بعد ذلك تدريجياً ووصل إلى عدن عام 64 حتى أطاح بالاستعمار بعد أربع سنوات.
30 نوفمبر والاستقلال التام
على الرغم من الانقسامات البينية داخل بنية الثورة، والتي وصلت عام 66 حد الاشتباكات المسلحة بين “جبهة التحرير” المدعومة من الزعيم جمال عبد الناصر وبين “الجبهة القومية” ذات النزوع الشيوعي المتصاعد، إلا أن الثورة مضت في طريقها حتى إجبار بريطانيا على الانسحاب النهائي من الجنوب في 30 نوفمبر 1967.
خاص وكالة رياليست – خبيرة في الشأن العربي والدولي – مصر.