سأل صحفي ذات يوم رئيس وزراء بريطانيا السابق السيد ونستون تشرشل، عن رأيه في الديمقراطية كنظام للحكم، فأجاب إذا كان لديكم أفضل من الديمقراطية فأتوني بها فوراً…كما صرح الزعيم أنور السادات يوماً وقال … إن الديمقراطية لها أنياب أشرس وأقوي من الدكتاتورية. ان أبسط تعريفات الديمقراطية تتمثل في القوانين وليس الأفراد او الأجهزة.. ورغم عيوب ومساوئ الديمقراطية فهي افضل نظام حكم للعالم الحر في زمننا هذا كما يدعي كثير من مؤيدى ومناصري الديمقراطية حول العالم.
وهنا يطرح السؤال، هل مازالت فعلاً الديمقراطية أفضل نظام وأسلوب للحكم للعالم الحر المتقدم ؟ وهل ذلك يتناسب مع الوقت الحاضر والتقدم التكنولوجي الهائل علي جميع الأصعدة الصناعية الزراعية والتجارية والاقتصادية والإعلامية وتناقل وتبادل البيانات والمعلومات والاتصالات … هل هذه السمات التي تتسم بها الحضارة الانسانية المعاصرة ،،،؟؟هل حقا مازالت الديمقراطية التقليدية هي افضل نظام حكم يناسب العالم الحر ؟؟ ام ان الديمقراطية تحتاج وبشكل سريع وعاجل الي تعديل وتوافق كي تنسجم مع متطلبات العصر لتلبي احتياجات ومتطلبات العالم الحر…؟؟؟
إن المشاكل التقليدية التي تعاني منها الأنظمة الديمقراطية والتى تتمثل في سيطرة وتغول رأس المال السياسي، احتكار السلطة ،الفسادالادارى، تزوير الأصوات والتلاعب بالنتائج …..وقد ازدادت وتضاعفت تلك المشاكل بظهور شبكات التواصل الاجتماعي ، والكم الهائل من نقل وتبادل المعلومات والسرعة الكبيرة في تناقل الأخبار والتى كانت وسيلة سهلة وفعالة لنشر وترويج الشائعات بكل اشكالها … مما آدى الي عدم المصداقية ونشر الخوف والقلق وعدم الاستقرار … سواء محلياً او اقليمياً او عالمياً.
كما كان لجائحة كورونا والتى تسببت في إصابات بالملايين ووفيات بالالاف، وادخلت العالم في مشاكل طبية وصحية واقتصادية وسياسية وغيرت من سلوك ونمط الحياة اليومية المعتاد للبشر ، وسوف نستغرق كثير من الوقت للعودة الى ما قبل كوفيد 19.
في يوم 3 نوفمبر 2020 وهو اليوم الذي بدأت فيه انتخابات الرئاسة الامريكية بين الرئيس دونالد ترامب (الحزب الجمهورى) ومنافسة جو بايدن ( الحزب الديمقراطي) وهما الحزبين المتنافسين دائما علي معقد الرئاسة ، وهو الحال في اغلب دول العالم الغربي الرأسمالي، حيث ان الحزب الجمهورى يقابل حزب المحافظين في بريطانيا وأحزاب اليمين في فرنسا وألمانيا ،اما الحزب الديمقراطي يقابله حزب العمال في بريطانيا والحزب الاشتراكى في فرنسا وإيطاليا، وذلك يوضح جلياً ان الحزب الجمهوري يمثل طبقة رجال المال والأعمال والبرجوازية والرأسمالية المتوحشة، اما الحزب الديمقراطي يمثل طبقة العمال والموظفين (الطبقة المتوسطة والأقل) وكلاهما يمثل الصراع الطبقي الأزلي بين اصحاب المال والأعمال واصحاب الايدى العاملة والمدافعين عن حقوق العمال الاجتماعية والاقتصادية والسياسية.
وقد أسفرت نتائج الصراع الانتخابي في أمريكا الي فوز مرشح الحزب الديمقراطي جو بيدن( كما كان متوقع)، وهو الأمر الذي لم يعترف به الرئيس الأمريكى ، وهو الأمر والسلوك الذي كان متوقع من الرئيس الأمريكى وذلك مرجعة مايلي :
– نشأة دونالد ترامب في أسرة صاحبة الأموال والعقارات والنفوذ.
-امتلاك العديد من الفنادق ونوادي القمار – وحبه وشغفه للمغامرة والمقامرة والمراهنات ، حيث ان صاحب تلك الممارسات … لا يعترف ولا يستسلم بسهولة للخسارة.
-حب الشهرة والظهور الاعلامى في وسائل الميديا المختلفة ، والذي يؤكد حب االذات والنرجسية .
-افتعال مشاكل وخلافات مع الصحافة ومؤسسات الادارة الامريكية ،وخاصة ذات الأغلبية الديمقراطية، والسود والمرأة و(داخليا) كذلك مع الأصدقاء والحلفاء التقليديين للولايات المتحدة الامريكية(خارجيا).
-اقتحام ملفات شائكة علي الصعيد المحلي ( التأمين الصحى ونظام الهجرة والمقيمين ) وعلي الصعيد الخارجي .. الخروج من اتفاق المناخ ، وتحفيز بريطانيا علي الخروج من الاتحاد الاوروبي، التباعد مع فرنسا وألمانيا والصين، والتقارب مع الصين وروسيا .. وكذلك ملف الخليج والصراع الاسرائيلي الفلسطيني واتفاق النووي الإيراني والملف العراقي والأفغاني … واهمال الملف السورى والليبي والارهاب والحلف الاطلسي و إثارة التباغض الفرنسي واليوناني والتركي الايطالي وغض البصر عن تمدد النفوذ التركى.
كل تلك العوامل والأسباب وغيرها وتصرفات وسلوك الرئيس ترامب خلال فترة رئاستة ، تؤكد الي حد بعيد عدم قبولة بنتائج خسارته وفوز منافسة في نتخابات الرئاسة التى جرت في شهر نوفمبر الماضي ، رغم حصوله علي أكثر من 75 مليون صوت مؤيدين لتولية فترة رئاسية ثانية، انه وبعض المستفيدين من بطانته والمقربين منه يعيشون في عالمهم الافتراضي ، غير معترفون بتلك الخسارة وان تسليمة السلطة للإدارة الجديدة المنتخبة اصبح حقيقة وأمر واقع.
وقد اتضح ذلك جليا يوم الأربعاء الموافق 6 يناير الجاري عندما اقتحم مناصري الرئيس ترامب لمبنى الكابيتول ( مقرالكونجرس الأمريكى) وهو اليوم المحدد لتصديق أعضاء الكونجرس علي نتائج الانتخابات بفوز جو بايدن ، بناء عَلِي تصويت المجمع الانتخابي أيضاً، وهو الحدث الذي شاهدة العالم عبر شاشات التلفاز ووسائل التواصل الاجتماعي علي الهواء مباشرة والذي احدث صدمة هائلة تماثل ما شاهده العالم في احداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وانهيار برجي التجارة العالمية في نيويورك، والذي كان ضربة موجعة للولايات المتحدة الامريكية وهيبتها حول العالم… وايضاً ان اقتحام الكابيتول وظهور مناصرى الرئيس ترامب تعبثون في طرقات وصالات وتحطيم اجهزة ومعدات وديكورات ومقاعد نواب الشعب الأمريكى في مشهد محرج للمؤسسات والإدارة والمسئولين وللشعب الامريكي الذي يتغني ليل نهار بالحرية والمدنية والديمقراطية والحضارة …وأصبحت أمريكا أضحوكة العالم، وزد علي ذلك تعرض كبرى المؤسسات والهيئات والشركات الامريكية الى اختراق لشبكات معلوماتها من الخارج وهو تهديد خطير لأمنها القومي وأمن حلفائها ايضا…
ان ذلك المشهد الكارثي سوف يتوقف العالم الحر عنده كثيراً… والذي يوضح ويؤكد ان العالم الحر والنظم الديمقراطية في العالم وعلي رأسها الولايات المتحدة الامريكية تعاني وسوف تعاني في المستقبل القريب والبعيد من تداعيات ذلك الحدث … وأنها البداية الحقيقية ونذير خطر داهم للعالم الديمقراطي الحر ، وضرورة العمل سريعاً علي معالجة وإصلاح النظام الديمقراطي وتطوير مفاهيم وطرق ممارسة الديمقراطية لتواكب تطورات واحداث ومتطلبات وحاجات المواطن في الوقت الحاضر والمستقبل في ظل ظروف ومحدثات جديدة تحيط بعالمنا المعاصر… وعلينا الانتظار لما سوف تسفر عنه الأيام القادمة من احداث وتغيرات علي كافة الاصعدة والمجلات.